بحضور نحو 30 قائد دولة ومنظمة دولية، تُعقد في العاصمة الرياض 3 قمم هامة، بمشاركة الرئيس الصيني والقادة العرب، إذ تحمل العديد من الرسائل والمتغيرات على الصعيد العالمي.
وتأتي القمم الثلاث الخليجية والعربية والصينية العربية في ظل توتر عالمي وارتباك في العلاقات الدولية بين المعسكر الغربي والصين وروسيا والعديد من الدول الأخرى، وهو ما يراه المراقبون بمثابة رسائل هامة للغرب ونتائج طبيعية لسياسة المصالح الأحادية التي اتبعتها واشنطن وبعض دول الغرب خلال العقود الماضية.
بحسب الخبراء فإن توجه الدول العربية لتنويع تحالفاتها وشراكاتها لا يأتي على حساب شراكات أخرى أو علاقات مع الغرب، لكنه يراعي في المقام الأول المصالح الوطنية ومبدأ “رابح-رابح”.
واستقبل العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، في قصر اليمامة بالرياض، أمس الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بحضور ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان.
اتفاقية الشراكة الاستراتيجية
ووقع خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس الصيني، شي جين بينغ، اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية.
ويحتل توطيد العلاقات بين الصين والدول العربية أولوية كبيرة لدى بكين، خاصة في ظل الحصار الذي يفرضه الغرب على الصين منذ فترة، ومناورته بملف تايوان في محاولة لإشعال أزمة عالمية أخرى.
توطيد علاقات
حول أهمية الزيارة وما يترتب عليها، قال الكاتب والمحلل الاقتصادي، طلعت زكي حافظ، إن “القمة العربية – الصينية بالرياض، من شأنها “توطيد العلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية بين الصين والدول العربية، خاصة في ظل حجم المبادلات التجارية الكبير بين الصين وبين معظم الدول العربية”.
وأوضح حافظ في حديثه لـ”سبوتنيك” أن “حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية ارتفع من نحو 37 مليار دولار في 2004 إلى 330 مليار دولار في 2021، كما بلغت قيمة الاستثمارات الصينية 214 مليار دولار معظمها في السعودية والإمارات والعراق ومصر والجزائر”.
وفي خلال السنوات الأخيرة، تحولت الصين إلى أكبر شريك تجاري لمعظم الدول العربية مجتمعة، والمستثمر الأول فيها، وهو ما يشير إليه الخبير الاقتصادي بقوله: “دون أدنى شك فقد شكلت مبادرة الحزام والطريق الصينية، مرتكزا أساسيا لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتبادلات التجارية بين الصين والدول العربية، إضافة إلى أن الصين تعد أكبر ثاني اقتصاد على مستوى العالم، إذ يشكل الاقتصاد الصيني ما نسبته 17,4% من الناتج الإجمالي العالمي”.
متغيرات عالمية
متغيرات عدة يشير إليها الخبراء تترتب على القمة المنعقدة في الرياض، ويوضح حافظ في هذا الإطار: “أهم المتغيرات المتوقعة في العلاقات العربية الصينية التجارية والاقتصادية، بما في ذلك السياسية أن تزدهر أكثر مما عليه واقع الحال اليوم، لا سيما وأن العلاقات شهدت تطورا ملحوظا خلال العقود الماضية منذ حقبة التسعينيات من القرن الماضي، خاصة في ظل مبادرة الحزام والطريق الصينية”
توجس غربي
يتوجس الغرب في الوقت الراهن من أي تقارب بين الدول العربية مع الصين أو روسيا، إذ يشير الخبراء إلى أن واشنطن والغرب تحاول عرقلة أي تقارب بأي طريقة.
وحول تأثير التقارب الصيني – العربي على العلاقات مع الغرب، تابع حافظ: “لا أعتقد بأن التقارب العربي-الصيني سيكون على حساب العلاقة التي تربط الدول العربية بالدول الغربية، لا سيما وأن العديد من الدول العربية إن لم يكن جميعها تربطها علاقات قوية ومتينة بدول الغرب، وبالتالي فإن التوجه شرقا لا يعني الاستغناء عن العلاقات مع الغرب بأكثر ما هو تنويع للعلاقات الدولية التي تخدم مصالح الدول العربية في مجالات تنموية عديدة”.
حرص ثنائي
فيما قال الكاتب والمحلل السياسي السعودي، فيصل الصانع، إن “زيارة رئيس جمهورية الصين، شي جين بينغ، إلى المملكة تعكس حرص قيادتي البلدين على تعزيز العلاقات الثنائية، و شراكتهما الاستراتيجية واستثمار إمكاناتهما السياسية والاقتصادية في خدمة مصالحهما المشتركة”.
ويرى في حديثه لـ”سبوتنيك” أن “حرص المملكة على تنمية العلاقات الثنائية مع الجانب الصيني في سياق توجهها الاستراتيجي يأتي في إطار تعزيز علاقاتها وشركاتها الثنائية مع جميع الدول والقوى الدولية المؤثرة، وإقامة علاقات متوازنة معها تخدم أهداف المملكة، وتسهم في حماية مصالحها”.
قمم ثلاث وأهداف مشتركة
ولفت إلى أنه “خلال زيارة الرئيس الصيني تعقد ثلاث قمم هي (السعودية الصينية، والخليجية الصينية، والعربية الصينية) بحضور أكثر من 30 قائد دولة ومنظمة دولية، ما يعكس أهمية انعقاد هذه القمم، وما تحظى به من اهتمام إقليمي ودولي”.
وعلى هامش القمة السعودية الصينية، يجرى توقيع أكثر من 20 اتفاقية أولية بقيمة تتجاوز 110 مليار ريال، إضافة إلى توقيع وثيقة الشراكة الاستراتيجية بين المملكة والصين، وخطة المواءمة بين “رؤية المملكة 2030″، ومبادرة “الحزام والطريق”.
جائزة الأمير محمد بن سلمان
كما يأتي إطلاق جائزة الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافي بين السعودية والصين ضمن المحطات التي تؤسس لتعاون كبير بين الجانبين.
ويشير الصانع إلى أن “القمم التي تعقد في العاصمة السعودية الرياض تنعكس أثارها على المنطقة على المستوى السياسي أو الاقتصادي خاصة في ظل ما تحظى به المملكة من مكانة في الوقت الراهن، وكونها المحرك للاقتصاد العالمي في الوقت الراهن”.
رسائل للغرب
في الإطار ذاته، قال الخبير الاستراتيجي السعودي، وجدي القليطي، إن “العديد من المتغيرات يمكن أن تترتب على القم الثلاث التي تعقد في الرياض”.
وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك” أن “أهداف الصين تتمثل في تحسين صورتها في العالم العربي في إطار تسويق مشروعها “طريق الحرير”، وأنها حريصة على تعزيز علاقتها مع دول الخليج والشرق الأوسط”.
ويرى أن “ما يميز التعاون “غير المشروط” بين الدول العربية والصين يمثل نقطة انطلاق هامة”.
تنويع تحالفات السعودية
وشدد على أن “المملكة العربية السعودية اتجهت منذ سنوات إلى تنويع تحالفاتها، وهو النهج نفسه لدول الخليج، خاصة أن واشنطن دائما يمكنها أن تنسحب إذا ما تحققت مصلحتها الأحادية دون التفكير في الآخرين كما حدث في أفغانستان”.
ويشير الخبير السعودي إلى أن “إعادة هندسة العلاقات في الخليج والمنطقة العربية يراعي المصالح المشتركة لا الأحادية، كما تفعل بعض الدول، ومنها واشنطن”.
وبشأن تأثير القمة في ظل التوترات العالمية الحالية، يقول القليطي: “الغرب يشاهد الآن كل ما يحدث وما يترتب على القمة، كما يرصد كافة المشروعات التي توقع بشأنها اتفاقيات، ما يعني أن الصين حاضرة في المنطقة العربية عبر تسهيل السعودية لها هذا الحضور”.
وفي شهر تشرين الثاني، قال القنصل الصيني العام في دبي، لي شيوي هانغ، في تصريحات نشرت على موقع القنصلية إن الزيارة “حدث كبير لتحسين العلاقات الصينية العربية وعلامة بارزة في تاريخ العلاقات الصينية العربية”.
Views: 5