وهل سيكون المُهاجرون المُسلمون “كبْش فداء” لتفاقم الأزَمات الاقتصاديّة؟ وما هي السّيناريوهات النازيّة المُتوقّعة؟
تقول القاعدة “الذهبيّة” في المُجتمعات الغربيّة إنّه كُلّما تدهورت الأوضاع الاقتصاديّة، وارتفعت مُعدّلات البطالة في أوساط الطّبقة العاملة، والشّباب خاصّة، تتناسل الأحزاب والجماعات العنصريّة اليمينيّة الفاشيّة، ويتحوّل المُهاجرون من أصولٍ غير أوروبيّة إلى “كبشِ فِداء” وتحميلهم مسؤوليّة هذا التّدهور، وتتزايد المُطالبات بطردهم وإعادتهم إلى بلادهم؟
أوروبا تعيش حاليًّا ظُروفًا اقتصاديّة واجتماعيّة صعبة مُنذ اندلاع الحرب الأوكرانيّة من حيث استِفحال أزمة الطّاقة، وغلاء المعيشة، ويكفي الإشارة إلى أن خسائرها من جرّاء ارتفاع الغاز والنفط بلغت حواليّ ترليون يورو في أقل من عشرة أشهر، مُضافًا إلى ذلك أعباء المُساعدات الماليّة والعسكريّة التي قدّمتها الحُكومات لدعم الجيش الأوكراني بعد الاجتياح الروسي، وتخفيف مُعاناة أكثر من أربعين مِليون مُواطن أوكراني سواءً من الذين بقوا في البِلاد أو بالعشرة ملايين الذين فرّوا إلى دول الجِوار.
نسوق هذه المُقدّمة بعد إقدام مُواطن فرنسي عنصري أبيض بإطلاق النار على مجموعة من الأكراد بالقُرب من المركز الثقافي الكردي في باريس، ممّا أدّى إلى مقتل رجلين وإمرأة وإصابة ثلاثة آخرين أحدهم في حالةٍ خطيرة، وأكّدت التحقيقات الأوليّة أن دوافع هذا الهُجوم “عنصريّة” وأن المُشتبه به صاحب سوابق وأُدينَ بالاعتداء بالسكّين على مُهاجرين آخرين قبل بضعة أشهر.
استخدام القاتل مُسدّسًا، وتُدرّبه إلى الرّماية في أحد الأندية المُخصّصة لذلك، يعني أن هُناك إصرارًا من جانبه على ارتكاب هذه الجريمة العُنصريّة، ولا نعتقد أنه استهدف الأكراد لأنهم أكراد، وربّما لأنهم “غير بيض” ومن المُهاجرين الذين يُريد إرهابهم، وطردهم من فرنسا.عندما حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من تفشّي العُنصريّة النازيّة في أوكرانيا، وتصاعد جرائم عصاباتها المحميّة من الدولة وقوّات أمنها، في حقّ أبناء جلدتهم من أصلٍ روسيّ، شكّك كثيرون في الغرب في هذه الأقوال واتّهموا الرئيس بوتين باستِخدامها كذريعة لتبرير غزوه لشرق وجنوب البلاد، وخاصّةً منطقة دونباس وقبلها شبه جزيرة القرم ذات الوجود العِرقي الروسي القوي.
لا نستبعد أن يكون هُجوم هذا العجوز الفرنسي (69 عاما) على مُهاجرين أكراد في قلب العاصمة الفرنسيّة، مُجرّد قمّة جبل الجليد، حيث بدأت الأحزاب الفاشيّة في أوروبا تتجهّز لشنّ هجماتٍ عُنصريّةٍ على المُهاجرين، وخاصّةً القادمين من دول الاتّحاد المغاربي الذين يُشَكّلون الأغلبيّة.
عدد المُهاجرين في أوروبا، والعرب والمُسلمين منهم بشَكلٍ خاص، يزيد عن 20 مِليون إنسان، نسبة كبيرة منهم تحمل جنسيّة البلد التي يُقيمون فيها منذ عُقود، وبدأت مُساواة هؤلاء مع نُظرائهم “الأصليين” واندِماجهم في مُحيطهم تتآكل بشَكلٍ مُتسارع، والأخطر من ذلك وجود اتّجاهات قويّة لتغيير القوانين، وتسهيل عمليّات سحب الجنسيّة لذرائع مُتعدّدة، أبرزها تُهمة دعم الإرهاب، ونحن لا نتحدّث هُنا عن الشّريحة الجديدة من المُهاجرين التي باتت تُواجه صُعوبات جمّة للحُصول على حقّ اللّجوء، أو الجنسيّة، عندما يتم الإيفاء بالشّروط اللّازمة للحُصول عليها.
قلق الجاليات العربيّة والإسلاميّة في أوروبا بات مُتصاعِدًا، ومُبرّرًا في الوقتِ نفسه في ظِل تصاعد قوّة اليمين الفاشي، واستِسلام مُعظم الحُكومات لضُغوطه، بتطبيق الخِناق على المُهاجرين، واتّخاذ العديد من الإجراءات “المُغلّفة” بقِناعٍ قانونيّ لتطفيشهم، ودفعهم للعودة إلى البلاد التي جاءوا منها، أو تصديرهم إلى بلاد مِثل رواندا بالاتّفاق مع حُكومتها مُقابل مُساعدات ماليّة مثلما هو الحال في بريطانيا.
النظريّة الدّارجة هذه الأيّام وعلى لسان العديد من الخُبراء تقول إن المُهاجرين العرب، والمُسلمين منهم على وجْهٍ خاص، قد يُواجهون مصير اليهود في ألمانيا النازيّة قبل الحرب العالميّة الثانية، بطَريقةٍ أو بأخرى، وعلينا أن نتذكّر أن الأزمة الماليّة التي ضربت أوروبا في عام 1928 هي التي مهّدت الطّريق لوصول حزب هتلر الاشتِراكي إلى سُدّة الحُكم عبر صناديق الاقتِراع، وإلقاء اللّوم على اليهود، وتحميلهم مسؤوليّة انهِيار الاقتِصاد الألماني، وبقيّة القصّة معروفة.
جريمة إطلاق النار، وقتل الأكراد الثلاثة في باريس، فألٌ سيءٌ ومُزدوج، سواءً للمُهاجرين، أو للحُكومة الفرنسيّة، لأنّ هذه الجريمة الإرهابيّة تعكس اتّجاهًا قويًّا في صُفوف بعض جماعات اليمين المُتطرّف هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أُخرى قد يُقابلها جماعات أكثر تطرّفًا بين المُهاجرين، وتُقدِم على أعمالٍ ثأريّةٍ انتقاميّةٍ، الأمر الذي قد يَخلِق حالةً من الفوضى الدمويّة يَصعُبُ السّيطرة عليها.
المُهاجرون العرب والمُسلمون الذين يُشكّلون الأغلبيّة في مُعظم الدول الأوروبيّة، قد يتحوّلون إلى الضحيّة الأكثر استهدافًا، في ظِل صُعود اليمين النّازي في القارة، وإطالة أمَد الحرب الأوكرانيّة، وتفاقم الأزمات المُترتّبة عليها، والاقتصاديّة منها على وجه الخُصوص، ولعلّ الإضرابات العمّاليّة التي تشلّ بريطانيا هذه الأيّام، والاحتِجاجات المُتزايدة في العديد من العواصم الغربيّة رفضًا للتدخّل في هذه الحرب وضخّ الأموال فيها على حسابِ دافعِ الضّرائب الأوروبي واحتِياجاته الأساسيّة بداية سيناريوهات عنيفة قد تستهدف الحُكومات أوّلًا، وتنقلب لاحقًا ضدّ المُهاجرين نتيجة تسلّل الأحزاب والجماعات المُتطرّفة إلى صُفوفها، وتوظيفها في خدمةِ أهدافها الفاشيّة العُنصريّة الإجراميّة.
“رأي اليوم”
Views: 4