( أربعونَ ثانية)
نسيم الرحبي – البلاد
كان َصوتُها حاداً رخيماً تناجي حبيبها باستغاثةِ المجهول ..
اتصالَها الليلي الدائم تتبادل فيه الحب والسؤال عن المستقبل مع خطيبها الذي تحب .
آلا زلتَ تحاول من أجلِ أوراقي.. أرجوك الاستعجال فقد ضاق النفس .. وكثُرت أشواقي ..
لاتقلقي ياحبيبتي ، فقد تكلمتُ مع والِدك بأنكِ خلال أشهر قليلة .. ستنيرين أيامي .. وستصبحينَ أُمَّاً لأولادي ..
كيف حالُ البلاد والأهل والعباد.. كيف حالُ جيراننا والأصدقاء مها وفؤاد .
حالُنا كما حال المرض السقيم في ازدياد ..
لاتخافي فالله قادر وهوَ الشافي المعافي ..
أُهدي إليكِ قلبي وفرحي وأيامنا القادمة..
وأنا أُهديكَ ماتبقى من عمري يارفيقَ الدرب ..
كم الساعة لديكِ ؟
إنها الرابعة صباحاً ..
اخلدي للنومِ إذاً ونامي بعمق فالقادمُ أجمل ..
حسناً ..
في الثامنة صباحاً .. فتحَ التلفاز .. وإذا بكارثةٍ تعمُّ بلاده والضحايا بالآلاف ..
إنَّهُ الزلزال القاتل ( أربعونَ ثانية) قلبَت الموازين .. ونام الفقيرُ والمسكين .
حاولَ الاتصال كثيراً والتواصل ..
فقد نامت حبيبتَه بعمق.. نامت للأبد رفيقةُ الدرب .. في السماء لدربٍ ليسَ فيهِ لقاء .
هكذا أخبَرتهُ مها خطيبةُ فؤاد عندما استطاعَ التواصُل..
فقد ماتت حبيبَتهُ وماتَ فؤاد.. هذهِ أخبارُ العباد ..
أغلقَ الهاتِف وبقيَ يبكي عندما ظنَّ كُلَ الظنِّ أنَ الوقت المتبقي ليُحضِر حبيبَتَهُ إليهِ قليلا إلا أنَّ (الأربعونَ ثانية) كانت أسرعُ من ظنِّه ..
رنَّ الهاتِف من جديد هَرِعَ خائفاً وتهيأ لموقِفٍ مؤلم آخر .. وإذا بصوتٍ يقول ..
تفضَّل لاستكمالِ أوراقِ خطيبَتَك ..فأنت محظوظ .. وضعَ الهاتِف جانباً ولكن هذه المرَّه ضاحكاً باكياً مهزوماً أمامَ القدَر ..
وأمام تلك الليلة المظلمة التي كان يشعرُ الناس فيها بجزءٍ من الأمان.. فكلٌّ لهُ قِصَّته وأحلامه رغمَ الألم ..
عندما أغلقَت كلُّ عائلة بابها وأصبحَ موصداً ليشعروابالنومِ العميق الأبدي ..تلك الليلة الموحلة المنكوبة.. التي لايعلمُ بها أحد ، ولابحجمِ كارثَتِها .. غيرت الأقدار ، وأصبحَ الليلُ نهار ، وباتَ كلُّ شئٍ دمار ، والأحلامُ في اندثار، وكأنها فيلمٌ سينمائيٌ هوليودي ..
أيُّ أملٍ سيحيا فينا .. فمهما كانَ القادِم لن يغير مسرى الألم في عروقِنا ، ومساحاتُ الوجَع في مساماتِ جلدِنا .
Views: 9