في العام 1970 كان المجلس النيابي يتألف من ثلاثين مارونياً، وتسعة عشر شيعياً، وأحد عشر من الأرثوذكس، وستة من الكاثوليك، وعشرين سنيّاً، وخمسة أرمن، وستة دروز، وواحد من البروتستانت، وواحد عن الأقليات الأخرى.
في 17 آب من العام نفسه، التأمَ مجلس النواب في وسط بيروت لانتخاب رئيس للجمهورية، حضر النواب جميعهم، ولم يتعطل النصاب، وكان الرئيس سليمان فرنجيه مرشح الحلف الثلاثي والمعارضة، وكان إلياس سركيس مرشح النهج الشهابي المؤيد للرئيس الأسبق فؤاد شهاب.
في الدورة الأولى حصل سركيس على 45 صوتاً وفرنجيه على 38 ورئيس حزب الكتائب بيار الجميل على 10 أصوات، وصوت واحد ذهب إلى عدنان الحكيم. وفي الدورة الثانية كانت هناك 100 ورقة اقتراع، وهناك مَن تعمّد وضع ورقتين معاً، فألغيت الدورة ولم يتم فرز الأصوات، وخلال الدورة الثالثة نال سليمان فرنجيه 50 صوتاً وسركيس 49 وصار فرنجيه الرئيس الخامس للجمهورية اللبنانية، بفارق صوت واحد.
يومها قيل، وما زال لغاية الآن انّ الرئيس الوحيد الذي صنع في لبنان هو الرئيس سليمان فرنجية، وهذا ما تحدث عنه الراحل غسان تويني، عندما تمّ قبل ليلة واحدة حسم الاتفاق على ترشيح فرنجيه في مكتبه في مبنى جريدة «النهار» في شارع الحمرا، وهو الذي كان قريباً من كميل شمعون وإلى جانبه في الحلف الذي أسقط الرئيس بشارة الخوري، وكان كميل شمعون وريمون إده وبيار الجميّل يريدون أن يترشحوا، لكن لم تكن مع أي منهم الأكثرية، وكان فرنجيه في كتلة وسطية مع كامل الأسعد وصائب سلام، ونتيجة اتصالات مع الزعيم الراحل كمال جنبلاط، قال جنبلاط إنه سيقسم أصوات كتلته بين الرئيس فرنجيه والرئيس سركيس، فتم الاتفاق على ترشيح فرنجيه وتنازل له شمعون والجميل وإده.
إنقسمت الأصوات سياسيا ووطنيا وطائفيا أيضا بين المرشحين… تردّد رئيس البرلمان صبري حمادة، في إعلان الرئيس باعتبار أنّ فرنجيه نال نصف عدد أعضاء المجلس «زائداً» نصف صوت، وليس «زائداً» صوتاً كاملاً، ولكن بعد هرج ومرج، أعلن صبري حمادة أن الرئيس هو فرنجيه، وبذلك انتهى عهد الشهابية مع كل الإرث الذي حمله، من تناقضات بين «العروبية والغربية» و… و…
الشاهد لهذه الرواية، أنّ رجالات الدولة عندما كانوا يجتمعون، وبالرغم من مصالحهم الشخصية، إلا أنهم في اللحظات المصيرية والحرجة كانوا يتخذون القرار الحاسم والحازم لمصلحة البلد، بعكس ما يجري اليوم تماماً، فاليوم مصلحة «الزعيم» او «السياسي» فوق كل اعتبار، والوطن وشعبه إلى «جهنم» وبئس المصير.
النائب والوزير السابق سليمان فرنجيه حفيد الرئيس الراحل سليمان فرنجيه، وقائد الجيش العماد جوزف عون، المرشحان الأكثر جدية، والأسماء الأخرى المتداولة في الإعلام والتي يروّج لها من بعض السياسيين، ما هي إلا أسماء لجس النبض والاختبار.
يحارُ المرء في توصيف هذا الوضع السياسي المأزوم، فلا البلد يتحمل الأعباء الباهظة لهذا التأخير، ولا الشعب يستطيع ان يستمر في هذا الضنك المعيشي أو «جهنم الحمرا»، وكل يوم تتساقط كتل اللهب على المواطنين، من دون أن يرف جفن لمسؤول في هذه «الدولة».
التعنّت المقصود، من قبل بعض السياسيين، في الاعتراض على المرشحين الأقوياء بحجة «أننا لا نريد العودة الى زمن الترويكا»، والمقصود بهذه الترويكا التي كانت تقسم الحصص فيما بينها وعلى طوائفها بما يتناسب مع الاحجام، وبلغة أخرى «نهب البلد»، أصلاً لم تعد قائمة وأصل بذورها لم تعد موجودة «لم يعد في البلد شيء محرز للسرقة والنهب»، وبالتالي على ماذا هذا الإعتراض، ولماذا لا يتم الاتفاق على «تسوية ما»، تنقذ ما تبقى ضمن ضوابط وضمانات من قبل أركان هذه «المكونات المتنوعة» ضمن اتفاق محدد ومتين يتم التوافق عليه بين كل الأفرقاء المتنازعين، على أساس أن يقوم انتخاب رئيس للجمهورية لإدارة هذه الازمة، مهمتها الأساسية والاولوية هي إيقاف هذا التدهور «الجهنمي» إلى ما تحت قعر جهنم التي نحن فيها، وإلا ستبقى العيون مفتوحة على ما يجري من قبل المجتمع الغربي، والذي بات حاضراً بكل ثقله في أروقة الإدارات اللبنانية.
الشعب لم يعد يطيق ويكترث لطول وعرض وشكل «الرئيس العتيد» بقدر ما يريد رئيساً يساعد في حل الأزمة التي نحن فيها، كل الأسماء المطروحة تتودّد وكلّ على طريقته لهذا او ذاك لتسويق اسمه او تبييض صفحته والتذكير «بماضي العلاقة» بين الاطراف المعنية بهذا الاستحقاق.
الدولار أصبح بمئة الف ليرة، صفيحة البنزين تحلّق… ولا كهرباء والمواد الغذائية إلى ارتفاع والحبل عالجرار. الدستور وضع لخدمة الناس وتنظيم شؤونهم، فإذا مات الناس على أبواب المستشفيات فما حاجتنا للدستور؟
تبعاً لما تقدّم، لماذا لا يتم الاجتماع بمكان ما ولو على «الرصيف»، والإتفاق على مخرج لهذه الأزمة التي نحن فيها، أم اننا قد حسمنا أمرنا وقررنا أن ننتحر؟
Views: 5