يبدو ان البطريرك بشارة الراعي يدرك اكثر من كثير من القيادات السياسية المسيحية ان ازمة الشغور الرئاسي ستبقى بلا حل نتيجة انقسام وخلافات القوى المسيحية وعدم اتفاقها على ثوابت معينة دائمة توفر مصلحة المسيحيين المستدامة لا الموقتة عبر تسويات سرعان ما ينتهي مفعولها عند اول خلاف، كما يُدرك ان اي جلسة لإنتخاب رئيس للجمهورية هي بيد الكتل المسيحية الكبرى اولاً، لا بيَدِ القوى السياسية الأخرى وحدها، فهذه تأتي في المرتبة الثانية، وتلتزم طوعاً او بحكم الامر الواقع بما تريده الاكثرية المسيحية لو وُجِدت. لكن السياسيين المسيحيين ولا سيما الموارنة منهم مشارب شتّى وهو واقع أظهرته تجارب العقود الماضية منذما قبل اتفاق الطائف وما بعده.
ولذلك دعا البطريرك بشارة الراعي النواب المسيحيين إلى «يوم خلوة روحيّة وصلاة» نهار الأربعاء في 5 نيسان المقبل في حريصا، في إطار الإتصالات والمساعي التي يقوم بها لإنجاز الإستحقاق الرئاسي عبر تفاهم الكتل النيابية المسيحية. ولعله استخدم عبارة «خلوة روحية وصلاة» بدل عبارة اجتماع القيادات المسيحية، لعل «الروح القدس» تهبط على النواب ممثلي القوى السياسية المسيحية فتوحّد قلوبهم وعقولهم على ما فيه مصلحة المسيحيين أولاً بإنتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت ممكن، بدل الغرق في مستنقعات المواقف عالية السقف والشروط والمعايير والمواصفات، التي لا يمكن ان تتوافر في رجل واحد من جهة، ولأنها من جهة ثانية باتت مجرد «كليشيهات» مثالية سرعان ما تتلاشى لتحل محلها الواقعية السياسية، التي تقتضي التعامل مع الاستحقاق الرئاسي على انه حدث سياسي بالغ الاهمية واستحقاق دستوري لا بد منه يُفترض التعامل معه بما تُنبِته الارض السياسية لا ما تختزنه بعض افكار السياسيين غير الواقعية من شعارت شعبوية او استهلاكية.
فأي رئيس للجمهورية هو ابن هذه الارض السياسية يتعامل معها كما هي، بخاصة في ظل صلاحيات محدودة اغلبها حسب بعض المصطلحات الدستورية والقانونية سلبي وتعطيلي، لأن هذه الصلاحيات تتركز على الاعتراض ورد المراسيم والقوانين لا توقيفها بشكل نهائي وتعديلها لتلائم سياسة الرئيس او مشاريعه وتطلعاته.
فعلياً السلطة التنفيذية بيد مجلس الوزراء مجتمعاً، وأي تحالف ضد رئيس الجمهورية، ما لم تكن لديه اكثرية الثلثين او الثلث الضامن، يُقيّده بل يشل فعاليته.والسوابق موجودة في العهود الاربعة التي تلت دستور الطائف، بخاصة بعدما تم تجاوز الميثاقية في مراحل عديدة ما جعل رئيس الجمهورية رئيساً ضعيفاً سياسياً لا دستورياً فقط.
من هذه الوقائع تنبت فكرة توحيد الصف السياسي المسيحي، على الاقل حول ثوابت مستدامة تعيد الميثاقية الى مسارها الصحيح، وتعيد الدور المسيحي الفعَّال في الحياة العامة، وهو الدور الذي تراجع نتيجة خلافات المسيحيين. وهو الحوار والتوافق بين المسيحيين الذي دعا اليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري وكرره امس عبر «اللواء» بقوله: كررت عدة مرات الدعوة. ودعوت مرتين بصورة رسمية للحوار بين القوى المسيحية، لكن الكتلتين الاساسيتين عند الموارنة التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية رفضتا الحوار، علماً ان الحوار يجب ان يتركز اكثر ما يكون عند هاتين الكتلتين.
اضاف: لا يتم شيء إيجابي من دون ان تتحدث الناس مع بعضها، ومن دون حوار ستكون النتيجة مزيداً من التعطيل للبلد.
وحول دعوة البطريرك الراعي الكتل المسيحية الى الاجتماع؟ قال: قرأت انها دعوة دينية «خلوة روحية وصلاة»، فلا اتدخل فيها. على كل حال علمت ان الكتل المسيحية ما زالت تدرس الدعوة، بإستثناء موافقة الكتائب والاحرار وكتلة «تجدد»، وربما ترفضها «القوات» فلم اسمع موقفها وموقف التيار الحر بعد.
وعن كيفية فك «البلوك» الذي يطوّق الاستحقاق الرئاسي، قال الرئيس بري: ننتظرحصول ترشيحات رسمية او علنية للإنتخابات الرئاسية، فحتى الان لا يوجد سوى مرشح واحد هو ميشال معوض، هناك كلام عن مرشحين عديدين لكن حتى الان لا مرشحين آخرين رسمياً غير النائب معوض، ومتى إكتملت الترشيحات ادعو لجلسة انتخاب وليفُزْ من يفُزْ.
بعد هذا الكلام للرئيس برّي، وبعد محاولات البطريرك الراعي المتواصلة لجمع القيادات المسيحية، لا مفرّ من موقف مسيحي موحّد حيال الاستحقاق الرئاسي وإلّا بقي البلد في دوامة التعطيل والانهيار، وبالتأكيد فإن القوى المسيحية تتحمل المسؤولية الاولى والاكبر عن التعطيل اذا استمرت في رفض الحوار والتفاهم، اقله بين بعضها، فهي المعنية قبل غيرها باستعادة موقع الرئاسة الاولى وتحصينه وعدم استضعافه.
Views: 8