بعد دعوة العاهل السعودي للرئيس الإيراني لزيارة الرياض.. ما هي الانعِكاسات السّبعة لهذا التّسارع؟ وهل تجرؤ أمريكا على إجهاض هذا التّقارب؟ ولماذا الصين هي الرّابح الأكبر حاضِرًا ومُستَقبلًا.. وكيف؟
عبد الباري عطوان
تسير المُصالحة السعوديّة الإيرانيّة التي انطلقت بعد إعلان الاتّفاق الثنائي بين البلدين الجمعة الماضي برعايةٍ رئاسيّة صينيّة بخطواتٍ مُتسارعةٍ، نحو تطبيعٍ كاملٍ في العلاقات و”تصفير” المشاكل بينهما، بعد عُقودٍ من الخِلافات والصّدامات العسكريّة والسياسيّة.
توجيه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز دعوةً إلى الرئيس إبراهيم رئيسي لزيارة المملكة اليوم، وترحيب الأخير بها بشَكلٍ سريع، يؤكّد على رغبة قيادة البلدين على المُضيّ قدمًا في تطبيق بُنود اتّفاق المُصالحة، ونسف مُعظم الآراء التي تحدّثت عن فترةِ اختبارٍ تجريبيّةٍ تمتدّ لمُدّة 60 يومًا، وتؤكّد أن القمّة التي ستُعقَد في الرياض بين الملك سلمان والرئيس الإيراني قد تكون تتويجًا لتفاهماتٍ في ملفّاتٍ ثنائيّة وإقليميّة عديدة، خاصّةً في مِلف الحرب اليمنيّة (نعتقد أن الاتّفاق شِبهُ جاهز)، والأزمة اللبنانيّة، ورفع الحِصار عن سورية وإعادتها إلى الجامعة العربيّة والمُساهمة السعوديّة في معركة إعادة الإعمار عبر بوّابة القمّة العربيّة القادمة، التي قد تستضيفها الرياض بعد شهر رمضان المُبارك.
هذا التقدّم المُتسارع في العلاقات بين أكبر قوّتين شرق أوسطيين يُمكن النّظر إليه من منظورِ انعِكاساته اللّافتة على المِنطقة والعالم بأسْره، وهي انعكاساتٌ يُمكن تلخصيها في النقاط التالية:
-
أوّلًا: إعادة اللُّحمَة إلى العالم الإسلاميّ، وتوحيد قُطبيه الأبرزين، من خِلالِ مُصالحةٍ، سُنيّة شيعيّة، ووأد مُؤامرة الانقسامات والتّحريض الطائفي الفتنوي الذي وقفت وتقف خلفه الولايات المتحدة و”إسرائيل”.
-
ثانيًا: إغلاق الأبواب أمام كُل طُموحات التطبيع الإسرائيليّة وتوسيع دائِرتها بحيث تشمل دولًا جديدةً، والمملكة العربيّة السعوديّة تحديدًا، وتهميش، وربّما إلغاء، كُل اتّفاقات ما يُسمّى “بسلام أبراهام” وأدبيّاتها، فشاهدنا السعوديّة ترفض إعطاء تأشيرات دُخول لوفدٍ إسرائيليّ للمُشاركة في مُؤتمرٍ دوليّ في مدينة العُلا، وتجميد دولة الإمارات لكُل اتّفاقات التعاون وصفقات الأسلحة مع دولة الاحتِلال، وتبرّعها بثلاثة مِليون دولار لإعادة إعمار مدينة حوّاره، وهذه خطوة ذات أبعاد رمزيّة مُهمّة جدًّا.
-
ثالثًا: العصر الأمريكي الذي هيمن على المِنطقة مُنذ نهاية الحرب العالميّة الثانية بدأ يَلفُظ أنفاسه الأخيرة، لمصلحة صُعود التحالف الصيني لروسي ومنظومة دول “بريكس” التي ستكون العُنوان الأبرز للنظام العالمي الجديد بشقّيه الاقتصادي والعسكري وبَديلٌ مُوازٍ لحِلف الناتو.
-
رابعًا: البند الذي ورد في الاتّفاق بشأن تفعيل التعاون الأمني الذي ورد في اتّفاق عام 2002 كان البند الأهم، لأنّه يعني إلغاء كُل الخطط الأمريكيّة لجعل دولة الاحتِلال هي المنصّة الإقليميّة الحامية لدول الخليج في إطار أُكذوبَة مُواجهة الخطر الإيراني، وهذا التّفعيل قد يُؤدّي إلى استراتيجيّةٍ عكسيّة، أيّ التّنسيق بين البلَدين المُسلمين لمُواجهة الخطر الإسرائيلي، فإيران لم تَعُد “البُعبُع” أو “خيال المآتة” لتخويف وإرعاب دول الخليج، أو هكذا نأمَل.
-
خامسًا: التقاء المصالح الإيرانيّة السعوديّة على أرضيّة الحِوار لإيجاد الحُلول الدّائمة لكُل القضايا الخِلافيّة، فإيران التي تُواجه تهديدًا إسرائيليًّا أمريكيًّا بسبب برامجها النوويّة تُريد أن تتفرّغ لهذه التّهديدات والتصدّي لها، المملكة العربيّة السعوديّة تُريد الخُروج من “مِصيَدة” حرب اليمن الاستنزافيّة ماديًّا وبشريًّا، للتفرّغ لتحقيق طُموحاتها الدوليّة في التحوّل إلى أحد أبرز المراكز الاقتصاديّة والماليّة في العالم، وتقليص اعتِمادها على النفط تطبيقًا لرؤية عام 2030.
-
سادسًا: تصريحات السيّد محمد الجدعان وزير الماليّة السعودي التي أكّد فيها على استِعداد بلاده لضخّ المِليارات للاستِثمار في السّوق الإيرانيّة الضّخمة يؤكّد على حُدوثِ تغييرٍ جذريّ في الأولويّات لحُكومته، أيّ تقديم المصالح على العَداوات التاريخيّة، السياسيّة والعقائديّة وفتْح صفحةٍ جديدة.
-
سابعًا: عودة القضيّة العربيّة والمركزيّة الأولى إلى مكانها في صدارةِ مركز اهتمام الأُمّتين العربيّة والإسلاميّة المُشترك ومُؤسّساته، سواءً الجامعة العربيّة أو منظّمة المُؤتمر الإسلامي، من أجل تحرير الأرض والمُقدّسات، كلّها احتِمالات باتت أكثر ترجيحًا بعد هذا الاتّفاق.
Discussion about this post