وكيف تُصبح بكين القُوّة الأكثر نُفوذًا في الشّرق الأوسط وإفريقيا عبر البوّابة السعوديّة ومجموعة “البريكس”؟
تتوالى الصّفعات السعوديّة للولايات المتحدة الأمريكيّة التي تؤكّد على تسارع خطوات فكّ الارتباط السياسي والاقتصادي والأمني بين البلدين بعد تحالفٍ استمرّ ما يَقرُب من ثمانين عامًا، ومن المؤكّد أن الاقتصاد والدولار الأمريكي سيكونا من أبرز الضّحايا في المُستقبل المنظور.
بعد زيارة الرئيس الصيني للرياض ومُشاركته في ثلاث قمم سعوديّة وخليجيّة وعربيّة في كانون أوّل (ديسمبر) الماضي، ورعايته للمُصالحة السعوديّة- الإيرانيّة، تأتي اللّطمة الصينيّة الثالثة، التي لا تقلّ أهميّةً، بإعلانِ المملكة العربيّة السعوديّة، وبعد اجتماعٍ لمجلس وزرائها برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز عن اعتِمادها لخطّة الانضمام إلى منظومة شنغهاي للتعاون الدّولي التي تتزعّمها الصين بصفةِ شريك، وتضم ثماني دول على رأسها روسيا والهند وباكستان وكازاخستان، وكُل من إيران ومِصر وقطر بصفةِ مُراقب.
منظومة شنغهاي التي تأسّست عام 2001 كمُنظّمة سياسيّة واقتصاديّة وأمنيّة، إلى جانب منظومة “بريكس” (الصين، روسيا، البرازيل، الهند، جنوب إفريقيا)، باتا البديل العمليّ، والمدروس بعنايةٍ فائقة، لنظيراتها في العالم الغربيّ بزعامة أمريكا، مِثل منظومة الدّول الثماني، وحِلف النّاتو، والنظام العالمي المالي القديم الذي تأسّس على أنقاض الحرب العالميّة الثانية، والتوجّه السّعودي- الإيراني المُشترك للانضِمام إلى هذه المنظومات الصينيّة- الروسيّة، تَوجّهٌ صائب يقرأ خريطة المُتغيّرات في العالم قراءةً صحيحةً ومُتبصّرة.
الصين تتربّع على عرش العالم بشَكلٍ مُتسارع، وتسحب البِساط تدريجيًّا وبذكاءٍ من تحت أقدام الولايات المتحدة المُنشغلة حاليًّا في حربِ استنزافٍ اقتصاديّ وسياسيّ وعسكريّ في أوكرانيا، وهي الحرب التي قد تكون آخِر حُروبها.
فعندما تغزو الصين والولايات المتحدة في فنائها الخلفيّ، وتتّفق مع البرازيل على إيقاف التعامل بالدولار بينهما، واستخدام عُملتيّ البلدين في التبادلات التجاريّة (اليوان والريال)، فهذه صفعةٌ قويّة للهيمنة الاقتصاديّة الأمريكيّة التاريخيّة على أمريكا اللّاتينيّة ودُولها.
البرازيل هي أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينيّة، وحجم تبادلها التجاري مع الصين يصل إلى 150 مِليار دولار سنويًّا، ومُرشّحٌ للارتفاع ربّما بمِقدار الضّعف في السّنوات الخمس القادمة، وتمّ الإعلان عن هذا الاتّفاق التاريخي بين البلدين في مُنتدى أعمال صيني- برازيلي اليوم الخميس في بكين تحت رعاية الرئيس شي جين بينغ كان من المُفترض أن يُشارك فيه نظيره البرازيلي الوطني لولا دا سلفيا، ولكنّه تغيّب لإصابتهِ بالتهابٍ رئويّ.
الصين تخلّت عن التّعامل بالدولار مع روسيا وباكستان والهند وتركيا، وقريبًا جدًّا ستنضم دول عربيّة إلى هذه الخطوة على رأسها المملكة العربيّة السعوديّة، ممّا يعني أن زمن تسعير النفط بالدّولار يقترب من نهايته.
نختم بالقول إن الضّربة شِبه القاضية للدّولار الأمريكي، والهيمنة الاقتصاديّة الأمريكيّة على العالم قد تأتي في آب (أغسطس) القادم أثناء انعِقاد قمّة “البريكس” في جوهانسبرغ جنوب إفريقيا، حيث سيكون إصدار عُملة مُوحّدة للدّول الأعضاء على رأس جدول الأعمال، فهذه المنظومة (بريكس) تُسيطر على ثُلُث المنتوجات الصناعيّة العالميّة، وتصل حصّتها من التجارة العالميّة حواليّ 17 بالمِئة، وعدد سكّانها مُجتمعة تُمثّل حواليّ 40 بالمِئة من سكّان العالم، ورُبع مساحة اليابسة.
التوجّه شرقًا، وإدارة الظّهر لأمريكا وأوروبا، هو الخِيار العربيّ الصّحيح لأنّه خِيارٌ يخدم المصالح العربيّة، ويُنهي الهيمنة الأمريكيّة وكوارثها وحُروبها في المِنطقة، فمنظومة “بريكس” وشقيقتها “شنغهاي” هُما المُستقبل الذي سيأتي ويتعزّز على أنقاضِ النظام الماليّ العالميّ الأمريكيّ الذي بدأ يَلفُظ أنفاسه.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”
Views: 8