خطيئة السفير زهير الشن بأندونيسيا تُسلّط الأضواء على هزالة الدبلوماسيّة الفِلسطينيّة في العالم.. كيف تحوّلت مُعظم السّفارات والبعثات إلى “تكيّة” لأبناء المسؤولين الكِبار؟ ولماذا تغيب الكفاءة والوطنيّة والمُحاسبة والعِقاب؟ ونترحّم على زمنِ وأرواح السّفراء الشّهداء؟
الخطيئة التي ارتكبها زهير الشن السفير الفِلسطيني في أندونيسيا أكبر دولة في العالم الإسلامي الأسبوع الماضي عندما دافع بكُل قوّةٍ وبشكلٍ مُخجل عن قرارِ منظّمة “الفيفا” بسحب مُسابقة كأس العالم دون 20 عامًا من الدّولة المُضيفة، هذه الخطيئة لا تُغتفر فقط، وإنّما تكشف في الوقتِ نفسه عن الحالة المُزرية لما يُسمّى بالدبلوماسيّة الفِلسطينيّة وسَفاراتها وسُفرائها.
فبدلًا من أن يقف هذا “السفير” مع الدولة الإسلاميّة التي تضامنت مع قضيّة شعبه العادلة، اتّخذ موقفًا فاضحًا “بتفهّمه” لموقف منظّمة “الفيفا” المعروفة بعدائها للقضايا العربيّة وانحِيازها لدولة الاحتِلال العُنصري والدّفاع عنها وقرارها في سقطةٍ غير مسبوقة، والأخطر من ذلك أنه ما زال على رأس عمله، ولم يتعرّض لأيّ مُحاسبةٍ جديّة.
حاكم مُقاطعة بالي الهندوسي، وذات الأغلبيّة الهندوسيّة، كانَ أكثر شجاعةً ووطنيّةً من السفير الفِلسطيني عندما رفض استِقبال الوفد الإسرائيلي وفريقه الكرويّ، بينما دافع السفير الفِلسطيني بشراسةٍ عن موقف الفيفا المُنحاز لدولة الأبارتايد ومجازرها.
هُناك أكثر من 130 سفارة وبعثة فِلسطينيّة في العالم، تُكلّف خزينة السّلطة الفِلسطينيّة حواليّ 70 مِليون دولار سنويًّا، ومُعظم العاملين فيها من “سُفراء” و”دبلوماسيين” يتلقّون رواتب عالية، ويتمتّعون بامتيازاتٍ مِثل نُظرائهم في الدّول العُظمى، ولا يملكون الثّقافة والعلم والخبرة، التي تُؤهّلهم للقِيام بهذا العمل وخدمة قضيّة بلادهم وشعبهم، لأن تعييناتهم ومُعظمهم من أبناءِ قِيادات السّلطة، جاءت استرضائيّةً ووراثيّةً.
ad
فضيحة السفير الشن تُضاف إلى كَمٍّ هائلٍ من الفضائح الأُخرى، ابتداءً من تهريب الكُحول استِغلالًا للحِماية الدبلوماسيّة، مثلما حدث في الباكستان قبل أشهر، ومُرورًا بالتّحالف، بل والتّعاون الاستِخباري بشَكلٍ مُباشر أو غير مُباشر مع نُظرائهم الإسرائيليين، أو انتهاءً باعتداءِ السفير على مُوظّفةٍ عنده وإلقائها في الشّارع نازفةً مثلما حدث في سفارة فِلسطين في نيكاراغوا التي طالبت حُكومتها بسحبه فورًا باعتِباره شخص غير مرغوبٍ فيه.
السّفارات تحوّلت في مُعظمها إلى مراكزٍ للتّقاعد المُريح، وتوظيف لأبناء عليّةِ القوم السّلطوي والتّنظيمي، وميادين للصّراع بين مُوظّفيها، وبالإنابة عن الأجهزة الأمنيّة أو المؤسّسات السياسيّة التّابع لها أبواتهم في ظِلّ غيابٍ كاملٍ للمُحاسبة، فرائحة فساد مُعظم هؤلاء السّفراء والدبلوماسيين باتت تُزكِم الأُنوف، خاصَّةً المُنخرطين منهم في الأعمال التجاريّة والمُتاجرة بالعُملات، طبعًا نحن لا نُعمّم، وهُناك استِثناءات، ولكنّها نادرة للأسف.
تغيّرت ثلاث حُكومات، ووزير الخارجيّة الفِلسطيني ما زال على رأس عمله مُنذ عام 2009، ولم يتغيّر، فحتّى الدّول العربيّة التي كان وزراء خارجيّتها مُؤبّدين في حُكوماتها، تغيّرت، وتخلّت عن هذا التّقليد، ولكنّ السّلطة الفِلسطينيّة لم تتغيّر.
السيّد زهير الشن الذي أثار غضب ليس الدّولة المُضيفة وشعبها المُسلم والهندوسي فقط، وإنّما أبناء الشعب الفِلسطيني برمّته الذين شعروا بالصّدمة من جرّاء تصرّفه المُخجل، السيّد الشن يُمثّل جِهازًا دِبلوماسيًّا ليس له، في مُعظمه، أيّ علاقة بالقضيّة الفِلسطينيّة باستِثناء التّمتّع بامتِيازات منصبه، والرّواتب العالية التي يتقاضاها، وانعِدام شِبه كامِل للمسؤوليّة، والارتِقاء إلى مُستوى التّضحيات الكُبرى التي يُقدّمها شُهداء حركات المُقاومة.
رحم الله الأيّام التي كان مُمثّلي الشعب الفِلسطيني في مُختلف العواصم العالميّة مشاريع شُهداء وشُعلة من النّشاط، يَصِلُون اللّيل بالنّهار، ولا يغيبون عن مُحاضرةٍ أو مُناظرة، ويُشكّلون خطرًا على دولة الاحتِلال وجرائمها، ويستشهدون اغتيالًا على أيدي خلايا “الموساد” اعترافًا بإنجازاتهم وكسبهم الرأي العام في البِلاد التي يعملون فيها ويعيشون على الكَفاف، والأسماء عديدة مِثل نعيم خضر، ومحمود الهمشري، حسين البشير، وعز الدين القلق، سعيد الحمامي، والقائمة تطول.
“رأي اليوم
Views: 5