يبدو أنّ شرايين الحلول الداخلية لأزمة الشغور الرئاسي لا تزال مسدودة بفِعل تراكم «الدهون السياسية» غير الصحية، ما يرفع منسوب الانتظار للأدوار الخارجية.
يتبيّن من آخر «تحديث» لمواقف القوى المحلية واصطفافاتها ان لا مؤشرات قوية الى احتمال كسر المراوحة الراهنة بقوة دفعٍ ذاتية، الا اذا حصل تحوّل غير متوقّع في تموضع بعض الأفرقاء وحساباتهم.
والمفارقة انّ معظم القوى تراهن على الوقت لكسب معركة «عض الأصابع» ولدفع الخصم الى اليأس والتعب حتى يصبح جاهزاً لقبول ما يرفضه الآن. ولكن هذه اللعبة تبدو شديدة الخطورة لأنّ أحداً لا يمكنه التحكّم بما سيحمله الوقت معه، خصوصاً ان البلد ضعيف المناعة ومشرّع على كل الاحتمالات.
وقد عكست التصاريح الأخيرة لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مستوى الاستعصاء في العُقَد الرئاسية التي باتت تحتاج إلى مقاربات جديدة لحلحلتها.
ويعتبر قيادي كبير في صفوف الثنائي الشيعي انّ المواقف التي صدرت عن جعجع لا تبني حلولاً، «بل تُفاقِم المأزق الراهن».
ويلفت القيادي الى ان ليس هناك أسهل من الهوبرة ورفع والسقوف كما فعل جعجع، «ولكن ما تحتاجه هذه المرحلة المصيرية هو التصرف بمسؤولية والسعي الى إيجاد مخارج من الازمة الحالية، لأنّ البلد الذي يواصل تحلّله «عم بيروح شوي شوي بين أيدينا»، وعدم انهياره بالكامل حتى الآن يكاد يكون أعجوبة».
ويُبدي القيادي أسفه لكَون القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر قد أجهضا اكثر من فرصة للحوار الداخلي حول الملف الرئاسي، «علماً انه ليس صحيحاً انّ هذا الحوار كان ببند وحيد هو سليمان فرنجيه، وعندما اقترحه الرئيس نبيه بري لم يكن لا هو ولا «حزب الله» قد رشّحا فرنجيه أساساً».
ويعتبر القيادي في تحالف «الثنائي» انّ مجريات الأمور حتى الآن تُبيّن ان «لا أمل كبيراً في حدوث صحوة داخلية لملء الشغور الرئاسي، وبالتالي لم يعد من مجال، وللأسف الشديد، سوى التعويل على الخارج لإيجاد تسوية ما، لأنّ هناك مَن اعتاد على الركون فقط الى الهمسات العابرة للحدود».
ويضيف القيادي: مِن باب ضرب المثال على إدارة الأذن للخارج، لا بأس في استعادة واقعة حصلت قبل الذهاب إلى مؤتمر الدوحة، إذ كان الرئيس بري قد اقترح حينها سلة متكاملة للحل، تتضمن الاتفاق على قانون الانتخاب والحكومة واسم رئيس الجمهورية، الا انّ هناك لاعبين داخليين تعاملوا مع تلك السلّة بسلبية ورفضوها، ثم ما لبثوا أن قبلوا بها بعد وصولهم الى قطر.
ويتابع: بناء عليه، أتوقّع انه عندما تكتمل التسوية على اسم الرئيس المقبل، لن يقوى البعض على مواجهتها لأنّ من يدفع المال هو الذي يملك القرار.
وينفي القيادي وجود صفقة بين فرنسا و«حزب الله» حول خيار انتخاب فرنجيه، مشدداً على انّ الذين يروّجون بأنّ باريس تدعم حالياً مرشّح محور المقاومة والممانعة خلافاً لتقاليدها إنما يُجافون الحقيقة، «إذ انّ الفرنسيين يدعمون فرنجيه قبل أن يعلن «الثنائي» عن تأييده، وعندما وقفَ الرئيس السابق فرانسوا هولاند الى جانب ترشيحه عام 2016 كان العماد ميشال عون هو مرشح الحزب».
ويشير القيادي البارز ضمن «الثنائي» الى انّ فرنسا وقفت الى جانب المسيحيين منذ نشأة دولة لبنان الكبير، فأين المشكلة إذا تقاطَع موقفها هذه المرة مع موقف «الثنائي» في استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية؟ ألسنا لبنانيين أيضاً، هل نحن كفّار؟».
ويؤكد القيادي «ان فرنسا تؤيّد انتخاب رئيس تيار المرده لأنها تجد في وصوله الى رئاسة الجمهورية مصلحة للبنان وليس لـ«حزب الله» وحركة أمل، «وكل نظريات المؤامرة التي تُساق في هذا الإطار ليست لها صِلة بالواقع، وانطلاقاً من هذا الاقتناع بِجَدوى خيار فرنجيه تتحاوَر باريس مع السعوديين والاميركيين».
ويرى القيادي في فريق «الثنائي» انّ فرنسا هي الدولة الوحيدة التي تُبدي حالياً كل هذا المقدار من الاهتمام بلبنان والحرص على مساعدته.
وينفي القيادي ان يكون بري قد تبلّغ من الفرنسيين أي قرار بالعدول عن دعم فرنجيه، مشيراً الى انّ هناك تواصلاً مُنتظماً بين عين التينة وباريس بعيداً من الاضواء والضوضاء، «والمكالمات الهاتفية تكون بوتيرة شِبه أسبوعية أحياناً، تِبعاً لما تستوجبه المستجدات».
ويؤكد القيادي ان واشنطن لا تعارض انتخاب فرنجيه، «أما التفسير القائل إنّ المواصفات السعودية لا تنطبق عليه فليس صحيحاً».
ويعتبر القيادي الواسع الاطلاع انّ منح الشرعية المسيحية لانتخاب فرنجيه لا يتطلّب حُكماً ان تُصوّت له كتلتا التيار والقوات او إحداهما، مشيراً الى انّ «المطلوب حصراً هو تأمين نصاب الـ 86 صوتاً من أجل ضمان الميثاقية المسيحية لانتخاب فرنجيه ولو فاز فقط بـ 65 صوتاً».
Views: 47