رامي الشاعر
صدرت عناوين على بعض المواقع الإلكترونية، بعضها شبه رسمي، بأن وزراء دفاع سوريا وروسيا وإيران وتركيا بحثوا انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية.
وعلى الرغم مما جاء في متن تلك الأخبار بشأن إعلان وزارة الدفاع السورية عن مناقشة قضية “انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية”، إلا أن بيان وزارة الدفاع الروسية لم يتطرق إلى هذه القضية مطلقاً، وجاء فيه أن المحادثات تناولت “تعزيز الأمن في سوريا وتطبيع العلاقات السورية التركية”، مضيفة أن الأطراف أكدت رغبتها في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وضرورة تكثيف الجهود لإعادة اللاجئين.
كذلك ذكر بيان الدفاع الروسية إيلاء اهتمام خاص لمواجهة التهديدات الإرهابية ومحاربة الجماعات المتطرفة في سوريا، وأكد البيان على “الطابع البناء للحوار الجاري بهذه الصيغة، وضرورة مواصلته من أجل تعزيز استقرار الوضع في سوريا والمنطقة ككل”.
لا بد من الإشارة في هذا السياق إلى ما أكد عليه وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو من أن قوات بلاده لن تنسحب في الوقت الراهن من شمالي العراق وسوريا، مشيراً إلى أن انسحاباً تركياً من تلك المناطق يعني “توقف العمليات العسكرية ضد الإرهاب واقتراب الإرهابيين من الحدود التركية، وهو ما يشكل تهديدا للأمن القومي التركي”. واعتبر تشاووش أوغلو أن الفراغ الذي سيحدث حال انسحبت القوات التركية من شمال سوريا ستشغله التنظيمات التي تعتبرها تركيا إرهابية، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن “تركيا لا تطمع في اقتطاع أجزاء من الأراضي السورية، ولا يمكنها الانسحاب من الشمال السوري إلا حين يستتب الأمن ويعود الاستقرار الكامل إلى تلك المناطق”.
وجاءت تلك التصريحات من قبل الوزير التركي عشية اجتماع وزراء دفاع واستخبارات سوريا وروسيا وتركيا وإيران في موسكو.
إذن، ليس هناك ذكر من قريب أو بعيد لما سمي بـ “مناقشة انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية” في موسكو، على افتراض أن وزارة الدفاع السورية تعلن ذلك بغرض الاستهلاك المحلي، وهو ما قد يحمل بعض المنطق. إلا أن ذلك يدفعنا للتساؤل عن النوايا وراء تلك العناوين “البراقة”، والتي قد تكون بسبب بعض الجهل الإعلامي وربما السذاجة في تقدير الجوهر الحقيقي لمثل هذه العناوين ومآلاتها، أو رغبة في إحداث “سبق صحفي” أو صخب إعلامي يرفع من أعداد المشاهدات. أما إذا ما كانت النوايا خبيثة، فإن ذلك يستهدف ببساطة إفشال أي جهود لتطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا، وبالتالي أيضاً إعاقة أي جهود للبدء في تسوية سياسية في سوريا تنهي معاناة الشعب السوري.
أود التوضيح بهذا الصدد أن مجموعة دول أستانا تعتبر الوجود العسكري التركي تواجداً مؤقتاً يساهم مع مجموعة أستانا في الحفاظ على نظام التهدئة ووقف الاقتتال بين السوريين. إضافة إلى الدور الذي يقوم به في محاربة الجماعات المتطرفة والإرهابية، كما يستند هذا التواجد أيضاً إلى اتفاقية أضنة الموقعة بين تركيا وسوريا والتي تنص على أن بإمكان الجيش التركي دخول الأراضي السورية إلى عمق معين، حال ما اضطرته الحاجة عند وجود تهديد للأمن القومي التركي أو قضايا تتعلق بأمن الحدود، وعندما تزول هذه المخاوف، فسوف تغادر القوات التركية الأراضي السورية وتعود إلى مواقعها.
أما بخصوص ما وردني من تساؤلات بشأن مباحثات وزراء الدفاع للبلدان الأربعة سوريا وروسيا وتركيا وإيران، فقد تناولت كثيرا من القضايا، لعل أهمها كيفية مساعدة سوريا أمنياً وعسكرياً لتهيئة الظروف التي تسمح للسوريين الاتفاق على وضع يضمن ألا تجري صدامات عسكرية بين الجيش العربي السوري والجيش السوري الحر وباقي فصائل المعارضة المسلحة، كي يتم تأمين التنقلات على طريق M4، إضافة إلى تأمين مواقع عبور حدودية أخرى، وتهيئة مناطق معينة لعودة اللاجئين من تركيا إلى سوريا.
كما ناقش وزراء الدفاع كذلك الوضع المعقد جدا للأوضاع في الشمال الشرقي والشمال الغربي، وهم مكلفين بمساعدة سلطات دمشق حتى تبدأ هي بالمبادرة للتفاوض مع المعارضة المتواجدة في هذه المناطق، والتي تمثل ما لا يقل عن 8 مليون مواطن سوري، والتي لا يمكن ضمان وحدة أراضي سوريا وسيادتها الكاملة على أراضيها كافة دون التوصل لصيغة تفاهم مع هذه الفئة من الشعب السوري، ودمجها في النسيج السوري والتوصل إلى مصالحات وطنية، وصيغ لمشاركة ممثلي فئات الشعب في النظام الجديد، الذي ستسفر عنه عملية الانتقال السياسي السلمي، وفقا لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري السوري في سوتشي عام 2018.
بعد ذلك تنتهي المظاهر المسلحة في الشمال السوري بشكل عام، ويتم إيجاد حل لمشاركتهم ضمن الجيش السوري والأجهزة الأمنية ويتسلمون مواقع ومهام محددة حفاظاً على الأمن والاستقرار متمتعين الاحترام والتأييد الشعبي.
تلك هي المهام الموضوعة أمام وزراء الدفاع وقادة الأجهزة الأمنية للدول الأربعة، والتي يتعين عليهم تقديم مقترحات وخطط على مراحل، لهذا يتم اعتماد خطوات سياسية على مستوى وزراء الخارجية، ويعتمد كل ذلك فيما بعد من قبل الرؤساء. وأكرر أن هذا العمل هو لمساعدة سوريا والشعب السوري في تجاوز أزمته الداخلية والإعداد لانتخابات وتعديل دستوري، وفقط بهذا الشكل يمكننا استعادة السيادة الكاملة على الأراضي السورية وضمان وحدتها. وأنا على ثقة من أن اجتماع وزراء الخارجية للدول الأربعة، حتى ولو تأخر قليلاً، إلا أن واقع الأمر أن المهام المنوطة بهذا اللقاء تقتضي ضرورة انعقاد هذا اللقاء، وسوف يعقد منتصف الشهر القادم، استعداداً للقاء الرؤساء في وقت لاحق.
كاتب ومحلل سياسي فلسطيني
Views: 3