بعدما تراجعت أعداد المسيحيين في لبنان بنسب ملموسة، مقارنة بالنسب التي كانت متوفرة في الإحصاء العام الذي أجراه الانتداب الفرنسي في العام 1932، يجهد بعض الزعماء المسيحيين، الذين فرضوا أنفسهم على هذه الشريحة من المواطنين، إما بقوة السلاح تجاه الأقربين أو بالتخويف من الشريك الآخر في الوطن، على ادعاء حصرية هذا المكوّن الأساسي في التركيبة الطائفية والمذهبية في لبنان، وذلك في خطوات تمهيدية لتكريس أنفسهم زعماء منفردين على الطائفة، بعد محاولة إلغاء كل القيادات التي أفرزتها العائلات العريقة منذ مئات السنين قبل أيام حكم المتصرفية أو بعدها.
بعد “اتفاق معراب” في العام 2016، سارع “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” إلى الإعلان أنهما باتفاقهما باتا يمثلان 98 % من المسيحيين، واضعين بذلك تمثيل كل العائلات المسيحية اللبنانية، من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب، بنسبة لا تتجاوز 2%. وهذا غير منطقي وغير صحيح بالمطلق، إذ أنه في الانتخابات النيابية في العام 2018، وعلى الرغم من كل “البروباغندا” الاعلامية التي كلفت مئات آلاف الدولارات، فإنهما بالكاد استطاعا خطف تمثيل نصف المسيحيين، فيما حققت العائلات والأحزاب الصغيرة والمستقلون والتغييريون والسياديون النصف الثاني بكل ارتياح.
وإزاء هذا الواقع، وإذا تم وضع النواب المسيحيين الذين فازوا بأصوات المسلمين جانباً، إضافة إلى النواب الذين وصلوا بطرق مالية ملتوية، فكم يصبح عدد نواب هاتين الكتلتين، “لبنان القوي” برئاسة النائب جبران باسيل و”الجمهورية القوية” برئاسة سمير جعجع، واللتين تدّعيان احتكار تمثيل المسيحيين لوحدهما، ووجوب العودة إليهما في كل شاردة وواردة تعود للمسيحيين، لينتقلا لاحقاً إلى الصراع عليها في ما بينهما؟
في نهاية الأسبوع الماضي، ومن خلال إطلالة تلفزيونية، مدّ النائب طوني فرنجيه اليد للحوار إلى جميع الأفرقاء السياسيين، وتحديداً المسيحيين منهم، من أجل التوصل إلى مخارج حل للأزمة الرئاسية في لبنان، والمستمرة منذ نحو ثمانية أشهر. فهل من يجرؤ على ملاقاته مِن الذين يزعمون حصرية تمثيل المسيحيين؟
أم أن الهدف المحوري، لا بل أن الشرط الأولي، هو سحب ترشيح رئيس تيار “المرده” سليمان فرنجيه لأنه يشكل هاجساً لهم، ويقطع عليهم الطريق، كي يسهل عليهما فرض التوجه الذي يخططان له!
والواقع أن مؤيدي ترشيح فرنجيه، من المسيحيين خصوصاً، يردّون على هذا الشرط بتعبير “خيّطوا بغير هالمسلّة”، لأنه “يكفي المسيحيين ما عانوه من اتفاقاتكما وصراعاتكما”.
من هنا، ولأن رئيس الجمهورية في لبنان هو رئيس لكل اللبنانيين الذين يجب أن يقرروا جميعاً من هو رئيسهم، وليس رئيساً للموارنة أو للمسيحيين، فإن انتخاب رئيس الجمهورية غير محصور بفئة دون أخرى من اللبنانيين
Views: 13