.. إسرائيل تتراجع أمام غضب أهل الجولان وتُجمّد مشروع “التوربينات” مشروع أبعد من هدف توليد الكهرباء.. مشاهد الاشتباكات أعادت إلى الذاكرة هبّة الجولان عام 82 رفضًا للهوية الإسرائيلية.. وجنبلاط يستخدم مُصطلح “الكفاح المُسلّح” لأوّل مرّة مُنذ عقود
بيروت ـ “رأي اليوم” ـ نور علي:
ما جرى في الجولان خلال يوميين متتاليين من اشتباكات بين اهل الجولان وقوات الاحتلال الإسرائيلي أعاد الى ذاكرة السوريين والعرب مشاهد الهبة الشعبية السورية لأهل الجولان المحتل ضد قرار ضم إسرائيل لمرتفعات الجولان عام 81. كان شعار الهبة في ذاك العام ” المنية ولا الهوية ” تأكيدا على هوية الجولانيين العربية السورية، قامت إسرائيل على اثرها بحملة قمع واسعة شملت الاعتقالات واطلاق النار، وقطع الكهرباء ومنع الغذاء لإخضاع اهل الجولان لقرار الضم.
بعد عقود على تلك الحادثة هب الجولان مرة أخرى يوم امس وأول امس عنوان الاحتجاج الذي اطلق الاشتباكات مع قوات الاحتلال هو مشروع حكومة نتنياهو بإقامة ” توربينات ” لتوليد الطاقة على الأراضي الزراعية العائدة لسكان قرى الجولان في منطقة سحيتا بين قرى مجدل شمس ومسعدة وبقعاثا.
لكن هذا مجرد عنوان وسبب مباشر فجر الأوضاع، لكن في عمق المشهد يظهر سياسة إسرائيلية ذات منهجية ومسار تجاه الجولان لتكريس لقرار الضم وخلق امر واقع في الجولان يصعب معه إعادة عقارب الساعة للوراء، من خلال اللعب في الميزان الديمغرافي للمنطقة، ومساحات الأراضي المملوكة للسوريين، بالتوازي مع سياسية الترغيب والترهيب لأهل الجولان لتغيير هويتهم الوطنية وابعادهم عن وطنهم الام سورية.
خلال موجهات اليومين الماضيين استخدمت إسرائيل أساليب القمع ذاتها التي تستخدمها لقمع الفلسطينيين، أي مارست مهنة القوات المحتلة التقليدية، بدون تمييز بين الضفة والجولان ما يؤكد ان إسرائيل مازالت تدرك انها قوة احتلال تواجه شعب اخر، وليسوا مواطنين إسرائيليين كما تزعم بعد قرار الضم.
ad
يوم امس أصيب عشرات المتظاهرين من اهل الجولان بالأعيرة المعدنية المغلفة بالمطاط، وبعضهم جراحه خطيرة، كما أصيب العشرات بحالات اختناق بالغاز المسيل للدموع الذي اطلق بوساطة الطائرات المسيرة، كذلك منعت إسرائيل اهل المنطقة من الوصول الى أراضيهم.
ليست هذه الطرق القمعية ومصادرة الأراضي هو الدليل الوحيد على ان إسرائيل تعترف ضمنا انها قوة احتلال. فقد قامت إسرائيل في عهد رئيس الحكومة الأسبق إسحاق رابين بالاعتراف بسورية الجولان، وأبدت استعدادا للانسحاب منه بالكامل على أساس حدود اتفاقية عام 1923 بين فرنسا وبريطانيا وليس على أساس حدود عام 1967 وهو ما رفضته سورية والرئيس حافظ الأسد وطالبت بالانسحاب غرب خط 23 كما كان الوضع عليه عشية عدوان إسرائيل عام 67. بعد ذلك بأعوام ارسل رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود أولمرت رسالة غير مباشرة عبر تركيا الى سورية يعرض فيها على الرئيس بشار الأسد الانسحاب وفق الشروط السابقة لكن المسار لم يكتمل وبقيت سورية مصممة على استعادة كامل الجولان. وقد يكون اعتراف الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب لبنيامين نتنياهو بقرار الضم، هو الضم الثاني بعد اعتراف سابق لإسرائيل بحقوق سورية باسترجاع الجولان. بعد الاعتراف الأمريكي الذي جاء مخالفا للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، دأبت إسرائيل على محاولة تكريس وجودها بالجولان عبر زيادة وتيرة الاستيطان و محاولة الاستيلاء على الأراضي من خلال مشاريع كمشروع “التوربينات” الذي يستملك أراض زراعية واسعة، ويدفع المزارعين السوريين والسكان الى الهروب من مناطقهم نظرا للمخاطر البيئية للمشروع والاصوات المزعجة للمحركات.
وقد جاءت رود الفعل سريعة على عدوان قوات الاحتلال على اهل الجولان، وأول تلك الردود جاءت من داخل الخط الأخضر، فقد اغلق المئات من أبناء الطائفة الدرزية والتي تعدهم إسرائيل مواطنين في “دولة إسرائيل” الطرق في مناطق الجليل تضامنا مع اهل الجولان من طائفة” الموحدين الدروز”، هذا التحرك دق جرس الإنذار داخل حكومة نتنياهو، لان بعض أبناء الطائفة يخدمون في صفوف الجيش الإسرائيلي وعدد منهم ضباط برتب عالية، فضلا عن ان الطائفة تشعر بالإهانة جراء قانون “الهوية” الذي يعتبر ان إسرائيل لليهود فقط.
ومن بيروت جاء رد فعل من زعيم طائفة الموحدين وليد جنبلاط الذي علق في حديث لقناة “الميادين” على الأحداث في الجولان، معتبرا انها “وقفة رائعة وبطولية لعرب الجولان ولعرب فلسطين في جنين وغزّة وكل مكان”.
وأضاف: “ان أي وهم بأن اسرائيل سترحم أحدا من الاستيطان ومصادرة الاراضي هو ضرب من الخيال، لذلك أدعو الى مزيد من التضامن العربي الوطني من الجولان إلى فلسطين وغزّة، وحدها الوقفة الموحّدة تستطيع أن توقف هذا المشروع الصهيوني اليهودي”.
واكد جنبلاط “وجوب أن يكون هناك وحدة في الموقف للفلسطينيين العرب، ولا مجال للاستمرار بما يسمى بالتفاوض من أجل التفاوض، ولا بد من العودة إلى الكفاح السلمي، وحتى الكفاح المسلّح كما جرى في جنين، وهنا يكمن أهمية الموقف العربي المحيط”، سائلاً: “هل سيبقى العرب المحيطون يتفرجون أم سيمدّون الثورة الداخلية بالسلاح والأجهزة الضرورية لمواجهة الاحتلال؟”. كلام جنبلاط عن الكفاح المسلح اثار الانتباه، لان الرجل بموقعه السياسي الحالي، ووقوفه ضد سلاح المقاومة في لبنان، وخلو خطابه السياسي منذ عقود طويلة من مصطلح ” الكفاح المسلح ” فرض التوقف عند تصريح جنبلاط الذي يشابه ما كان عليه أيام النضال في قيادة الحركة الوطنية قبل اجتياح بيروت ٨٢ وبعده لحظة اسقاط اتفاق 17 أيار.
من جهته حيا رئيس حزب “التوحيد العربي” وئام وهاب، “شجاعة أهل الجولان وأطالبهم بدخول المعتقلات وتحرير المعتقلين”، موجهاً النداء إلى “أهالي أراضي الـ 48 للتضامن مع أهل الجولان والوقوف صفاً واحداً معهم والتضامن مع أهل فلسطين”.
ورأى وهاب، في حديث لـ”الميادين”، أن “أهالي الجولان يفتقدون للتواصل مع البيئة العربية خارج فلسطين ويتعرضون لإجراءات قاسية جداً وأي تحرك لهم صعب جداً”، معتبراً أن “هذا المشهد مقلق للإسرائيلي لتزامنه مع العمليات العسكرية في الضفة والحراك في غزة والحراك في أراضي فلسطين 48”.
ولفت الى أن “المواجهة في الجولان ستعود حتى لو تم تأجيلها لفترة مؤقتة وهناك ضرورة للتضامن العربي مع أهلها”، مشدداً على أن “مشاركة دروز الجولان ودروز فلسطين مقلق جداً للإسرائيلي”.
وأضاف “الإسرائيلي اليوم غير قادر على ضبط التحركات الشعبية في الجولان”، مشيراً الى أن “لبنان هو المركز السياسي الأساسي للموحدين الدروز لذلك فالموقف اللبناني أساسي وعنوان المعركة هو عروبة الجولان”.
وختم وهاب “لا أستغرب موقف وليد جنبلاط حول الجولان فهو لا يساوم على عروبة الدروز ولا على التضامن مع فلسطين”.
وقد حيا الحزب السوري القومي الإجتماعي، وقفة أهالي الجولان السوري المحتل، رفضا لإقامة الإحتلال الصهيوني توربينات هوائية على أراضيهم الزراعية، وتأكيدهم الثبات في أرضهم، ومواجهة كل مخططات العدو الرامية إلى تهجيرهم.
وأكد “القومي” في بيان أصدره عميد الإعلام معن حمية، “أن المواقف التي أطلقها أهلنا في الجولان خلال تجمعهم الحاشد في منطقة الحفاير، تعبر عن تشبثهم بأرضهم وإرادتهم المصممة على مواجهة الإحتلال الصهيوني ومشاريعه التهويدية، وتؤكد بأن الجولان سوري الهوية والإنتماء، وأن الإحتلال مصيره الزوال”.
وأشاد القومي “بصمود أهلنا في الجولان السوري المحتل ووقفاتهم الشجاعة، فهم رغم الإحتلال الصهيوني وصلافته وعدوانيته وعنصريته، حفظوا انتماءهم وحافظوا على هويتهم السورية، وفضحوا تواطؤ الدول الغربية مع العدو الصهيوني بتحديهم الإرادة الدولية ومنع تنفيذ قراراتها، لا سيما التي تطالب العدو الصهيوني بالإنسحاب من الجولان السوري المحتل”.
ورأى القومي “أن الدعم الأميركي ـ الغربي للإحتلال الصهيوني والتغطية على جرائمه، هو إشتراك مباشر في هذه الجرائم، واحلال لشريعة الغاب التي تترجم باجراءات اقتصادية قسرية ضد سورية، وبسياسات عدائية عبر عنها مؤخرا مسؤول السياسية الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الذي يمثل دولا تسير في ركب الأميركي الذي ينتهك القانون والمواثيق والقرارات الدولية ويضرب بها عرض الحائط”.
في المحصلة تراجعت حكومة بنيامين نتنياهو عن المشروع تحت عنوان التجميد، فهي لا تستطيع الغاء المشروع ولن تستطيع المضي فيه مع الموقف الحازم والصلب لأهل الجولان وتدحرج ردود الفعل والتفاعلات داخل إسرائيل. ستنتظر إسرائيل الفرصة الان الى حين تسنح الفرصة والظروف لإعادة تمرير المشروع كجزء من مشروع تهويد الجولان
Views: 10