كمال خلف
التحرّكات في المنطقة مقلقة وخطرة احتمالات الحرب والتصعيد ترتفع وبشكل غير مسبوق.. التحركات الامريكية في سورية ومنذ اشهر توحي ان هناك مشروعا أمريكيا خطيرا في سورية الجزء الواضح منه فصل الحدود السورية عن العراق وهذا وكما اشرنا في مقال مفصل حينها الهدف منه قطع خطوط الامداد ليس الى الوحدات المقاتلة التابعة لمحور المقاومة في سورية فحسب، بل قطع شريان الامداد نحو المقاومة في لبنان.
الحشود الامريكية في الخليج ودخول بوارج حربية أمريكية عبر قناة السويس امس وعلى متنها اكثر من ثلاثة الالف جندي من قوات المارينز، تعزز التقديرات ان التصعيد سيكون سيد الموقف في الأيام المقبلة.
ليست القوات الامريكية من يتحرك حثيثا نحو التصعيد فقط. إسرائيل كذلك بدأت تحركات بهذا الاتجاه، وزير الخارجية الإسرائيلية “ايلي كوهين” اتخذ امس من موقع ” ايلاف السعودي” منصة لتوجيه التهديدات للبنان بإعادته للعصر الحجري. استعدادات المقاومة في لبنان تجري على قدم وساق، ايران هي الأخرى اجرت مناورات في الخليج، وزار قائد قوة القدس في حرس الثورة الإسلامية ” إسماعيل قااني ” خطوط الجبهة مع القوات الامريكية في الشرق السوري، واجرى تقييما للموقف العسكري هناك.
هذا كله يترافق مع انسداد المسارات السياسية في اكثر من ملف وبعضها بشكل مفاجئ دون مبررات. أولها الملف النووي الإيراني، لم تتمكن الولايات المتحدة فرض ارادتها في المفاوضات غير المباشرة مع ايران للوصول الى اتفاق او العودة للاتفاق السابق، لم تنفع الضغوط القصوى على جر ايران للتنازل، وحتى سياسية الجزرة لم تقنع طهران بتقديم تنازلات تطمح الإدارة الامريكية في الحصول عليها. اما على المسار السوري فقد بدأت تظهر اعراض الانسداد السياسي بعد مرحلة من الانفتاح العربي الواعدة والتي استبشر فيها السوريين باعتبارها نهاية لحقبة الدمار والحرب والحصار، فرملت وفق الظاهر الدول العربية مبادرتها القائمة على مبدأ خطوة مقابل خطوة، وحسب ما يشاع ان السبب هو عدم تجاوب دمشق مع بعض الطلبات التي قدمتها اطراف عربية. لكن هناك احتمال قائم يقول ان الإدارة الامريكية هي من طلبت وقف المسار والنكوص عنه، بناء على خطط أمريكية جديدة للتعامل مع سورية وحلفائها، قد يكون مضمونها التصعيد العسكري.
ومن اللافت ان الدول الخليجية عادت الى سياسية المقاطعة المشددة مع لبنان، بعد فترة من التهدئة، وكان المؤشر الواضح هو الدعوات الجماعية من الدول الخليجية لرعاياها بمغادرة لبنان، وهو ما اثار بلبلة في البلاد حول الأسباب والدوافع، ترافق ذلك مع حرب شائعات عن احداث امنية خطيرة ستحدث او عن تفجر الوضع في المخيمات الفلسطينية في لبنان.
لبنان أيضا وصل الى حال الانسداد السياسي على اكثر من مستوى، استعصى الحل السياسي الداخلي لجهة انتخاب رئيس للجمهورية او حل الازمة الاقتصادية، وساد العجز الكامل للدولة عن مواجهة الانهيار المالي، فضلا عن الانقسام الحاد بين القوى السياسية على كل شيء. هذه الفرملة شملت أيضا فيما يبدو المصالحة مع ايران.
اعتمادا على بعض التقارير لم يتقدم مسار المصالحة السعودية الإيرانية خلال الشهر المنصرم، تظهر بوادر تراجع في ملف اليمن، ولبنان، تظهر بعد المؤشرات في خطاب وسائل الاعلام الخليجية التي عادت لشن حملات واستعادة مصطلحات فترة التصعيد.
ثمة نكوص عربي في المقاربة مع لبنان وسورية وايران، ثمة فرملة تركية مماثلة في التعاون مع روسيا وايران من اجل انجاز مصالحة مع سورية وترتيب وضع الشمال السوري، اختفت كليا الحماسة التركية لانجاز هذا الملف، بدأ يبرز عودة التنسيق التركي الأمريكي. قد يكون ذلك بطلب من الولايات المتحدة بشكل أساس.
ولكن السؤال لماذا ؟ هل تخطط الولايات المتحدة او إسرائيل لشن حرب طاحنة في المنطقة ؟ وعلى أي جبهة، السورية ام اللبنانية ام الحرب على ايران مباشرة ؟. ام تفكر الإدارة الامريكية بالعودة الى الضغوط القصوى مع تعديلات عليها لتشمل الضغط العسكري والميداني والأمني فوق الحصار والتجويع والعقوبات والحرب النفسية والإعلامية.
تعديل سياسية الضغوط القصوى لنقلها نحو إضافة العناصر العسكرية والميدانية الخطرة كانت طوال الأشهر السابقة تتردد في بعض النصائح لكتاب وخبراء أمريكيين ويرى أصحاب هذا الاتجاه ان ذلك سوف يؤدي الى انهيار داخلي وفوضى عارمة تفقد أعداء الولايات المتحدة القدرة على مواجهتها او تحدي سياساتها، وتريح إسرائيل من تحديات تتعاظم وباتت عاجزة كليا عن مواجهتها. بهذه المفاضلة قد تكون الحرب المباشرة والمصيرية هي طريق الخلاص لشعوب المنطقة. الحرب سيكون لها ثمن باهظ وتضحيات جسيمة، لكنها قد تضع حدا لسياسات القتل والتجويع والظلم والاخضاع والاجرام التي تمارسها إسرائيل والولايات المتحدة بحق دولنا وشعوبنا. وقد تعيد رسم خريطة المنطقة وشكل التوازنات الدولية.
المراقب للأحداث يلمس تغيرات سريعة وغامضة الأهداف، و نوعا من التحركات المريبة، ان ربط الاحداث الصغيرة العابرة ربما ببعضها يوصل الى استنتاجات غاية في الخطورة، عنوانها الرئيس هو التصعيد وربما المجازفة نحو الصدام العسكري. مراوحة الملفات، وتجميد المسارات، مع الانتقال للتحركات العسكرية والاستعداد على الجبهات كلها عوامل قد تدفع للتحذير من المرحلة المقبلة. كيف ستبدأ شرارة الحرب وبأي ذريعة هذه تفاصيل غير هامة اذا كان هناك قرارا بشن العدوان، واذا كان هناك نوايا من هذا القبيل، فحسب التحركات الظاهرة للعيان فانها قريبة وقريبة جدا. اما اذا كانت الخطط باهداف ترتبط بتعديل استراتيجية الضغط القصوى نحو شحنها بعناصر الضغط الأمني والعسكري فاننا امام ماهو اخطر من الحرب المباشرة. وفي كلا الاحتمالين ليس على قوى المقاومة الا المواجهة وافشال هذه الأهداف كما فعلت سابقا.
كاتب وإعلامي
Views: 23