رهام ماجد قنبر – البلاد
هناك جسرٌ غامضٌ ورائعٌ يمتدُ عبر أعماق العقل البشري، يربط بين عوالم مختلفة تمثل عناصر شخصياتنا وجوانب وعينا الفريدة. هذا الجسر هو نموذج الهيكل النفسي الذي صاغه النمساوي سيغموند فرويد. إنه عالمٌ معقد وجذاب ينقلنا عبر رحلة استكشافية إلى أعماق الغرائز ، العقل والجسد.
في هذا المقال سنستعرض هذه العناصر التي قسَّمها فرويد وسنكشف عن أسرار شهوة الغرائز وأنانيتها وسلطة عواطفها الكامنة في أعماق اللاوعي، كما سنتجول في الدروب المتشعبة للعقل هذا المصب الفكري الذي يبني
حكاية الإنسان ، وسنلامس الجسد السرد البيولوجي لشخصياتنا الذي يلعب دورًا أساسيًا في تشكيل رغباتنا وتفاعلاتنا.
و سنتعرف على كيفية تداخل هذه العوالم وتأثيرها الكبير على مناحي حياتنا وقراراتنا.
دعونا نبدأ هذه الجولة الفكرية ونتعرف على تلك العناصر الثلاثة التي تشكل جسر الأعماق.
لقد اعتمد مؤسس التحليل النفسي سيغموند فرويد ثلاث تقسيمات للشخصية الإنسانية وكان يقصد بذلك أن الشخصية الإنسانية عبارة عن صراع هذه العناصر الثلاث “الهو” الجزء اللاواعي هو موطن الغرائز ، “الأنا الأعلى” الجزء الواعي هو العقل موطن القيم و الأخلاق ، و “الأنا” الجسد هو المدير التنفيذي بين الهو و الأنا الأعلى .
تمثل هذه العناصر الثلاثة جوانب مهمة من الوعي البشري وتتداخل بطرق معقدة بتشكيل هيكل الشخصية.
فالغرائز أو الشهوة ( الهو ) : هي في نظرية فرويد اعتبرت جزءًا أساسيًا من الشخصية، وتحكمها قوى غير مشعورة.
فهي غرائز أساسية كالجوع والعطش والجنس وغيرها. إن فهم ذلك يساعد في تفسير سلوك الإنسان واحتياجاته العميقة.
أما العقل ( الأنا الأعلى ) : ذلك الجزء الذي نشعر به بشكل مباشر، وهو مكان وجود الأفكار والعواطف والتفكير. يمكن للعقل أن يكون مكانًا للإنعكاس والتحليل واتخاذ القرارات. يعكس العقل الوجدان اليومي للإنسان ويسهم في تحديد سلوكه.
وأخيراً الجسد ( الأنا ) : يمثل الجانب البيولوجي من الشخصية. و يؤثر على الشهوة والعقل ، وهذه العلاقة ثلاثية الأبعاد بين الشهوة والعقل والجسد تعكس التفاعل المعقد بين العوامل الجسدية والنفسية.
ولفهم هذه العناصر الثلاث إليكم الأمثلة التالية :
هل تشعر بالجوع الآن..؟ هل رأيت فتاة جميلة وتتمنى أن تتودد إليها ؟ هناك الكثير من الأموال في البنك هل تريد أن تأخذها ؟ حسناً لقد شربت كثيراً أرجوك ادخل للمرحاض .
ما أريد أن أوضحه في العبارات السابقة هي أن “الهو” هو ذاك الجزء الحيواني في شخصية الإنسان ، هدفه هو اشباع الرغبات الحيوانية بأي طريقة والرغبات الحيوانية هدفها هو البقاء،الأكل ،الجنس والتملك أي المحافظة على الذات بأي طريقة.
اذن ما الذي يمنعك من اشباع تلك الرغبات..؟
الإجابة إنها “الأنا الأعلى” تنبهك ، إياك أن تأكل هذا الطعام ، إياك أن ترتكب الرذيلة ، أرجوك لا تقترب من البنك لأنك ستقضي بقية حياتك في السجن ، تحلى ببعض الأخلاق فعيب أن تقضي حاجتك أمام الناس.
هناك كابح لرغبات “الهو” الجامحة إسمه “الأنا الأعلى” لا يعرف إلا المنع ثم المنع ثم المنع ، يأخذ بعين الاعتبار كل شيء الدين، الأخلاق ، المجتمع ، القانون .. هو الضمير و الشرطي الداخلي .
فهذه العناصر الثلاثة تمثل النموذج الكلاسيكي للهيكل النفسي والشخصي في هذه النظرية . إن فهم هذه العناصر يساعد في تفسير سلوك الإنسان والأسباب وراء تفاعلاته وتصرفاته. كذلك تظهر العناصر الثلاثة تداخلًا دائمًا وتؤثر بشكل كبير على تطور الشخصية البشرية.
Views: 37