تشرين- رفاه نيوف:
تتوجه أنظار مزارعي طرطوس اليوم نحو الزراعات الاستوائية بشكل عام والموز بشكل خاص كبديل عن زراعة الخضار المحمية، وذلك بعد انتكاسات عديدة أصابتهم بخسائر كبيرة لا تعوّض.
و تشير التوقعات الأولية للإنتاج إلى 40 ألف طن هذا الموسم في طرطوس، وهي بداية مبشّرة، كما يراها المزارعون والمهتمون.
فهل الظروف المناخية السائدة في الساحل السوري، تساعد هذه الزراعة على النجاح الكامل دون انتكاسات جديدة للمزارع، وصولاً لإنتاج وفير، وبالتالي تغطية السوق المحلية، والتوقف عن استيراد الموز؟
سيطرة التغيّرات المناخية
يؤكد الدكتور جرجس مخول، أستاذ في قسم البساتين والأشجار المثمرة بكلية الهندسة الزراعية في جامعة تشرين، الذي أكد أن نبات الموز من نباتات المنطقة الاستوائية، وبالتالي يتطلب ظروفاً بيئية محددة كالحرارة والتربة، حيث إن الحرارة المثلى لنجاح زراعته بين 30-35 مْ، وإذا انخفضت عن 15مْ، يتضرّر النبات ولا يتحمّل انخفاض الحرارة، إذ يموت المجموع الخضري “السوق الكاذبة” فوق سطح التربة. وأشار إلى أن نشاط النبات ينخفض مع ارتفاع الحرارة، ويتوقف عند 40-45مْ، كما أن نبات الموز يتطلب تربة خصبة غنية بالمادة العضوية، غير مالحة وخالية من “النيماتودا”، وعلاوة على ذلك فإن الرياح الشديدة تضرّ كثيراً بالأوراق وتمزّقها، وهذا ينعكس سلباً على عملية التركيب الضوئي وعلى الإنتاج ونوعية المنتج.
د. مخول : زراعة الموز لا تنجح بالحقول المكشوفة ويجب أن تكون رديفة وليست بديلة
ولذلك فإن زراعة الموز في الساحل السوري، في ظروف التغيرات المناخية الحاصلة، لا يمكن أن تتم في الحقول المكشوفة، وإنما تتطلب بيوتاً وصالات محمية لتأمين احتياجاته المناخية، وتحديداً أصناف قزمية لا يزيد ارتفاعها عن مترين لتتأقلم مع ارتفاع الصالات المحمية.
أسئلة مشروع
مجموعة من التساؤلات، طرحها الدكتور مخول تتمحور حول : توافر الشروط المذكورة في المنطقة الساحلية من عدمه، وهل ستتم هذه الزراعة في مساحات جديدة غير مستغلة من خلال إقامة مثل هذه الصالات المحمية؟ وهل لدى المزارع إمكانية إقامة مثل هذه الصالات بقيمة عشرات الملايين ؟ كما تساءل إن كانت هذه الزراعة مدرجة في خطة وزارة الزراعة لتأمين متطلباتها من الأسمدة والمبيدات الضرورية، أم إنها ستتم في صالات مقامة مسبقاً وتستخدم لإنتاج محاصيل الخضار المحمية كالبندورة والباذنجان والفليفلة والخيار ،وبالتالي ما مصير هذه الزراعات؟ هل يمكن للمواطنين الاستغناء عن الخضار التي يتناولونها يومياً في سلّة غذائهم و يحل الموز مكانها؟ وهل يمكن أن تحقق المساحة المتوافرة الاكتفاء الذاتي أو تحقق فائضاً للتصدير؟
رديفة وليست بديلة
وبيّن مخول أن هذه الزراعة تتطلب دراسة كافية من قبل وزارة الزراعة، ووضع خطط مناسبة لها ورعايتها وتأمين متطلباتها، وأن تكون زراعات رديفة وليست بديلة. علماً أنه كانت هناك محاولات لهذه الزراعة في التسعينيات في مزرعة الحرّية في حريصون، وفشلت بسبب انتشار النيماتودا في التربة نتيجة لزراعة الخضار المتكررة في ترب الساحل، وبسبب الإصابة الشديدة بالأمراض الفيروسية والفطرية، وعدم توافر الأصناف الملائمة في ذلك الوقت. مع العلم أن هناك مشاريع في منطقة الخراب من محافظة طرطوس نجحت فيها هذه الزراعة.
خروج 40 ألف بيت
من جانبه، أشار خبير زراعي و مشرف على أكثر من 55 مزرعة استوائية في منطقة الخراب، التابعة لمنطقة بانياس، إلى خروج حوالي 40 ألف بيت محميّ من زراعة الخضراوات ” بندورة- خيار- باذنجان- بندورة- فليفلة -كوسا…” والتوجه لزراعة الموز فيها، وهذه المساحة تزداد موسماً بعد آخر.
خبير زراعي : خروج حوالي 40 ألف بيت من زراعة الخضراوات إلى زراعة الموز
وأضاف :إن زراعة الموز في البيوت المحمية تلقى نجاحاً كبيراً اليوم، إلا أن الخوف من الظروف المناخية التي قد تتعرض لها، من تنين وانخفاض درجات الحرارة، وهذا ما يميز ساحل لبنان عن ساحلنا، فدرجة الحرارة هناك أعلى منها في ساحل سورية ما بين 2-3 درجات وعدم تعرضهم للعواصف البحرية ” التنين”، وهذا ما جعل زراعة الموز تنجح وتتوسع وصولاً للتصدير.
دراسة انتشاره
مدير الزراعة في طرطوس المهندس علي يونس، بيّن أنه تمت مؤخراً دراسة انتشار زراعة الموز في المحافظة، وأعداد البيوت المحمية، وأعداد الأشجار المزروعة فيها، والموضوع متابع من قبل وزارة الزراعة.
تراجع كبير
ولفت يونس إلى أن لدى المحافظة تجربة سابقة، في تسعينيات القرن الماضي، بزراعة الموز، وقد تراجعت بشكل كبير حينها، لعدم ملاءمتها للظروف المناخية، إضافة إلى أنه لا يمكن تبنّي صنف أو نوع معين إلا بعد اعتماده من قبل البحوث العلمية الزراعية ووزارة الزراعة.
بدايات مبشّرة توطين لفاكهة يرفض السوريون تجاهلها.. مزارع الموز في طرطوس تتصدّر الزراعات الاستوائية الجديدة
وأشار يونس إلى عدم وجود معوقات تقف في وجه هذه الزراعة سوى الصقيع في الشتاء وتدنّي درجات الحرارة إلى ما دون 10 درجات مئوية للزراعات المكشوفة، و أن خطر الصقيع لا يصيب البيوت المحمية “الأصناف القزمية” في حال توافرت التدفئة المناسبة.
نجاحها في لبنان
وأكد يونس أن نجاح زراعة الموز في جنوب لبنان، تعود إلى ملاءمة الظروف المناخية، فهي منطقة دافئة إلى حدّ ما، ولا يحدث فيها صقيع أو تدنّي درجات الحرارة بشكل كبير خلال فصل الشتاء، والذي يعتبر العامل المحدد لزراعة وانتشار الموز، إضافة لاهتمام المزارعين بهذا النوع من الزراعات، وبالتالي أدت الظروف المناخية المناسبة من الاحتياجات الحرارية للموز إلى نجاح هذه الزراعة بشكل ملحوظ في جنوب لبنان.
متمسكون بزراعته
زراعة طرطوس” : التجربة نجحت في لبنان لملاءمة الظروف المناخية واهتمام المزارع.
من جانبه أكد المزارع علي من قرية حريصون أنه ترك زراعة البندورة في البيوت المحمية منذ عام 2020 بعد أن مُني بخسائر وصلت إلى 15 مليون ليرة، وتحوّل إلى زراعة الموز في الصالات المحمية، والتي لاقت نجاحاً كبيراً، إضافة لزراعة أنواع أخرى من الأشجار الاستوائية، وغير مستعد للعودة لزراعة الخضراوات، وإلى الخسائر مجدداً.
أخيراً
لا بدّ من وجود دراسات وخطط و روزنامة زراعية، تحدّد المساحات والبيوت التي يمكن أن تزرع بالموز، و بأنواع جيدة، تحدَّد من قبل البحوث العلمية الزراعية ووزارة الزراعة، وصولاً لتغطية السوق المحلية بجميع المنتجات الزراعية المحلية وليس الموز فقط، على أن تكون رديفة للزراعات السائدة وليست بديلاً عنها، حتى لا تتكرر مأساة الحمضيات ومعضلة تسويقها، فالإنتاج الزراعي يجب أن يكون مصدر قوة ونهوض بالواقع الاقتصادي، وهو يعتبر إحدى ذراعيه.
Views: 39