يسار العلي – البلاد
أن تكترث بالدراما السورية فأنت ذواق و ذو فهم عميق لتراتبية المشهد التمثيلي وبمعنى آخر أنت انتقائي الى أبعد الحدود فتنتقد ممثل و تفاخر بأداء نجم مخضرم وتلفظ حركات مبتذلة و غير خبرة ممثل آخر …
وبالنسبة لي أرى المبدعة رشا شربتجي قد ارتقت الى صفوف الكبار في الدراما العربية ليس لأنها اصطفت الأحداث على طبق وزينته كما يفعل الكثيرون بل كونها شحذت الهمم في أعماق الممثل وأخرجت أفضل ما عنده من أدوات وألبست الشخصية هيبتها الدرامية اذا صح التعبير…..
فيغدو وجهه مفعما بالمشاعر مسوراً بخطوط الأنسنة المتماهية موطداً بالحب تارة و بالبغض تارة أخرى ..
هذا التناقض الذي رسمته رشا مع حفظ الألقاب
في تفاصيل الممثل لا يجيده الا الكبار
فنرى مثلا المخرجة الصينية الكبيرة جوان تشين لاتؤطر ملامح الممثل الامريكي الشهير ريتشارد غير في فيلم خريف في نيويورك بل تطلق له العنان ليسرد نهر ابداعه ويصبه في
خضم المتلقي….
و يشدو المخرج المصري العظيم اسماعيل عبد الحافظ في ليالي الحلمية بعينه الساحرة
فنشعر بضحكة العملاق يحيى الفخراني تذوب في وجدنا ومحيانا وكأن الحدث هو واقع حي أمامنا ونحن نتلقف السرد بمتعة لا متناهية …
لم تتهاود الرائعة رشا مع النجم الكبير فادي صبيح في ولاد بديعةبل جلدت أعماق طيفه لتخرج لنا ما بداخله فأبدع في ذلك جل ابداع و حمل العمل ببداياته كجسر مبني على الركائز والمثبت بإحكام في اساسيات الصورة …
ولم تتهاون مع الكبيرة امارات رزق البديعة الموغلة في صدق التعبير والموهبة…
و في البرهات ذاتها رأيناها تشعل أركان كاميرتها لتسكن في وجدان المحترفة سلافة معمار في دور سكر فتنبش طيبتها و شرها
وخبثها ودهاءها على حد سواء و ترمهم دفعة واحدة كحصوة في بحيرة الجمهور…
لنرى ارتداد الدوائر و حيثياته رغم السكون في
وهلِ الضفاف. …
في ارتياد الذاكرة نتوغل في ارشيف شربتجي
لنتلقى صدقاً وتعبيرا و فطنة في اختيار الممثل وادواته هذه المهنية خطتها بالموهبة والفطرة والجينات الإخراجية…
لملمت جدران مجدها وركنتها في بوح التدريب فصنعت الحركات و رد الصدى و حفاوة الصوت والجسد و جالت في ردح المتدرب الغض لتبنه لبنة لبنة رويدا رويدا
ليغدو سبيكة تمثيلة تختارها عند اللزوم…
و تركنها كمادة آسرة في مكتبتها ورصيدها الفني….
ربما يجثو ايلول على ردهات الوقت وتشدو وريقاته كرتمٍ فذ في حدائق الكانتيا و في زفاف الزيزفون هنا تبدو نسماته مشعةً نضرة بتوقيع كاميرا رشا التي تصول في سوريتنا العظيمة ولا تحيد عن نقش الواقع وتجلياته و ذرف نسج من الخيال المدروس و مد الأواصر بين الماضي والحاضر ولكن بعين استثنائية تهوى المباغتة و حف ما بين السطور بريشة أخاذة البتة…
هذا هو الفن شاء من شاء هجوم ودفاع حب و بغضاء طيبة و دهاء اجحاف وثناء صدق ورياء فيصير الواقع رسماً حياً لبقاً في محاكاة الحياة المتنوعة مرةً وفجاً مرةًأخرى..
يجول الورق في فضاءات الحرفنة الإخراجية كطائر رزين يمضي غير آبه بأعداء النجاح يحلق بجناح الواثق في سماء الدراما
العربية ….
وفي رأيي الشخصي أفضل مشاهدة العمل بتوقع سوري بحت و لا أهوى الدراما المعربة التي لا تلامس هواجسنا واحلامنا…..
يقول الشاعر:
لون أنيقِ الحياة لتبقها ثمرا
لا يسند الشغفُ إلا ضوءه البسمُ
وفي النهاية :
رشا شربتجي لكِ كل المحبة…
Views: 23