بحسب قراءة صحيفة "الغارديان" البريطانية فإن افشاءات مؤلف كتاب "نار وغضب"، مايكل وولف المثيرة، لما يحدث داخل البيت الأبيض، والتي تضع الرئيس الأميركي، ترامب في صورة الطفل التافه، هي صورة تدعمها خيالاتنا القاتمة. لقد علم الجميع بمحتوى هذا الكتاب قبل قراءته، والعناوين الدعائية المثيرة التي ظهرت في عناوين الصحف قبل نشر الكتاب أصبحت الآن أخباراً قديمة. حسناً، لدينا هنا ادعاءات المستشار السابق للبيت الأبيض، ستيف بانون، بأن حملة ترامب ربما عقدت لقاءات "خائنة" مع عملاء روس، بالإضافة إلى التحذير الصارخ بأن ابنته إيفانكا، تعتقد أنها اسمها يصلح لمنصب الرئاسة. لم يستطع وولف إلا أن يشبه بين التستر الروسي والسلوك المخادع أثناء فضيحة ووتر غيت، ويطلعنا باختصار بتطورات فضائح "بيس غيت" و"بوسي غيت" واللتان تشيران على التوالي إلى قصة الحمام الذهبي الزائفة في موسكو، وتبجح ترامب بقصة نجاحه كمتحرش، رغم أنه من الواضح أنه يعتقد أن صلاحياته التنفيذية تحميه من الاتهام بالكذب، وهو يدعي الآن، "لم أكن أنا من يتحدث في ذلك التسجيل".
يظهر كتاب "نار وغضب"، كذلك احتقاره لتسريحة شعر ترامب المسماة "الترمبلوي المطلي"، وذلك بذكره أنها مجرد شعيرات تغطي جمجمة صلعاء وجرداء. ولكن بغض النظر عن هذه الإفشاءات، فإن ما يُكسب كتاب "نار وغضب" خبثه، هو تصويره الماكر والهزلي لرجل فارغ، يختفي العالم كله في الثقب الأسود المكون من جشعه وطمعه وغروره. يحتقر وولف ترامب، ويشرح الظروف التي جعلت منه رئيساً، ويتهمنا جميعاً بالتورط في هذا الجنون.
يبدأ الكتاب بالتأكيد على عدمية ترامب وتفاهته. منظّر قناة "فوكس"، روجر إيليس، قال إنه "يفتقد المبادئ والأساس الذي يعتمد عليه". واعتبره أحد المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض بأنه "أقرب لأن يكون مجموعة من الصفات السيئة عن كونه شخصاً عادياً"، أو حتى قوله عن التغريدات المخيفة، بأن ترامب ربما لا يقرأ أو لا يستطيع القراءة، لذا تزعجه الخطابات المتسقة، من ثم يلجأ إلى التكرار الواهن والذم الوضيع، "تويتر" هي وسيلته المختارة للحديث لأنها تناسب احتياجاته المتقطعة التي تدفعه على الدوام.
مساعدو ترامب، يعاملونه كما لو كان "طفلاً متمرداً يبلغ عامين من العمر"، هذا الطفل السبعيني يتفوه بالغباء بشكل يومي. يعتقد روبرت مردوخ، أنه "أحمق كبير"، ويزعم أن ريكس تيلرسون نعته بأنه "غبي كبير". تعبر الشتائم في كلا الحالتين عما يصفه وولف بأنه خليط ترامب المتزن من "الغباء والطمع". رداً على ذلك وصف ترامب نفسه بأنه "عبقري مستقر"، وهو ما يؤكد التقييمات السابقة. هذا رجل قرأ أسم الرئيس الصيني شي جين بينغ، بـ إكسي، واستوجب الأمر إعادة برمجته ليعتقد أن نظيره الصيني امرأة حتى يستطيع فمه العبوس دائماً أن ينطق الكلمة المكونة من مقطع واحد "شي" حين تقابلا.
لإنصافه، يرى وولف أن ترامب لم يرد يوماً أن يصير رئيساً، وأنه شعر بالفزع حين فاز، مثلنا جميعاً. الهدف الوحيد لوجوده الصاخب هو أن يصبح "أكثر الرجال شهرة في العالم"، هل خزيه سيعوضه عن ذلك؟ فقد بدا فوزه المذهل والصادم لوولف مثل "خدعة من خدع القدر"، أو حتى "عقاباً مفاجئاً". ترامب غير المؤهل للمنصب، وغير القادر على تأدية مهامه، وغير الراغب في التصرف بطريقة رئاسية حتى، ينتقم عبر تقزيم المكتب الذي يشغله، وعبر شل الحكومة وتشويه سمعة البلد التي تقول قبعة البيسبول التي يرتديها أنه يريدها أن تصبح "عظيمة مجدداً".
ومع ذلك، لا يسمح لنا وولف بإلقاء لوم نجاح ترامب بالكامل على الولايات المؤيدة للجمهوريين التي صوتت له، أو وعلى القراصنة الروس الذين ساعدوه بطريقة غير شرعية. بل أعداؤه هم من يشعلون فتيل سلوكه الأحمق. لا يهتم ترامب بإصدار التشريعات أو ممارسة السياسة الخارجية؛ إذ يقضي وقته في التفرج على نفسه في التلفزيون، ويتهم وولف الصحافيين ومذيعي الأخبار بإشعال هذا الهوس المتبادل. ترامب كما يقول وولف بذكاء "هو رمز لكراهية الإعلام لذاته". هذا التعليق ينطبق على وولف بالتحديد. فقد سُمح له بالتجول في الجناح الغربي من البيت الأبيض بعد كتابته لمقال دسم عن ترامب لمجلة هوليوود، ثم خان مصادره السرية داخل البيت الأبيض على أمل تخليص نفسه من الإحساس بالذنب.
قال ترامب عن كتاب وولف "اعتبره قصة خيالية". وهذا رأيي أيضاً رغم أني لا أشكك في مصداقيته بشكل عام: يعد الكتاب ضمن ما وصفه ميلر وكابوت بالرواية غير الخيالية، حيث يصور وولف نفسه في مكانة الراوي العليم، الذي يتخيل نفسه في اجتماعات سمع عنها من آخرين، ويكتب كما لو كان مطلعاً على الحسابات العقلية لشخوصه. ترامب المنغمس في رغباته الشخصية بالكامل، لا يبدي أي مقاومة لهذا التحليل النفسي.
Views: 3