بداية، لابد من القول: إن الكثير مما تناول برنامج «كلام كبير» بالحديث والحوار والنقد، غير بنّاء.. لابد من القول: إن الإعلام السوري فوق النقد السلبي مهما كان، ليس تعصباً وانحيازاً، بل لأن الواقع يؤكد أن هذا المفصل المهم ما وهن وما شلت عزائمه بالرغم من جور العاتيات التي طالته، وبقي صامداً يسعى في آفاق التطوير وتحسين الأداء ما استطاع سبيلاً..
ثانياً، لن نلامس شخصية مقدم ومعد برنامج كلام كبير من باب التقدير لجهوده التي نتمنى لها الارتقاء والتطور.. وأما عن برنامج «كلام كبير» فإنه بكل صراحة ما أحسن التدبير، ولا أجاد التدوير، من جسامة الأحداث وشراستها إلى مادة تنعش الأنفاس لا يكون فيها إسفاف ولا استخفاف ولا ما ينم عن عدم القدرة على محاكاة كل برامج «التوك شو» في العالم بومضات سورية محضة، فيها نور الحقيقة المضمخة بشذى الرشاقة الأنيقة في الاستعراض وضخ البسمة الضرورية على الشفاه.
في حلقات من هذا البرنامج الترفيهي التي مازالت قليلة العدد تعرض إلى هجوم واسع شديد اللهجة حاد الانتقاد من كل من تابع منه حلقة أو حلقتين ثم دار أعطافه وانسحب بكل خيبة واستياء.. والبداية كانت من أن النسخة لا يمكن أن توازي الأصل، وأن المطلوب من المذيع أن يكون حاضراً بكل قواه.. نقي الذهن متمكناً من أدواته سواء في سرعة البديهة والتقاط النهفة البديعة وتدوير المادة الجافة إلى لوحة متناسقة الألوان تبهر الأبصار بما لا يسهم في تشويه البرنامج كله ويسيء إلى الإعلام السوري الذي لم يقصّر في منح الفرص لمن يهوى الإبداع والعطاء وحسن التمثل لما يقدمه أي برنامج من مادة إعلامية على الشاشات الوطنية..
هذا البرنامج بكل أسف وكبير الاعتذار أحضر إلى الاستديو الكوسا والفاصولياء والرمان والموز والحليب والقشطة والدجاج والماعز وغيرها وكأننا في سوق بيع الخضر أو داخل بقالية أو حتى في سوق الهال، كما أحضر لوح التزلج «السكيت» وقام بالاستعراض مع إحدى الصبايا على المسرح المعد للبرنامج، ولم يتورع مع كادر العمل عن ارتداء أقنعة الترعيب للإشارة الى عيد الهالوين.. وأهم ما في الأمر حدّة انزلاقاته في الانتقال المباشر والخاطف بين فقرتين كحالة القفز من موضوع مهم يدور حول اعتراف حمد بن جاسم بالاتفاق الدولي على صيد سورية (تهاوشنا على الصيدة) إلى فرط الرمان وتناوله من قبل المذيع والحديث عن موسم الرمان وكأنه مصيبة وليس فيض خير من طبيعة بلادنا الغناء.
هو لم يقترب من حدود برنامج ترفيهي بمسافة معقولة ولو كانت قصيرة المدى، فمن قضايانا المهمة تناول نقد سائق التكسي الذي يعاني من غلاء البنزين ونقصه مع مروره الخاطف والسريع على موضوع غلاء أسعار الثياب الشتوية بشكل خجول ضارباً المذيع المثل بنفسه حيث عليه أن يكون أنيق المظهر وعلى الشعب التعتير.
المؤسف في هذا البرنامج أن الفرصة قدمت لمذيعه على طبق من ذهب، وهو أول برنامج من نوعه في تاريخ برامجنا الترفيهية القليلة التي لم تصل بعد إلى صناعة هويتها السورية، وسنبقى في مثل هذه الحال ندور وسط دوامة البهتان إن تلازم الأمر مع نظرية عدم التدريب والتمرين وإرسال المتميزين لإجراء دورات في الخارج لاكتساب النضج والحرفية وحسن الأداء.
إعلامنا السوري استطاع اختراق تعديات القنوات الأخرى في مجالات الحدث السياسي والإخباري وبعض البرامج الحوارية، لكن برنامج «كلام كبير» يحتاج اهتماماً كبيراً لكونه برنامجاً واسعاً شاملاً ممتعاً يمتزج فيه ضخ الوعي مع النقد البناء، والرفاهية في الحوار مع شفافية المادة وسرعة البدهية حيال المفاجآت التي قد تدهم مثل تلك البرامج، وعلى المذيع أن يكون ماهراً في السباحة وسط أمواج المرح اللاذع والبقع السوداء..
Views: 1