السعوديّة والإمارات يُؤسّسان لجِسمٍ بَديلٍ لمَجلس التّعاون الخليجي.. لماذا غابَ العاهل السّعودي عن قِمّة الكويت في اللّحظة الأخيرة؟ وهل يَعني هذا المَوقف نهايةَ وساطة الشّيخ صباح الأحمد؟ وهل سَتُشكّل سَلطنة عُمان والكويت وقطر كِيانًا مُوازيًا؟
سَتدخُل قِمّة مجلس التّعاون الخليجي التي انعقدت في الكويت مساء امس الثّلاثاء، تاريخَ مَجلس التّعاون الخليجي على أنّها الأقل تَمثيلاً، والأقصر زَمنيًّا، والأكثر كآبةً، والأقل اهتمامًا وأهميّةً في الوَقت نفسه، حيث لم يَستغرق زمان عَقدِها أقل من ساعتين ونِصف الساعة، وكان الاستعجال سيّد الأحكام.
الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت أصرّ على عَقدِ هذهِ القمّة، ووَضع قادةَ دُول الخَليج أمام مَسؤوليّاتِهم، لأنّه لا يُريد أن يتوقّف قِطار قِمم المَجلس في المَنامة، ولا يَصل إلى عاصِمَةِ بِلاده، مِثلما لا يَرغَب في تَحمل مَسؤوليّة انهيار مَجلس التّعاون الخليجي، ويُلقي بالكُرة إلى مَلعب الآخرين.
أمير الكويت أظهرَ الكثير من الحِكمةِ والتّواضع عندما استقبل بنَفسه جميع قادةِ الوفود، أربعةٌ مِنهم إمّا وزراء خارجيّة (السعوديّة والإمارات)، أو نوّاب لرئيس مجلس الوزراء (البحرين وسلطنة عمان)، ولم يَترك هذهِ المُهمّة إلى وزير خارجيّته الشيخ خالد الحمد الصباح الذي هو نائب رئيس الوزراء أيضًا، وكأنّه يُوجّه رسالةً إلى الزّعماء المُقاطِعين بأنّه لم يَتأثّر كثيرًا بمُقاطَعتِهم.
وكان لافتًا أن بُعد نَظره لم يَتوقّف عند الحِفاظ على صيغة مجلس التعاون تَخوّفًا ممّا يَحمله من مُفاجآت، وإنّما أيضًا في قراءته خِطابه المَكتوب بخَط اليَد، وبُنط صغير، وفي صَفحةٍ واحدةٍ، بُدون نَظّاراتٍ مُكبّرة.
انخفاض التّمثيل سيُزعج الكويت حُكومةً وشَعبًا، لأنّه يَعكس سُوء تقديرٍ لبلدهم، ومَكانتها، والجُهود الخارقة التي بَذَلها أميرها لحَل الخلافات الخَليجيّة والحِفاظ على الحَد الأدنى من تَماسك مَجلس التّعاون الخليجي، من خِلال وساطته في الأزمة الحاليّة.
لا نُريد أن نقول أن هذهِ القمّة ربّما تكون آخر القِمم الخليجيّة بالشّكل الذي تَعوّدنا عليه نهاية كل عام مُنذ تأسيس المجلس عام 1981، ولكنّها بداية النّهاية، فالانقسام كان واضحًا في الجلسة الافتتاحيّة، حيث وقف مُمثّلو الدّول المُقاطِعة (بكسر الطاء) السعوديّة والبحرين والإمارات، على يَسار الشيخ صباح الأحمد، بينما وَقفت قطر مُمثّلةً بأميرها ووزير خارجيّة الكويت وأمين مجلس التعاون إلى يَمينِه، ومُمثّل سلطنة عُمان في الوَسط.
دولة الإمارات العربيّة المتحدة اختارت صباح يوم انعقاد القمّة للإعلان عن تَشكيلِ “لجنةٍ” للتّعاون العَسكري والاقتصادي والسياسي والإعلامي والثّقافي بينها وبين المملكة العربيّة السعوديّة، يَرأسها وليّا عَهد الإمارات والسعوديّة، في رسالةٍ واضحةٍ تقول أن هذهِ “اللّجنة” هي البَديل الجديد لمَجلس التّعاون القَديم.
من الواضِح أن الأزمة الخليجيّة استعصت على الحُلول، وأتعبت الوسطاء، ولهذا سَتطول ربّما لسنواتٍ أو عُقود، فالخَرق باتَ صعبًا على الراتق، والتّصعيد من الجانبين سيكون من أبرز عَناوين تَطوّرات المَرحلةِ المُقبلة.
نَعرف لماذا غابَ ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة عن قمّةِ الكويت، فقد أكّد مُبكرًا أنّه لن يَحضر قِمّة يُشارك فيها أمير دولة قطر، ولكنّنا لا نَعرف لماذا قاطعها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وغابَ عنها الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس دولة الإمارات، والشيخ عبد الله بن زايد، وزير خارجيّة الأخيرة، واقتصر تمثيلها على الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجيّة، فكُل المُؤشّرات وحتى ساعتين قبل بِدء القِمّة كانت تُؤكّد أن الملك السعودي سيَحضر مُجاملةً لأمير الكويت الذي يُوصف بأنّه حكيم العرب، وأكبر الزّعماء سِنًّا وخِبرةً، ولو لساعاتٍ مَعدودةٍ، ولكن جاء من يُؤكّد غِيابه.
السعوديون لم يَكونوا مُرتاحين للمَوقف الكويتي الحِيادي من الأزمةِ الخليجيّة، والتقت معهم الإمارات والبحرين في المَوقف نَفسه، وتَركوا مُهمّة التّعبير لبَعض الأقلام المُقرّبة من دائرة صُنع القَرار في الرياض، التي “عايرت” الكويت بأنّ السعودية هي التي وَضعت كل مُستقبلها على “كَفْ عفريت” عندما استدعت القوّات الأميركيّة، ووقفت في خندق العَداء للعِراق، ودَفعت أكثر من 150 مِليار دولار نَفقات “التّحرير” وإخراج القوّات العراقيّة عام 1991، في إيحاءٍ مُبطّنٍ بأنّ الكويت لم تَحفظ الجَميل، ووقفت على مسافةٍ واحدةٍ بين الرياض والدوحة، والأخيرة كانت أقرب إلى المَوقف العِراقي في مَرحلةِ ما بَعد التحرير على الأقل.
السّؤال الذي يَطرح نَفسه هو عن مُستقبل مجلس التعاون الخليجي، وهل سَتكون هُناك قِممٌ أُخرى أم أن قِمّة الكويت هي الأخيرة؟
لسنا مُتفائلين في هذهِ الصّحيفة، ونَعتقد أن “لجنة” التّعاون الإماراتي السّعودي هي البَديل، ولا نَستبعد انضمام البَحرين إليها في الأيّام المُقبلة، وحُدوثِ تقاربٍ كُويتيٍّ عمانيٍّ قطريٍّ في المُقابل.
العلاقات السعوديّة الكويتيّة لم تَكن على ما يُرام، وربّما تزداد سُوءًا بعد قمّة الكويت الخليجيّة، والخِلافات بين البلدين حول حقل الخفجي النّفطي والدرة الغازي في المِنطقة المُحايدة ربّما تَطفو على السّطح فيما هو قادم من أيّام، أمّا سلطنة عُمان التي رَفضت فِكرة تحويل مجلس التعاون إلى “اتحاد” وطالبت بالتأنّي وتَطبيق الاتفاقات المُوقّعة أوّلاً كأرضيّةٍ لأيِّ صيغةٍ جديدةٍ، فمَن المُتوقّع أن تتزايد نَزعاتها الاستقلاليّة الحِياديّة، وتتبلور أكثر هويّتها الوطنيّة العُمانيّة على حِساب الهَويّة الخليجيّة.
Views: 6