تأخذك الأجواء الفريدة التي تقدمها احتفالية زلفا الموسيقية التشكيلية المقامة في حديقة الشهيد عمار رفعت عبود بحي الزراعة في اللاذقية إلى عوالم فنية مميزة أبطالها عازفو البيانو والكمان الموزعون في كل زاوية من الحديقة التي تقودك ممراتها إلى معارض فنية منوعة من نحت وتصوير أبطالها طلاب من نادي “حكايا الفن” وشباب من خريجي وطلاب كلية الفنون بجامعتي دمشق وتشرين.
ليس بعيدا عن أعمال الطلاب توزعت أيضا لوحات ومنحوتات أكثر من 43 فنانا وفنانة من مختلف المحافظات والذين استطلعت سانا رأي قسم كبير منهم بإقامة الاحتفالية ضمن حديقة عامة بعيدا عن الأجواء التقليدية واتفقت الاراء على أن هذا التجمع الفني هو فرصة ليكون الفنان قريبا أكثر من الجمهور وبذلك يتم خلق مناخ ثقافي وفعل فني حقيقي متاح للجميع.
النحات إياد البلال رأى أن هذا النوع من الاحتفاليات بما توفره من تنوع في العروض الفنية من موسيقى ورقص وفن تشكيلي “ينعكس إيجابا على ذائقة الجمهور وإن كان هذا الأثر سيظهر بشكل تراكمي لكنه فعل إيجابي بكل تأكيد”.
بلال الذي قدم منحوتتين خشبيتين الأولى لثلاث شخصيات في حالة ارتحال إلى جانب عمل لإمرأة بحالة رقص ما قبل الموت سجل حضوره إلى جانب عدد كبير من النحاتين كمحمد بعحانو ومنتجب يوسف وسمير رحمة وأمل الزيات وفادي محمد وربى كنج التي قدمت بدورها عملين من البرونز غير بعيدين عن خطها الفني المعتمد على المرأة والطير وهما “عملان جديدان” موضحة أنها تميل إلى هذا النمط المرتبط بالشرق القديم وأن الطير يبقى عبر العصور رمزا للعطاء والمحبة والانعتاق من كل قيد.
الفنانة علا هلال قدمت بدورها منحوتتين الأولى من خامة البوليتزر التي تعطي نفس إحساس البرونز والحجر وتعرض للمرة الأولى وتدل على حالة تمني لدى المرأة التي ظهرت فيها كجسد وروح ليحمل العمل الثاني نفس حالة التمني المرتبطة بالرغبة بالانجاب والتي دلت عليها ثمرة الرمان الظاهرة في الجذع الخشبي المنحوت.
اللوحات الفنية لم تكن أقل سوية من المنحوتات والتي تنوعت تقنياتها وأساليبها بين الانطباعي والتعبيري وغيرها من المدارس التي تناولها الفنانون بحرفية عالية وعلى رأسهم أكثم طلاع وكائد حيدر ونعمان عيسى وكنانة الكود وفواز حسون وأسماء أخرى كثيرة حيث أشار الفنان اسماعيل نصرة إلى أنه اختار عرض عملين فنيين مرتبطين ببعضهما من حيث اللون وتقنياته لتكون المراة بطلة لكليهما وان ظهرت بطقوس مختلفة متوائمة مع إشارات وتحولات البلاد فالعملان يحملان اسم “سورية” وكل عنصر فيهما له دلالة معينة سواء في اللون أو الخطوط أو الرموز الغنية.
كذلك نجح الفنان وليد الآغا بلفت الأنظار إلى لوحاته التي تناول فيها الحروفيات والكتابات المسمارية والخط العربي ضمن تشكيل غرافيكي مبرزا الحرف السرياني الذي يراه أصل كل الحروف وعلاقة الحرف بالشكل اللغوي العام مع تركيزه على ألوان ترابية مرتبطة بالأرض السورية ليعبر عن عمق عشقه لها.
ولم تغب الأزمة أيضا عن أعمال الفنان محمد العلبي الذي عرض لوحتين بخطوط وألوان بسيطة لكنها تتطلب من الملتقي الكثير من التأمل لاكتشاف معاني البورتريه في العمل الأول الذي يطغى عليه اللون الأصفر بما فيه من صراخ ومناجاة ليكون العمل الثاني أكثر هدوءا ومدعاة للتأمل بما فيه من خطوط زرقاء ناعمة وهادئة.
كولاج القماش وإعادة التدوير كان الأسلوب الخاص الذي تميزت به لوحات الفنانة ميادة الكناني التي تفردت أعمالها بغياب الخطوط والألوان التقليدية لتعتمد فقط على الخيوط والأقمشة والأسلاك المعدنية بأسلوب تشكيلي فيه الكثير من الفرادة.
وقالت الكناني “أعمل ما بوسعي لأجعل الخامة تتحدث وتتحول لقطعة فنية جميلة كما أنني أحفز الجميع على الابتكار من كل مكون قربهم ليكون عنصرا فنيا وجماليا ممكنا”.
وانطلقت احتفالية زلفا الثانية مساء الاثنين الماضي ويتضمن برنامجها عزفا فرديا وجماعيا لمقطوعات موسيقية كلاسيكية وأغنيات عربية يقدمها أساتذة وطلاب نادي حكايا الفن في الهواء الطلق.
وتقام الفعالية برعاية من وزارتي الثقافة والسياحة بالتعاون مع محافظة اللاذقية ومجلس مدينتها وبمشاركة 400 فنان وفنانة من طلاب النادي وطلاب كلية الفنون الجميلة بجامعتي دمشق وتشرين إلى جانب نخبة من أبرز التشكيليين السوريين المخضرمين.
Views: 2