بعد أن فضح بوتين أمر أردوغان وسواه من ممولي الإرهاب وداعميه، اشتاط "السلطان" غضبا ووصل به التهور إلى إسقاط قاذفة روسية في الأجواء السورية غير آبه بالتداعيات
ويعيد المراقبون خطوة أردوغان المستميتة هذه، إلى إعلان بوتين على الملأ في قمة "العشرين" مؤخرا أنه سيسلم الحضور في ختام الجلسة بيانات وأرقاما موثقة تميط اللثام عن الدول والأشخاص المتورطين في تمويل التنظيمات الإرهابية التي عششت في سوريا وغيرها، ليدرك أردوغان أنه دخل مأزقا لن يخرجه منه حلفاؤه، فورقة التوت انزاحت وبان المستور.
وفي أول ردود الأفعال الحليفة على خطوة أردوغان، أعلن البنتاغون براءته منها، ووعدت بريطانيا بالتحقق من الأمر، فيما أعرب ألكسندر تورتشينوف سكرتير مجلس الأمن الأوكراني عن تأييده التام لإسقاط الطائرة الروسية، إذ مصابه ومصاب أردوغان واحد، فهما يتوسطان إلى جانب ساكاشفيلي قائمة المخذولين بالحلفاء، والمفجوعين بما أفرزته خطوات موسكو الجوابية في أوكرانيا وسوريا وغيرهما.
أردوغان في مسعاه، آثر دون أن يدري السير على خطى الرئيس الجورجي السابق ساكاشفيلي، الذي دفعت به رعونته سنة 2008 إلى استهداف قوات حفظ سلام روسية خلال حملته على المدنيين في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا اللتين اعتزم استردادهما بتحريض فوق العادة من واشنطن وحلفائها في الناتو.
النتيجة لساكاشفيلي كانت هزيمة نكراء، تمثلت في اجتياح القوات الروسية أراضيه وملاحقة فلول جيشه حتى مشارف العاصمة الجورجية تبليسي، فضلا عن مشهد أضحك العالم التقطته له كاميرات أصدقائه وهو يعدو ويلهث كالأرنب الطريد عند سماع دوي طائرة حربية روسية كانت تستطلع أجواء بلاده لا أكثر، تزامنا مع مؤتمر صحفي أدلى به لقناة حليفة.
مصير أردوغان، ربما لن يصل إلى هذا الحد، ولكن الخسائر التي ستلحق ببلاده جراء مغامرته هذه لن تعوض، وقد تقتصر في أفضل حال على المهانة الجيوسياسية والأعباء الاقتصادية، إذ سيكون الرد الروسي موجعا لا محالة، والغادر لا يؤخذ في الأحضان.
السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان، ما السبب الذي يكمن وراء إقدامه على خطوة إسقاط طائرة حربية لدولة عظمى مجاورة، دون التفكير بما سيرتد عليه وعلى بلاده؟ وهل أن السبب يقتصر على ارتباطه بـ"داعش" و"جبهة النصرة" في قران سري مهره عروش السلطة في تونس وطرابلس والقاهرة ودمشق وبغداد وربما في غيرها من عواصم لم تبلغها ذرية الإرهاب بعد؟
المتابعون، يبرزون في تفسير هذه المغامرة، استحواذ فكرة ملحة على ألباب أردوغان و"إخوانه"، تجسدت بشكل متدرج في دعم التيار المتشدد، بما يجعل هذا التيار دابة لأردوغان يمتطيها لتعود به إلى مجد أجداده العثمانيين، وتحمله إلى حقبة المذابح الجماعية في أرمينيا وغيرها، وإلى عهد خوزقة العرب وشنق رجالاتهم في بيروت والشام، وتجريس المخالفين منهم.
الخطيئة التي اقترفها و"إخوانه"، هي ظنهم أن روسيا قد ولت بلا رجعة، واضمحلت بدورها مع زوال الاتحاد السوفيتي، فلم يتعظوا من مصيبة ساكاشفيلي وسواه، ولم يقبلوا الذل والهوان الذي حل بهم بعد أن طردت موسكو الناتو من شبه جزيرة القرم قبل أن يطأها، وإحباطها جميع المخططات التركية للتسلل إلى شبه الجزيرة عبر تتار القرم وابتلاع البحر الأسود، فضلا على الفشل الذريع في زعزعة أركان الدولة السورية وتقاسمها.
ومنه، يبدو أنه أراد من وراء خطوته المدروسة الانتقام من روسيا، وإثارة صدام بين حلفائه وموسكو ربما ينفعه، يتمخض عنه ما سماه منذ اندلاع الأزمة السورية "منطقة عازلة" ما انفك يهذي بها والشركاء في دم السوريين ودم الطيار الروسي، الذي استهدفه مسلحون يصولون بين الحدود دون أن تلمحهم عيون السلطان ويدركهم عسسه.
ومما تقدم يتجلى أن المنطقة العازلة صارت حلما لن يتحقق، ولن يتسنى لأردوغان اقتطاع جزء دسم من "الشطيرة السورية" بما فيها من نفط، والأهم ضرب الأكراد هناك ومنع قيام لهم دولة، إذ كان يأمل في اندثار "النظام السوري وانحلال جيشه" في غضون أيام دون أن يقف إلى جانبه مساند.
المخاوف الأردوغانية سوف تتفاقم بعد إعلان موسكو إثر إسقاط طائرتها أنها ستنصب صواريخ "إس-400" في "حميميم"، ومثلها على سفنها المرابطة عند اللاذقية، بما يخدم كما أكدت الأركان الروسية إسقاط أي هدف يعيق تحرك طائراتها شمال سوريا أو يتهدد أمنها. هذا يعني أن المنطقة العازلة تحققت، وارتسمت تحرسها الصواريخ والطائرات والسفن الروسية جوا، وقوات الجيش السوري أرضا، ولكن لتبقى عازلة في وجه تركيا وعصية عليها.
وبين "الثمار" التي جناها أردوغان وإدارته، واستمرارا لنهج "عدم" تطبيق شعار "صفر مشاكل" مع دول الجوار، أصبح لتركيا "صفر أصدقاء" بين الجيران، وكل ذلك ثمنا لصلة تربطه بـ"داعش" و"جبهة النصرة" انكشفت بضرب الدف والغناء المباح حينما استهدف سلاحه الجوي قاذفة روسية أخذت غدرا من "صديق"، وهي عائدة بلا ذخيرة إلى قاعدتها.
وعليه، يبرز السؤال، هل يمكن لثوان معدودة، زعمت أنقرة أنها أمضتها قاذفة روسية في الأجواء التركية أن تتحول إلى إسفين تدقه تركيا في نعش علاقات طالما دأب البلدان على تعزيزها وتسويتها بعد منافسات وخصام ومواجهات امتدت بينهما لقرون، وكيف لهذه الثواني أن تدمر علاقات بين موسكو وأنقرة تشمل جميع الميادين؟
صفوان أبو حلا
Views: 1