دأبت أقلام وأصوات عربية على انتظار أي غارة إسرائيلية تستهدف سوريا لإطلاق حملة مبرمجة عنوانها المطالبة بالردّ، واتباع المطالبة بالتشكيك والتشكيك بالسخرية، حتى صار كل عمل عسكري إسرائيلي مصحوباً حكماً بحملات مشابهة. يبدو أحد الفعلين مكمّلاً للآخر، حتى تاريخ إسقاط أول طائرة عسكرية إسرائيلية شاركت في الإغارة على أهداف سوريا، وما تلاها من تفعيل وتطوير شبكات الدفاع الجوي السورية ورسم خطوط حمراء عنوانها، ممنوع دخول الأجواء السورية، وجاء سقوط الطائرة الروسية قبالة اللاذقية وتحميل موسكو لـ»إسرائيل» للمسؤولية وقيامها بالإعلان عن تسليم شبكة الـ»أس 300» للجيش السوري، وظهور توازن جديد جدي يقطع الطريق على حملات التشكيك، ويجعل أصحابها سبباً للسخرية.
قال بعض المحللين الإسرائيليين إن أصحاب حملات المطالبة بالرد السوري من خصوم سوريا كانوا سبباً في تسارع الجهوزية السورية للردّ، وجاءت الغارات الأخيرة قرب مطار حلب لتفتح المجال للانتظار، خصوصاً أنها تمّت في مناخات ملبّدة بالغيوم التي تطرح أسئلة كبرى حول فرضيات تتخطّى لعب الصغار الذين ينفذون حملات المطالبة بالردّ، فالغارات تعقب صواريخ سقطت في تل أبيب، ولم ينبس أحد من هؤلاء ببنت شفة. وقالت مصادر فلسطينية للمرة الثانية إن هذه الصواريخ تفعّلت وانطلقت بدون من يطلقها بفعل أحوال الطقس وأراد الإسرائيليون التصديق تفادياً للتصعيد، ولم يخرج أحد من جوقة المطالبة بالرد ليسأل عن سبب عدم الرد الإسرائيلي، وعندما سقط الصاروخ الأول قرب مطار بن غوريون لم يقل أصحاب حملات المطالبة بالردّ أنهم سمعوا السفير السوري في نيويورك يقول إن قصف مطار دمشق قد يستجلب قصفاً لمطار بن غوريون، وعندما تمّت الغارة قرب مطار حلب لم يقل أحد من هؤلاء إنه ربما رد على الصواريخ على تل أبيب، لكن بعض المحللين الإسرائيليين قال ذلك، وبعضهم قال إن ثمة رابطاً بين صواريخ تل ابيب وغارة مطار حلب والإعلان الأميركي عن الاعتراف بضمّ إسرائيل للجولان، وأن القيادة العسكرية الإسرائيلية قلقة من وجود فرضيات تصعيد سورية بالتعاون مع الحلفاء قد تتخطى جبهة الجولان، وأن التصرف الإسرائيلي ينطلق من اعتبار حالة الحرب قائمة، حيث استكشاف وجسّ نبض شبكات الدفاع جزء من هذه الحالة.
اللافت بعد الغارة الإسرائيلية أن أحداً لم يكتب أو يتحدث عن المطالبة برد سوري، كأن ثمة أمر عمليات يمنع هذه المطالبات، بمثل ما كان أمر عمليات سابق يصدر لتشجيع هذه المطالبات. فصاحب الأمر يستشعر أن ثمة رداً موجعاً وهو لا يريد المشاركة في تبريره عبر المطالبات، بل على العكس يبدو المطلوب هو التحذير من خطورة التصعيد، لخلق مناخ شعبي ضاغط بعدم الرد، ولذلك سنشهد مقالات ومواقف من أصحاب حملات المطالبة بالردّ، تدعو هذه المرة للتهدئة والتروي وتتحدث عن العقلانية وخطورة التهور والذهاب لمواجهة لا تتحملها المنطقة.
القنوات والصحف التي يشغلها المال الخليجي المتشارك في الحرب على سوريا تتلعثم وهي تتحدث عن الغارات الإسرائيلية وعن الصواريخ على تل أبيب وعن يوم المواجهة الشعبية في فلسطين وعن ضمّ الجولان، كأن ثمّة من ابتلع لسانه وبات عاجزاً عن الكلام، والمبادرة اليوم والكلمة الفصل للميدان، ومن يملك القدرة على التحرك في الميدان فريقان فقط، المقاومون والغزاة المحتلون، أما زمن الأدوات الصغيرة فيبتعد كلما بدت خيارات المواجهة أكثر قرباً. فهي لعبة الكبار ولا مكان للصغار فيها.
Views: 5