محمود قرقورا | يكفي اسم البرازيل لترتعد فرائص المنافسين ولو أن المشاركة الفائتة أصابها فيروس لم يكن بالحسبان، وفي المونديال الروسي العيون ترنو إلى اللاعب الأغلى في العالم نيمار لقيادة السامبا إلى المجد، والدور الأول ليس معضلة بوجود منتخبات تحلم بلعب دور الحصان الأسود كصربيا وسويسرا وكوستاريكا التي اقتحمت مجموعة الأبطال الثلاثة في المونديال الماضي وودعت من دون خسارة ومع الفرسان الأربعة نمضي:
البرازيل
إمبراطورية لم تغب شمسها عن المونديال
سطرت البرازيل أنصع إنجازاتها الكروية مونديالياً فكانت أول من يتوج باللقب ثلاث مرات ثم أربع فخمس وباتت إحدى ركائز العرس الذي لا يجرؤ أحد على تخيله من دون راقصي السامبا الذين استثمروا جيداً كل مواهبهم الكروية حتى أضحت ماركة مسجلة في كل أنحاء العالم وأصبح للمنتخبات البرازيلية علامة مميزة للجذب الجماهيري، وكذلك سجلت هذه المنتخبات الكثير من الإنجازات على الصعد كلها وفي كل القارات فأصبحت زعيمة الكرة العالمية دون منازع، إضافة لما يقدمه البرازيليون من متعة حقيقية عبر كرة هجومية مرموقة لا يقدمها إلا أبناء الأمازون ففيها أرقى الفنون والمهارات.
علاقة وطيدة
حكاية البرازيل مع المونديال بدأت باكراً فقد شاركت منذ النسخة الأولى وجاء بلوغ نصف نهائي 1938 ليؤمن أبناء السامبا بقدراتهم على التتويج، وجاءت الفرصة عندما استضافوا النسخة الرابعة إلا أن كارثة نهائي ماراكانا أجهضت الحلم الأول الذي بات هدفاً وبالفعل لم تمض سوى 8 سنوات حتى اعتلى رفاق ديدي وبيليه وغارينشيا المنصة ثم احتفظت التشكيلة ذاتها باللقب في تشيلي، ومذاك أضحت البرازيل ركناً من أساسيات العرس العالمي ورمزاً لكرة القدم الجميلة التي تقدم المتعة والفن والمهارة، وتوج البرازيليون باللقب الثالث عام 1970 محتفظين بكأس جول ريميه إلى الأبد بفضل الملك بيليه وفريقه الجميل، وبعد غياب 24 عاماً جاءت النجمة الرابعة بطريقة لم ترق للبرازيليين عبر فريق كارلوس البرتو بيريرا التي اتصفت بكل فنون الدفاع التي يكرهها البرازيليون وصرامة ماورو سيلفا ودونغا ومهارات الثنائي روماريو وبيبيتو قبل أن يضيف رونالدو وبقية عصبة (الراء) ريفالدو ورونالدينيو وروبرتو كارلوس الكأس الخامسة 2002.
غابت بعدها البرازيل عن اللقب الأكبر لكنها بقيت معتلية الزعامة علماً أنها لم تكتف بإنجازاتها على هذا الصعيد فكتبت الكثير من السطور الخالدة في تاريخ اللعبة، فتوجت بعديد الألقاب القارية والعالمية على مستوى الفئات العمرية (3 ألقاب بمونديال الناشئين و5 بمونديال الشباب) وتسيدت كأس القارات بـ4 ألقاب.
ما بعد ماراكانا
انتظر الكثيرون تتويجاً سادساً للسامبا عند استضافة النسخة الفائتة وبدا ذلك في المتناول إلا أن فضيحة نصف النهائي أمام المانشافت أفقدت بلاد البن كل بهجة استضافة الحدث كما المرة الأولى بل بشكل أكثر قسوة وبشاعة، ولم يكتف أولاد سكولاري بسباعية الألمان فأتبعوها بثلاثية هولندية في مباراة الترضية.
وضْعُ البرازيل قبل فضيحة ماراكانا غيره بعدها حيث قلَّبت الكونفدرالية البرازيلية أوراقها القديمة من جديد وعينت دونغا خلفاً لسكولاري لكن الوضع لم يتبدل للأحسن فكان السقوط بربع نهائي كوبا أميركا 2015 الذي أعاد الفريق إلى دائرة الشك على الرغم من كم المواهب ضمن صفوفه وفي العام التالي جاءت الصفعة الجديدة بالخروج من الدور الأول لكوبا أميركا (المئوية)، فأقيل المدرب في خضم الاستعدادات لأولمبياد الريو والتي انتهت بفك العقدة البرازيلية مع الذهب بتألق لافت من نيمار ورفاقه.
سلاسة التأهل
المدرب الجديد يدعى أدينور ليوناردو باتشي ولقبه (تيتي) ويمتلك خبرة طويلة على صعيد الأندية حيث درب الكثير منها في البرازيل والإمارات ولعل حقبته مع كورينثيانس هي الأهم حيث قاده إلى لقبي الليبرتادوريس ومونديال الأندية عام 2012 إلا أنها المرة الأولى التي يشرف فيها على منتخب وطني وجاءت بدايته مع السيليساو وسط فسحة تفاؤل بعودة مظفرة عقب حيازة الذهب الأولمبي وبالفعل كان ذلك فقد حقق 8 انتصارات متتالية على المستوى الرسمي وأهمها على الغريمين الأرجنتين (3/صفر) والأورغواي (4/1) ولم يتوقف على الرغم من ضمانه بلوغ النهائيات العالمية كأول من يفعل ذلك رسمياً بعد منتخب الدولة المضيفة.
وكان المشوار نحو المونديال بدأ بطريقة لم تكن مثالية بالخسارة أمام تشيلي بثنائية وعندما تسلم تيتي المهمة كانت النتائج تشير إلى تحقيق دونغا وتشكيلته فوزين و3 تعادلات (اثنان مع الأرجنتين والأوروغواي والثالث مع البارغواي)، واستطاع لاعبو تيتي حصد 24 نقطة والأهداف 24/2 فكتب حضوره الـ21 في المونديال علماً أن كتيبة المدرب رقم 88 بتاريخ السامبا لم تخسر خلال عام كامل إلا مباراة ودية أمام التانغو في حزيران العام الماضي.
كتيبة تيتي
عندما تسلم تيتي المهمة لم يكن أمامه الكثير من الخيارات مع تراجع أسهم الخامات البرازيلية على الرغم من كثرة المواهب المنتشرة في قارات العالم الخمس وخاصة في كبريات الأندية الأوروبية ولكن يبدو أنها كانت بحاجة إلى من يختار الأسماء بدقة والعمل على التوليفة الناجعة وهو ما فعله ابن الستين فعاد البريق لكرة السامبا.
في روسيا سيكون نيمار واجهة الكرة البرازيلية فعليه يعول أبناء جلدته لإعادتها إلى مكانها الطبيعي وقد استطاع ابن الـ26 عاماً خلال سنوات لعبه بالقميص الكناري أن يسجل عدداً من الأرقام والإنجازات الخاصة فساهم بالفوز بكأس القارات والذهبية الأولمبية وبات لزاماً عليه الفوز بكأس العالم ليدخل بين أساطير بلاده، ويعتمد تيتي على تشكيلة تضم الخبرة والشباب ففي الدفاع هناك مارسيللو وديفيد لويز وفيليبي لويز وتياغو سيلفا وجميعهم يخوض بطولته الأخيرة، وإلى جانبهم الأصغر سناً مثل: ماركينيوس، وفي خط الوسط ربما يكون كاسيميرو وويليان حجري أساس ومعهما كوتينيو وأوسكار وقد يستعين المدرب بخبرة فرناندينيو أو ريناتو أوغوستو.
وسيكون نيمار بيضة القبان هجومياً وتقع على تيتي مهمة انتقاء الأنسب لمجاورته من بين كل من: فيرمينيو ودوغلاس كوستا وتايسون، وربما نجد في روسيا أسماء جديدة غير هؤلاء.
كل المقدمات تشي بأن أبناء السامبا سيكونون ضيوفاً من النخب الأول على المونديال إلا أن استعادة زعامة البطولة يحتاج إلى الكثير من العمل والتألق والانضباط، فهل نرى نيمار ورفاقه على المنصة، أم إن الحلم سيؤجل مجدداً؟!
سويسرا
فرقة الناتي بقيادة الأعسر شاكيري
تشتهر سويسرا بأشياء كثيرة جعلتها متفردة، وأهمها أنها بلد الحياد وصناعة الساعات والشوكولا والمصارف الآمنة، وهي تشتهر بقسم من جبال الألب الشاهقة، وفيها أول مقر لعصبة الأمم والمقر الدائم للفيفا، لكنها على صعيد اللعبة الشعبية الأولى بقيت في الصفوف الخلفية، فمنتخباتها لم تكن يوماً بدقة ساعاتها، ولم تجذب الأنظار كما جذبت مصارفها الأموال من شتى أصقاع الأرض، ولو أنها قدمت مذاقاً جميلاً بعض الأحيان ذكَّر المتابعين بطعم الشوكولا السويسرية الفاخرة.
فلم تصنع سوى إنجاز وحيد على مستوى الكبار عندما ظفرت بفضية أولمبياد 1924، ورغم مشاركاتها فقد غابت قبل أن تصبح في عداد المشاركين في النهائيات الثلاثة الفائتة، وقارياً اكتفت ببعض المشاركات دون بصمة، ولم تستطع أنديتها مجاراة نظيراتها الأوروبية مكتفية بلعب أدوار هامشية، ويحسب لمنتخب الناشئين أنه صاحب الإنجاز اليتيم في تاريخ بلاده عندما توج باللقب العالمي 2009، والذي جنت وما تزال بعض ثماره، وآخرها الظهور الرابع توالياً الذي تأخر إعلانه حتى الملحق.
عراقة زائفة
دخلت كرة القدم سويسرا مبكراً عبر الإنكليز بالطبع، وكان الاتحاد السويسري من أقدم الاتحادات المحلية بعد البريطانية فأسس عام 1895، وكان من أول المؤسسين للفيفا، إلا أن ظهور المنتخب الناتي تأخر حتى 1905، وعام 1924 ظهر رسمياً في الأولمبياد، وسجل نتائج رائعة، كفوزه الأعلى حتى الآن على ليتوانيا (7/صفر)، وإيطاليا في ربع النهائي، والسويد بنصف النهائي قبل أن يباغته السيلستي الأورغوياني في مباراة التتويج بثلاثية نظيفة.
وعلى غرار معظم الدول الأوروبية رفض المشاركة بالمونديال الأول، لكنه شارك بتصفيات 1934، وتأهل ثم تجاوز الدور الأول على حساب هولندا قبل أن يخسر ربع النهائي أمام تشيكوسلوفاكيا، وفي النسخة الثالثة سجل مفاجأة كبيرة بالفوز على الجار الألماني بمباراة إعادة قلب فيها تأخره بهدفين، ومرة أخرى سقط في ربع النهائي أمام الوصيف (فيما بعد) وهذه المرة كان المجري.
استضافة وغياب طويل
عقب الحرب العالمية شارك في مونديال البرازيل وخرج من الدور الأول، ويحسب له التعادل مع السيليساو، وفي النسخة التالية استفاد من عاملي الأرض والجمهور فتجاوز الدور الأول بعد الفوز على إيطاليا، رغم الخسارة من إنكلترا، وفي ربع النهائي قدم مع جاره النمساوي مباراة خلدتها البطولة إلى الآن بعدما شهدت 12 هدفاً منها 5 لصاحب الأرض، فودع البطولة بشكل أرضى محبيه.
لم يتأهل الفريق إلى نهائيات 1958 بعد الخسارة من اسكتلندا وإسبانيا، ثم رافق السويد إلى نهائيات تشيلي 1962، ليخسر هناك ثلاث مباريات أمام صاحب الأرض وألمانيا وإيطاليا وهو ما تكرر في إنكلترا 1966، وهذه المرة من إسبانيا والأرجنتين وألمانيا، ثم كان الغياب الطويل بعد تراجع الناتي إلى الصفوف الخلفية، فتوالى السقوط في التصفيات المونديالية تباعاً، ففي تصفيات 1970 حل ثالثاً بين أربعة، والشيء ذاته في 1974، وثالث ثلاثة في 1978، وجاء رابع خمسة في 1982، ثم ثالث خمسة في 1986، وأخيراً رابع خمسة في 1990.
بعد 28 عاماً
انتظر السويسريون قرابة ثلاثة عقود حتى رأوا الناتي في المونديال مجدداً، ففي تصفيات 1994 حل وصيفاً لإيطاليا وأمام البرتغال واسكتلندا ومالطا وإستونيا، ليكتب عودته للبطولة، وفي النهائيات قطع سلسلة الهزائم بتعادل مع صاحب الأرض الأميركي، ثم فاز على رومانيا، قبل أن يخسر هامشياً من كولومبيا بعد ضمان التأهل ليخسر بالتثبيت أمام إسبانيا، وقد اشتهر معظم لاعبي ذاك الجيل أمثال شابويزا وسفورزا وكنوب وسوتر وهوتيغر.
لكن ذلك لم يشفع لمن بقي منهم بالتأهل إلى مونديال 1998، قبل أن تكون العودة إلى الأضواء مطلع الألفية الجديدة ببلوغ نهائيات اليورو للمرة الأولى عام 2004، وهناك وقع فريسة لإنكلترا وفرنسا، فخسر أمامهما واكتفى بالتعادل مع كرواتيا.
وجاء التأهل إلى مونديال ألمانيا طبيعياً وبسجل تاريخي، حيث لم يخسر أي مباراة للمرة الأولى في تاريخ مشاركاته بالتصفيات القارية والعالمية، مسجلاً 4 انتصارات و6 تعادلات، مرافقاً فرنسا، وهناك وقع معها مجدداً، فتعادلا سلباً، وأكمل أفضل سجل في النهائيات بتاريخه بفوزين، ليصل الدور الثاني بشباك نظيفة، وحافظ على عذريتها أمام أوكرانيا مدة 120 دقيقة، قبل أن تخذله ركلات الأعصاب، ليصبح أول من يغادر المونديال بشباك نظيفة.
قاهر بطل!
تابع الفريق ما أنهاه بألمانيا في مونديال 2010 عندما فاجأ بطل أوروبا الإسباني (بطل العالم فيما بعد)، لكن هذا الفوز لم يشفع له، فغادر الدور الأول، وانتهى مشواره باكراً أيضاً في يورو 2008 على أرضه، ثم فشل ببلوغ يورو 2012، إلا أنه واظب على حضور المونديال، ففي البرازيل وقع مع الديك الفرنسي ورافقه إلى الدور الثاني، حيث واجه ميسي والأرجنتين فخسر في الدقيقة 118 بهدف يتيم.
ومرة أخرى وقع مع فرنسا بمجموعة واحدة في يورو 2016، فصعدا معاً، وكانت المرة الأولى قارياً للناتي، وفي دور الـ16 فرض التعادل على بولندا 1/1 ثم خسر بالترجيح، ولأن الغياب عن المناسبات الكبرى لم يعد مقبولاً، دخل تصفيات المونديال بقيادة شاكيري بمعنويات عالية، فافتتحها بالفوز على البرتغالي، وحصد 8 انتصارات أخرى، ليصل مباراة الرد مع بطل أوروبا بحاجة إلى التعادل لقطع البطاقة المباشرة، إلا أنه خسر، ليقنع بخوض الملحق، وفيه أنجر المهمة في بلفاست بالفوز على إيرلندا الشمالية بهدف، قبل أن يتعادلا إياباً سلباً.
فنان وقائد
يعد المدرب بيتروفيتش ذو الأصول البوسنية واللاعب السابق لأندية يوغسلافية مغمورة قائد الحملة الناجحة لروسيا، وعلى أرض الملعب هناك الفنان شاكيري (20 هدفاً دولياً) الذي لعب لأندية كبيرة قبل أن يستقر في ستوك سيتي، ويعد أحد أشهر لاعبي القدم اليسرى في العالم، وهو رمز الجيل الحالي الذي يضم كذلك: المخضرم فالون بهرامي (أودينيزي) وريمو فورلييه (أتلانتا) وغرانيت تشاكا (آرسنال) وريكاردو رودريغيز (ميلان) وليشتنشتاينر (يوفنتوس) ودينيس زكريا (غلادباخ) وبريل إيمبولو (شالكه).
كوستاريكا
ذكريات البرازيل حافز للسير بعيداً
دانت زعامة كرة القدم في الكونكاكاف للمكسيك وأميركا وقتاً طويلاً، قبل أن تخرق السلفادور وهندوراس هذه السيطرة بتأهل الأولى لمونديال 1970، ثم اجتمعتا معاً في مونديال 1982، وأعلنت كوستاريكا اختراقاً جديداً بتأهلها لمونديال 1990 بعدما استغل منتخبها الملقب بالتيكوس غياب التريكولور المكسيكي المعاقب ليسجل حضوره الأول بين الكبار، ومن يومها نجح الكوستاريكيون بالتأهل إلى المونديال ثلاث مرات، فخرجوا من الدور الأول 2002 و2006، وشكلوا حصاناً أسود 2014، يوم تأهلوا لربع النهائي بقهرهم ثلاثة أبطال في الدور الأول، ولم يغادروا البرازيل إلا بالترجيح، وها هو التيكوس يؤكد استمرارية تألق الجيل الحالي تحت قيادة المدرب راميريز بتأهله متخطياً أميركا هذه المرة، واضعاً لبنة لحلم جديد ربما يتخطى الإنجاز الفائت.
حكاية المشاركة الأولى
كوستاريكا وترجمتها «الساحل الغني» نظراً لما تتمتع به من غنى بالنباتات الطبيعية التي تحتل مساحة قدرها ربع مساحة الدولة البالغة «511 ألف كم»، وعلى اعتبارها تقع بين ساحلين، فقد عرفت كرة القدم عبر الرحالة البريطانيين، ومطلع عشرينيات القرن الماضي ظهر منتخب كوستاريكا للمرة الأولى بمباراة مع السلفادور، وفاز بها 7/صفر، والطريف أنها أقيمت في غواتيمالا، حيث لعب منتخب كوستاريكا أولى مبارياته ضمن تصفيات مونديال 1958 وللمباراة قصة طريفة.
فقد رفض الاتحاد الكوستاريكي المشاركة في مونديال 1930 لعدم وجود المال الكافي من أجل رحلة الأورغواي، وفي 1934 لم يشارك لبعد المسافة، وأعلن عدم مشاركته بمونديال 1938 تضامناً مع دعوة الأرجنتين بسبب عدم منحها حق التنظيم، لتتأجل المشاركة الكوستاريكية حتى 1958، وفي 7/4/1957 بدأت رحلة التيكوس بالفوز على غواتيمالا 6/2، وسجل جورج كوتي نجي ثلاثة أهداف منها، فكان أن حصل على مكافأة مجزية من جهات عدة بلغت قرابة 550 كولون (عملة البلاد)، إلا أن الفرحة لم تكتمل رغم العلامة الكاملة التي حصدها بالدور الأول على حساب غواتيمالا وجزر الأنتيل الهولندية، فقد اصطدم بالمكسيك في لقاء فاصل، فخسر ذهاباً بهدفين وتعادلا 1/1 إياباً، ليتأجل الحلم.
انتظار طويل
التفوق المكسيكي بتصفيات 1958 شكل عقدة للتيكوس، فتكررت الحكاية في تصفيات 1962 و1966، مع فارق أن تصفيات مونديال تشيلي اقتصرت على ثلاثة منتخبات، بينما تصفيات إنكلترا عادت إلى التصفيات الموسعة، وفيها حصد التيكوس العلامة الكاملة في مجموعته، قبل أن يكتفي بشرف وصافة المكسيك، وفي تصفيات 1970 خرج التيكوس للمرة الأولى من الدور الأول بالمركز الثاني بمجموعته، وهذه المرة وراء هندوراس.
في النسخ الخمس التالية أصبحت بطولة الكونكاكاف بمنزلة التصفيات، ولسوء مستوى الفريق الأحمر والأزرق الذي كان أول من يتوج بلقب هذه البطولة 1963 ثم توج بلقبه الثاني بعد 6 سنوات، فقد فشل حتى بالتأهل إلى نهائيات البطولة 1974 و1977 و1981، وعام 1985 عاد إليها بنفس جديد، حيث تخطى الدور الأول لكنه حل ثالثاً وأخيراً في الدور النهائي وراء كندا وهندوراس.
لقب تاريخي
في نسخة 1989 استعاد التيكوس لقب البطولة بعد غياب عشرين عاماً بفضل 5 انتصارات وتعادل وهزيمتين، والأهم أن اللقب الذي أصبح حقيقة عقب الفوز على السلفادور بهدف منحه الحلم الذي انتظره طويلاً، فقد تأهل إلى المونديال للمرة الأولى، لتصبح الفرحة اثنتين، وهناك في إيطاليا لم يكن رفاق الحارس لويس كوينخو والمهاجم هرنان ميدفورد لقمة سائغة، مخالفين التوقعات، فافتتحوا المجموعة الثالثة بالفوز على اسكتلندا، ثم جاءت الخسارة بهدف أمام البرازيل بعد صمود بطولي للحارس والمدافعين، وفي الجولة الحاسمة قلبوا تأخرهم أمام السويد بهدف إلى فوز بهدفين جاء ثانيهما من ميدفورد بالذات قبل دقيقتين من النهاية، فواجهوا تشيكوسلوفاكيا وخرجوا من دور الـ16.
العودة إلى الخلف
المشاركة المونديالية لم تأت بجديد، وكأنها طفرة لمنتخب عاد إلى وضعه الطبيعي وسط منتخبات الكونكاكاف رغم سيطرته على بطولة أميركا الوسطى القائمة إلى الآن، فتوج في 7 نسخ منذ أن بدأت بالتزامن مع الكأس الذهبية مطلع التسعينيات، إضافة إلى حلوله وصيفاً في 5 نسخ أخرى.
أما على صعيد البطولة الأكبر الكأس الذهبية، فقد ظلت النتائج عادية فحل رابعاً 1991، ثم ثالثاً 1993، قبل السقوط في تصفيات 1996، والنتيجة الأهم جاءت 2002 عندما حل وصيفاً، وفي البطولات التالية فشل بتكرار الظهور في النهائي بعدما خسر تلك الفرصة في أربع مناسبات آخرها العام الماضي، وكانت أمام الأميركان بالذات، وخلال هذه الفترة سنحت له المشاركة في كوبا أميركا خمس مرات انتهت رحلته في اثنتين منها عند ربع النهائي، وكانتا في ظل جيل جيد استطاع حضور المونديال مرتين.
قاهر الأبطال
تألق العجوز ميدفورد فقاد التيكوس مونديالي 2002 لكنه غادر من الدور الأول بتعادل وفوز وخسارة، ثم تأهل الفريق مجدداً إلى نهائيات 2006 ومنها خرج بالسجل الأسوأ (ثلاث هزائم)، وبعد ثماني سنوات عاد للظهور للمرة الرابعة، واستطاع تصدر مجموعة الأبطال إلى جانب الأورغواي وإيطاليا وإنكلترا، ففاز على الأول والثاني وتعادل مع الثالث، وفي ثمن النهائي احتاج للترجيح ليتجاوز اليونان، وبالطريقة ذاتها خسر من هولندا بربع النهائي.
ما قدمه التيكوس بقيادة الحارس نافاس جعله مرشحاً للوصول إلى روسيا، وهو ما تحقق لكن بعد صعوبات، فبعد تجاوزه دور المجموعات بسهولة بدأ بفوزين في الدور الأخير قبل أن يخسر أمام المكسيك ويتعادل مع هندوراس وبنما، إلا أن فوزين على ترينداد وأميركا أعادا الأمور إلى نصابها، فلم يكن بحاجة إلى أكثر من تعادلين ليقطع بطاقة النهائيات.
راميريز ونافاس
في روسيا سيكون التيكوس بقيادة المدرب القزم أوسكار راميريز وهو أحد نجوم الفريق 1990، وقد تسلم تدريبه عام 2015، وسيعتمد على جل الفريق الذي لعب في مونديال 2014، وعلى رأسهم حارس الريـال نافاس ورويز (سبورتنغ) وغامبوا (سلتيك) وأوفيدو (سندرلاند) وجيان كارلو غونزاليس (بولونيا) وسيلسو بورغيس (لاكورونيا).
صربيا
وراثة يوغسلافيا لم تكن فأل خير
كما روسيا صاحبة التنظيم وريثة إمبراطورية شاسعة، تمثل صربيا الوريثة الشرعية لإمبراطورية أخرى كان لها ثقلها كروياً تدعى يوغسلافيا، ومازالت كرة القدم في هذه الدولة الصغيرة نسبياً تحمل وزر تركة قاسية لم ينجح منتخبها الأحمر والأبيض في الوصول إلى ما كان عليه منتخب يوغسلافيا الذي لم يفز بأي بطولة كبيرة سواء قارية أو عالمية عدا كأس العالم للشباب 1987 إلا أنه شكل رقماً صعباً في تلك البطولات، واليوم يعود إلى العرس العالمي لاستعادة بعض الأمجاد وذلك بعدما نفض غبار الفشل بالتأهل إلى النهائيات القارية منذ عام 2000، وكذلك العرس العالمي بنسخته الأخيرة.
قدر الصرب
منتخب صربيا الأكثر تحولاً بالأسماء والمساحة التي مثلها طوال رحلته في النهائيات العالمية منذ البطولة الأولى وحتى ظهوره الأخير 2010، فالمنتخب الذي بدأ حكايته الكروية منذ 1920 حمل اسم منتخب يوغسلافيا، وبقي حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ليمثل بعدها اتحاد الجمهوريات اليوغسلافية، وشارك في أولمبيادي 1924 و1928 مكتفياً بمباراة واحدة، فخسر بالأولى من الأورغواي صفر/7، والثانية من البرتغال 1/2، وتحت راية الاتحاد حقق جل نتائجه التاريخية، كفوزه بمونديال الشباب 1987 على حساب الألمانيتين بنصف النهائي والنهائي، وتتويجه بذهبية أولمبياد روما 1960، ونيله ثلاث فضيات متتالية قبلها، وحل وصيفاً في أول بطولة لأمم أوروبا، وكذلك بالنسخة الثالثة فخسرهما أمام السوفييت 1/2، وأمام الطليان بمباراة إعادة صفر/2.
وجاءت الحرب اليوغسلافية لتنهي منتخب الاتحاد مع تصفيات يورو 1992 والتي حرم من خوضها رغم تأهله إلى نهائياتها، وفي مونديال 1998 ظهرت يوغسلافيا من دون سلوفينيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك ومقدونيا، وعام 2006 لعب تحت اسم صربيا ومونتينيغرو قبل أن يخوض مونديال 2010 تحت اسم صربيا فقط.
نصف النهائي
يوغسلافيا إحدى الدول التي أرسلت منتخبها للمشاركة 1930، واستطاع التأهل لنصف النهائي بتصدره المجموعة الثانية على حساب البرازيل وبوليفيا، لكنه لم يقدر على مجابهة المضيف الأورغوياني، فاكتفى اليوغسلاف بهذا الإنجاز الذي ظل فريداً حتى 1962، فقد غابوا عن إيطاليا 1934 وفرنسا 1938، وعاد إلى مونديال 1950، فاصطدم مجدداً بأصحاب الأرض، وهذه المرة تصدر السيليساو البرازيلي المجموعة الأولى وتأهل.
نصف النهائي الذي بلغه اليوغسلاف في النسخة الأولى عاد وتأهل إليه في مونديال 1962 بعدما غادر بطولتي 1954 و1958 من ربع النهائي، وذلك بالخسارة من الألمان بالمرتين، ويشاء القدر أن يثأر من تلكما الخسارتين في الدور ذاته على الأراضي التشيلية بهدف متأخر، لكنه اصطدم في نصف النهائي بنظيره التشيكوسلوفاكي الذي فاز بالنهاية، ليلعب رفاق الهداف يركوفيتش مباراة الترتيب أمام أصحاب الأرض الذين فازوا بهدف الدقيقة الأخيرة.
تراجع
ولأن بعد كل صعود هبوطاً، فقد تراجع المنتخب اليوغسلافي مونديالياً، ففشل ببلوغ نهائيات 1966 و1970، قبل أن يعود إلى ألمانيا، وهناك تصدر مجموعته على حساب البرازيل واسكتلندا بفارق الأهداف بفضل فوزه التاريخي (الأعلى) على زائير بالتسعة، إلا أنه تلقى ثلاث هزائم في الدور الثاني، وبعد سقوطه في تصفيات 1978 تأهل إلى مونديال 1982، فخرج من الدور الأول بفارق الأهداف عن المضيف الإسباني، ثم غاب عن مونديال المكسيك، وجاءت عودته لمونديال 1990 وداعية لمنتخب الإمبراطوية التي تفككت، وهناك ثأر من الإسبان في الدور الثاني قبل أن تعبس بوجهه ركلات الترجيح أمام مارادونا وعصبته.
وجرياً على العادة غاب ما تبقى من الاتحاد اليوغسلافي عن مونديال 1994، وهذه المرة بقرار الفيفا الذي حرمه من المشاركة بالتصفيات، ثم شارك بمونديال فرنسا 1998، لكنه لم يبتعد أكثر من الدور الثاني بعد خسارته من هولندا، وهي المشاركة الأخيرة تحت اسم يوغسلافيا، وتحت اسم صربيا ومونتينغرو حقق أسوأ مشاركة له بثلاث هزائم 2006، وبفوز يتيم على الألمان ودع بطولة 2010 التي جاءت خالصة باسم صربيا، قبل أن يغيب 2014.
ويمكن وصف مشوار اليوغسلاف عموماً والصرب خصوصاً بأنها رقص على الحبال، فيوم ضمن الكبار ويوم بين الصغار، وها هم الصرب متحفزون للمونديال.
مفاجأة مفرحة
دخلت صربيا تصفيات المونديال بقيادة المدرب سلافيلوب موسلين ضمن المجموعة الرابعة، وبعد نصف المشوار وجد نفسه بين المنافسين على البطاقة المؤهلة مباشرة وراء إيرلندا الشمالية بفارق نقطة واحدة بعد سلسلة التعادلات التي ضربت ويلز، ومنها تعادله مع الصرب في كارديف، وهو الذي تكرر في بلغراد، لكن فوزاً بهدف كولاروف في بلفاست وضع رفاقه على حافة التأهل قبل جولتين من النهاية، إلا أن خسارة مفاجئة أمام النمسا وضعت الحلم على رف الانتظار، وبات لزاماً الفوز على جورجيا في الجولة الأخيرة وهو ما حصل بهدف متأخر أعاد النسور البيض إلى المونديال.
آخر النجوم المحترفين
خرّجت صربيا الكثير من نجوم الكرة، حتى إنها نافست البرازيل على عدد المحترفين خارج البلاد يوماً ما، وها هو المنتخب الحالي يضم الكثير من النجوم المتألقين في كبريات الأندية العالمية، وهو ما اعتمد عليه المدرب موسلين قبل أن يستبدله الاتحاد بمساعده السابق ملادين كراستاييتش بعد ضمان التأهل، مع الإبقاء على الطاقم نفسه الذي يضم مساعدين من بيلاروسيا ومونتينيغرو.
ويعد إيفانوفيتش (زينيت الروسي) الذي سبق له تمثيل تشيلسي أبرز الوجوه التي ستخوض المونديال إلى جانب ماتيتش (مان يونايتد) وكولاروف (روما) وتاديتش (ساوثهمبتون) وليايتش (تورينو) وروكافينيا (فياريـال) ودزيكو توسيتش (بيشكتاش).
الوطن
Views: 7