لم تتذكر أم سامر آخر مرة طهت (طبخة) يوجد فيها اللحمة, مستدركة بشيء من الفكاهة حتى الفروج بالكاد نأكله مرة في الشهر وبالقطعة, أم سامر أم لأربعة أولاد من ذوي الدخل المحدود تعمل وزوجها على جبهات متعددة ومع ذلك بالتزامن مع ارتفاع أسعار وتكاليف هذه الحياة اللعينة أصبحت كل الأمور (سيان)«بمعنى لا شيء حرزان», لولا وجود أولاد أتوا بهم إلى هذه الحياة, ومطلوب منهم تأمين الحد الأدنى من متطلباتها لهم.
حال أسرة أم سامر حال أغلبية الأسر السورية التي تقع تحت خط الفقر, وبالتالي تتبع سياسة التقشف, ومن الطبيعي أنها لم تذق طعم اللحمة الحمراء, وتحاول استبدالها بالتحايل مرة بقطعة فروج من هنا وأخرى بطعم «الماجي», أو الاعتماد على شراء كميات قليلة منها في مرات محددة تحت إلحاح رغبة أبنائها..تضيف جارتها أم علي: نلجأ إلى شراء كميات قليلة وفي مرات متباعدة أي بالأشهر, لأنه بحسبة بسيطة نجدها متقاربة مع سعر الفروج الذي هو الآخر قارب سعره العشرة آلاف ليرة.
الشراء(للنكهة) فقط
تناقص عدد الذبائح التي كانت تذبح يومياً في محلات بيع اللحمة بشكل ملحوظ, يؤكد أبو الزين- صاحب ملحمة في منطقة المزة أنه تناقص عدد الذبائح إلى النصف, وأحياناً نكتفي بذبح خروف واحد كل يومين, لتبقى لحمة العجل الأكثر طلباً لأنها الأرخص حيث يتراوح سعر كيلو لحمة العجل بين 13-14 ألف ليرة, بينما سعر كيلو لحمة الغنم تبدأ من 17 ألفاً وأكثر لتصل إلى 20 ألفاً للكيلو الواحد من «الهبرة»,لافتاً إلى أن طلب الناس من جهة الكميات أصبح في حدوده الدنيا، فالأسرة التي كانت تشتري كيلوغراماً وأكثر صارت تشتري بالأوقية, وأحياناً تكتفي بألف ليرة فقط من أجل إضافة نكهة اللحمة إلى طعامها.
«الأسعار انخفضت»
كل المهتمين يشيرون إلى أن التهريب هو رأس الحربة في هذا الموضوع إضافة إلى ارتفاع أسعار الأعلاف, وتأمين متطلبات تربية الثروة الحيوانية, الأمر الذي يجبر المربي على بيع الخراف التي يمتلكها هرباً من تكبده المزيد من التكاليف حسب آدمون قطيش- رئيس جمعية اللحامين مؤكداً أن الأسعار منخفضة قياساً بالفترة السابقة حيث يصل سعر كيلو الخروف«الواقف» أي «الحي» إلى6500ليرة, مضيفاً أنّ الخوف من أن تنخفض هذه الثروة الحيوانية إلى الحدود الدنيا كما حدث لقطاع الدواجن, لاسيما أن عملية التهريب القائمة على الحدود لم تتوقف مادامت الحدود مفتوحة من دون ضبط. مشيراً إلى أن هذه المشكلة قديمة جديدة, وإنما ازدادت في فترة الحرب بوتيرة أكبر.
التهريب للعراق وتركيا
أبو فواز- رئيس الرابطة الفلاحية في منطقة رأس العين «محافظة الحسكة» يؤكد أنه بالرغم من أن منطقة الجزيرة معروفة بتوزع الثروة الحيوانية فيها بوفرة, إلا أن الأسعار فيها كبقية المحافظات حيث يتراوح سعر كيلو اللحمة من 16 إلى 17 ألف ليرة سورية, ومن الطبيعي أن يكون الإقبال ضعيفاً جداً لارتفاع أسعارها, وهذا يعود حسب أبو فواز إلى جملة أسباب في مقدمتها التهريب الذي نشط بشكل كبير للعراق ولتركيا حيث يتم بيع الأغنام المهربة بأسعار مضاعفة ومغرية ولاسيما أن الأغنام «العواس» متميزة بمذاقها الشهي على مستوى العالم, والأهم بهدف إفراغ البلد من ثرواتها الحيوانية.
(للتملّص) من الرسوم
يعمد المهرّب لتهريب الأعداد من الثروة الحيوانية بهدف التملص من دفع الرسوم الجمركية والضرائب سواء كلياً أو جزئياً, وهذا في حد ذاته مخالف للقانون .. يضيف الباحث الاقتصادي ووزير الزراعة الأسبق- د. نور الدين منى أنه يتم البيع في الخفاء خاصة في هذه الظروف, إضافة إلى انتشار سرقات قطعان الأغنام من هنا وهناك, ومن الصعب بيعها في السوق المحلية وإحالة السارق للقضاء لذلك يعمد البعض إلى تهريبها إلى العراق أو تركيا أو الأردن بهدف تحقيق المزيد والمزيد من الأرباح، إذ يصل سعر الخروف في بعض الدول المجاورة إلى 275 دولاراً، بينما سعره في سورية لا يتجاوز الـ100 دولار.
تهريب للأصول الوراثية
يقدر د. منى أن الأعداد المهربة وفقاً لتقارير بالأعداد الكبيرة, وهذا كله يعد من أسباب ارتفاع سعر اللحوم, وللحدّ من ذلك يجب العمل على ضبط الحدود قدر الإمكان محذراً من خطورة تهريب الأغنام خارج الحدود السورية لأن فيه أكثر من جريمة وهي تهريب الأصول الوراثية ، مشيراً إلى أهمية الانتباه لخطورة استنزاف المصادر الوراثية لأغنام «العواس», وبموازاة ذلك يجب على الجهات المعنية العمل على تقديم الدعم والتشجيع للمربين ودعم المنتج الزراعي المحلي لأنه في النهاية من يدفع الثمن هو المواطن وحده.
Views: 1