هل اقتربت نهاية فيروس كورونا المستجد؟ على الرغم من أن أصل الفيروس نفسه ومتى انتقل للبشر بالتحديد لا يزال غامضاً، فإن التساؤل الآن ينصبُّ على موعد نهاية الوباء وعودة الحياة إلى طبيعتها.
وبعد اقتراب الجائحة العالمية من نهاية عامها الثاني، لا تزال أمور كثيرة تتعلق بأسوأ أزمة صحية تواجه البشرية منذ قرن من الزمان، تتسم بالغموض وعدم وجود إجماع علمي حولها، ولاتزال الصين والولايات المتحدة تتبادلان الاتهامات حول المسؤولية عن تفشي الوباء.
وتناولت صحيفة The Washington Post الأميركية التساؤلات حول نهاية الوباء، من خلال آراء كثير من خبراء الأوبئة، في تقرير بعنوان “هل اقتربت بالفعل نهاية الجائحة أم لايزال أمامها سنوات؟”.
ثلاث سيناريوهات للسؤال الكبير بشأن الوباء
متى يشهد العالم نهاية فيروس كورونا المستجد؟ لا يستطيع أحدٌ تقديم إجابة مُحدّدة لهذا السؤال المحوري، بدايةً من علماء الأوبئة الموثوقين إلى خبراء الصحة العامة والسياسيين.
ارتفعت أعداد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا مع عودة الأطفال إلى المدارس في العديد من الدول، وظهور السلالة المتحورة شديدة العدوى من هذا الفيروس والمعروفة باسم “دلتا بلس”، الأمر الذي جعل العديد من الأميركيين، وباقي المواطنين في دول العالم، يتساءلون عمّا يجب أن يحدث بالضبط لكي يعود شكل الحياة إلى ما قبل الجائحة.
تأتي الإجابات في سلسلة من السيناريوهات المتباينة، تشير بعضها إلى أنَّ الوباء ينتهي بالفعل، لأنَّ معدلات الوفيات بدأت تنخفض أخيراً إلى المستوى نفسه الذي اعتدنا رؤيته من فيروس الإنفلونزا الموسمية كل عام، أو أنَّه سينتهي عندما يخضع معظم الأطفال للتطعيم، أو لأنَّ الأميركيين قد فاض بهم الكيل من القيود المفروضة على الحياة اليومية.
ظهرت تنبؤات لا حصر لها بشأن مسار الوباء. في الوقت نفسه، تخلَّى بعض العلماء عن التكهنات مع زيادة معرفتهم بشأن فيروس كورونا وبنوا نماذج ووضعوا توقعات ووصفوا العقبات التي لاتزال قائمة، قبل أن يستطيع الناس نزع أقنعة الوجه وممارسة حياتهم بصورة طبيعية.
السيناريو الأكثر تفاؤلاً بشأن النهاية القريبة
الأنباء السارَّة هي أنَّ هناك بعض المؤشرات الباعثة على التفاؤل. قالت مونيكا غاندي، أخصائية الأمراض المُعدية وأستاذة الطب بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو: “أعتقد حقاً أنَّنا في المرحلة النهائية. ستبدأ الحالات في الانخفاض بدايةً من منتصف إلى أواخر شهر سبتمبر/أيلول، وسنكون في مرحلة يمكن إدارتها بحلول منتصف أكتوبر/تشرين الأول، حيث سيُشكّل الفيروس مصدر قلق للعاملين في القطاع الصحي، ولكن ليس للمواطنين العاديين”.
وتستند مونيكا في تفاؤلها إلى حقيقة أنَّ جميع الأوبئة السابقة الناجمة عن فيروسات الجهاز التنفسي قد انتهت باكتساب المناعة سواء عن طريق التطعيم أو العدوى الطبيعية، مشيرة إلى أنَّه على الرغم من أنَّ الفيروسات تتطور باستمرار وتُحدث تغيرات على تركيبها الجيني؛ في محاولة للتحايل على الجهاز المناعي، تتحوّر بسرعة شديدة، ثم تضعف بمرور الوقت. بناءً عليه، تعتقد مونيكا أنَّ معدلات الإصابة بمتحوّر دلتا ستصل إلى ذروتها هذا الصيف في الولايات المتحدة، ثم يحدث بعد ذلك انخفاض تدريجي.
لكن بالطبع هناك من يختلفون مع ذلك السيناريو، إذ قال إيزيكيل إيمانويل، أستاذ الأخلاقيات الطبية والسياسة الصحية في جامعة بنسلفانيا: “نمر بفترة من عدم اليقين، والبشر لا يحسنون التصرف مع عدم اليقين. من الصعب حقاً إخبار الناس بأنَّ الوباء سيستمر عامين أو 3 أعوام أخرى، لكنني لا أعتقد أنَّ أي شخص سيكون مرتاحاً مع الوضع الحالي، حيث ينتهي الأمر بكثير من الأطفال في المستشفى وألف حالة وفاة يومياً. هذا لا يبشر بعودة الحياة إلى طبيعتها”.
يعتقد أيمانويل أنَّ معظم الناس لن يستطيعوا استئناف أنشطتهم العادية قبل ربيع عام 2022 على الأقل، وربما بعد ذلك بفترة طويلة، بسبب تفشي متحوّر دلتا واستمرار مقاومة اللقاحات وحالة القلق المتنامية، لاسيما بشأن الأطفال غير المؤهلين بعد لتلقي جرعات تطعيم.
الأوبئة تنتهي دائماً… لكن متى؟
على الرغم من التفاوتات في آراء الخبراء، ثمة إجماع على مسألة جوهرية وهي أنَّ الأوبئة تنتهي نوعاً ما (على الرغم من وجود استثناءات، مثل الملاريا). في مرحلةٍ ما، تصبح العديد من الأوبئة متوطنة، ما يعني أنَّها تتحول من حالة طارئة إلى مصدر إزعاج أو حقيقة مؤلمة يتعلّم الناس ببساطةٍ كيفية التعامل معها، مثل الإنفلونزا أو نزلات البرد الشائعة.
السؤال حالياً هو: متى نصل إلى هذه المرحلة وكيف؟ ويقول بعض أبرز علماء الأوبئة وخبراء الصحة العامة في الولايات المتحدة الأميركية إنَّنا موجودون بالفعل في هذه المرحلة، لأسباب مختلفة.
قال جاي باتاتشاريا، أستاذ الطب في جامعة ستانفورد: “انتهت مرحلة الطوارئ للمرض. نحن بحاجة الآن إلى العمل بجد لإلغاء الشعور بالوضع الطارئ. يجب التعامل مع كوفيد-19 باعتباره واحداً من مئات الأمراض التي تصيب الناس”.
منحت الجهات التنظيمية الفيدرالية في الولايات المتحدة الموافقة الكاملة على لقاح “فايزر-بيونتيك” في 23 أغسطس/آب. بدأت العديد من الشركات حول العالم في إنتاج اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، وهي الخطوة المحورية التي تقود إلى عودة الحياة الطبيعية، على حد قول باتاتشاريا.
وأضاف: “اللقاحات تحمي حقاً من الموت. هذا تطور مذهل من شأنه تقليل عدد الوفيات وحالات الإصابة التي تستدعي تلقي رعاية طبية في المستشفى. لقد حققنا نجاحاً كبيراً. هذه، بالنسبة لي، بداية النهاية للوباء، لأنَّنا حقًا لا نستطيع فعل أفضل من ذلك”.
وتابع باتاتشاريا: “سيستمر الفيروس في التحوّر وسيتواصل انتشار المرض، لكن بصورة موسمية وفي نطاقات جغرافية محددة، لكن إثارة الذعر بشأن أعداد الإصابات أمر غير مبرر على الإطلاق”.
من جانبها، خلصت مونيكا غاندي أيضاً إلى أنَّه “على الرغم من خطورة متحوّر دلتا وسرعة انتشاره وتأثيره الشديد على الأشخاص، فإنه سيولّد كثيراً من المناعة المجتمعية، إضافة إلى أنَّه سيجعل السلالات المتحورة المستقبلية من فيروس كورونا أقل فتكاً”.
وأوضحت مونيكا أنَّ كوفيد-19 لن يختفي تماماً، لكن ستقل الأضرار الصحية الناجمة عنه وسوف يتعامل الناس معه كما هو الحال مع نزلات البرد الشائعة والإنفلونزا، مشيرة إلى أنَّ المشكلة الكبرى الآن هي حالة الخوف المفرط التي تنتج عنها عقبات نفسية وسياسية تحول دون العودة إلى الحياة الطبيعية.
السيناريو الأكثر تشاؤماً
في المقابل، تنظر جولي سوان، مهندسة النظم بجامعة نورث كارولينا التي قدّمت المشورة لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بشأن جائحة إنفلونزا الخنازير (H1N1)، إلى مونيكا غاندي على أنَّها مُخطئة ومفرطة في التفاؤل بشأن كيف ومتى قد تعود الحياة إلى طبيعتها. قالت جولي: “آمل أن يستغرق الأمر وقتاً أطول ممّا تقوله، لأنَّه سيكون أكثر أماناً”.
وأوضحت أنَّ حجة مونيكا غاندي بأنَّ متحور دلتا سيخلق كثيراً من المناعة هي حقاً مسار مروع للوصول إلى مرحلة العودة للحياة الطبيعية، قائلة: “هل تريد أن يكتوي جميع السكان بنار متحور دلتا ونخلق مناعة بتكلفة بشرية عالية جداً أم تفضّل ارتداء قناع الوجه فحسب؟”.
ترى جولي أنَّ الخطوة الأولى نحو العودة إلى الحياة الطبيعية تتمثّل في تطعيم الأطفال، على الأقل من سن 5 سنوات فما فوق، وهذا لن يحدث إلا بعد التصديق على لقاحات للفئة العمرية من 5 أعوام إلى 11 عاماً، وهي خطوة غير متوقعة حتى أوائل العام المقبل.
قالت مهندسة النظم في جامعة نورث كارولينا: “يؤدي الأطفال دوراً كبيراً في نشر الأمراض، إذ ينقلون الفيروسات إلى بعضهم البعض وإلى عائلاتهم ومجتمعاتهم. للأسف، ما نراه في ولاية فلوريدا حالياً هو إصابة العديد من الأطفال”.
وأضافت: “إذا استطعنا تطعيم معظم الأطفال، جنباً إلى جنب مع معظم البالغين، فسنصل إلى مرحلة لن نحتاج فيها ارتداء الأقنعة، وسنشهد عودة الحياة إلى طبيعتها”، مشيرة إلى أنَّ أفضل ما يمكن أن يأمله الأمريكيون حتى حدوث ذلك هو عودة جزئية إلى الحياة الطبيعية، بحيث لا تواجه المستشفيات صعوبة في استيعاب مرضى كوفيد -19 ولا تحدث ارتفاعات عرضية في معدلات الإصابة بالفيروس إلا في المجتمعات ذات معدلات التطعيم المنخفضة.
من جانبه، يتطلع جاي بهاتاشاريا، أستاذ الطب في جامعة ستانفورد، إلى التدريس بالجامعة هذا الخريف، وقال إنَّه يشعر بالسعادة لأنَّه سيجتمع مع الطلاب وجهاً لوجه، حيث تطلب جامعة ستانفورد إبراز وثائق تثبت تلقي التطعيم لجميع الموجودين داخل الحرم الجامعي.
في المقابل، يشعر إيزيكيل إيمانويل، أستاذ الأخلاقيات الطبية والسياسة الصحية، بالقلق والتوتر مع عودة الطلاب للدراسة في جامعة بنسلفانيا، قائلاً: “مازلنا لا نعلم كثيراً بشأن مسار هذا الوباء حتى مع إنتاج اللقاحات. لن تعود الحياة إلى طبيعتها إلا بعد توافر مزيد من المعلومات حول أسباب الإصابة بالفيروس لفترة طويلة وما يحدث بالضبط عندما يخلط الناس لقاحات مختلفة، فضلاً عن وتيرة طفرات الفيروس وخصائصها”.
وأضاف إيمانويل: “لقد استُنفد الناس جسدياً ونفسياً طوال 18 شهراً بسبب هذا الشيء، وتفاقمت حالة الإنهاك بسبب المرحلة الضبابية التي نمر بها. لذا، علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا: نحن لا نعرف شيء عن نهاية هذا الوباء”.
Views: 4