د.تركي صقر
أحدثت صفقة الغواصات الثلاثية بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية على حساب فرنسا زلزالاً في العلاقات الفرنسية- الأمريكية وأدت إلى تدهور غير معهود منذ الحرب العالمية الأولى. ووجهت فرنسا على لسان وزير خارجيتها جان إيف لودريان أقذع النعوت بوجه كل من واشنطن ولندن واتهمهما بالخيانة والغدر وتسديد طعنة في ظهر باريس، كما تم استدعاء السفير الفرنسي لدى الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة في تاريخ العلاقات بين البلدين الحليفين تاريخياً الأمر الذي يشير إلى عمق الأزمة المستفحلة.
ولعل من أبرز التداعيات الكبرى لهذه الصفقة عودة فرنسا للتهديد بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي “ناتو” وإحياء فكرة إنشاء جيش دفاع أوروبي مستقل عن الولايات المتحدة الأمريكية حيث أضحى لهذه الفكرة مؤيدون كثر بين دول الاتحاد الأوروبي لاسيما بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان من دون التنسيق مع الحلفاء الأوربيين، ما عرض رعايا دول هؤلاء الحلفاء والمتعاونين معهم من الأفغان للخطر على أيدي حركة طالبان.
هذه ليست الطعنة الأولى لفرنسا الذليلة والاتحاد الأوروبي الخانع من واشنطن، فقد عملت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على إضعاف هذا الاتحاد منذ قيامه وسعت إلى تفكيكه وسددت له ضربة قاصمة عندما شجعت وأيدت البريكست -خروج بريطانيا منه- في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب وهي لا ترى في أوروبا سوى قارة عجوز لا يمكن أن تعيش إلا بالحماية الأمريكية والتبعية الكاملة لسياسة البيت الأبيض وهيمنة عسكرية لحلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، التي لا تأبه لمصالح أوروبا عندما يكون لها مصلحة مهما كانت صغيرة.
الحلف الإنكلوساكسوني الجديد بديل محتمل عن حلف “ناتو” الذي فقد معظم أعضائه ثقتهم بالولايات المتحدة وهو حلف موجه بالدرجة الأولى ضد الصين ويهيئ المسرح للمواجهة معها في ضوء التوترات المتفاقمة بينهما وهو ما يشي بتحولات كبيرة وتجاذبات وتحالفات متعددة في المشهد الدولي المقبل قد تؤدي إلى انفراط عقد التحالف مع واشنطن مؤكدة انتهاء عصر القطبية الأحادية وهيمنة الولايات المتحدة وصعود محور روسيا- الصين- إيران ومعه طيف واسع من دول العالم التي ضاقت ذرعاً بالتسلط الأمريكي وسرقة خيرات الشعوب.
Views: 4