Smiley face Smiley face Smiley face

في وضع يهدّد مستقبله السياسي بأكمله….إردوغان انتصر في السياسة.. فهل يهزمه الدولار؟…بقلم حسني محلي

يجد الرئيس التركي نفسه، ربّما لأول مرة، في وضع يهدّد مستقبله السياسي بأكمله.

في عامه العشرين في السلطة التي استلمها بعد انتخابات 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2002، بحيث سيطر حزبه على 65 ٪ من مقاعد البرلمان، عبر حصوله على 36 ٪ من أصوات الناخبين (أصبح رئيساً لبلدية إسطنبول عام 1994 بحصوله على 25 ٪ من الأصوات)، يجد إردوغان نفسه، ربّما لأول مرة، في وضع يهدّد مستقبله السياسي بأكمله.

فعلى الرَّغم من اتفاق 6 من أحزاب المعارضة، فيما بينها، على الحد الأدنى من القواسم المشتركة، وأهمها التخلُّص من حكم “العدالة والتنمية” والعودة إلى النظام البرلماني، فإنّ استطلاعات الرأي تستبعد أن تهزم هذه الأحزاب إردوغان. والسبب في ذلك هو خلافها بشأن إطار التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يتّهمه إردوغان بالإرهاب، لأنه امتداد لحزب العمال الكردستاني.

وتبيّن كل استطلاعات الرأي أنه، من دون ضمان تأييد هذا الحزب، الذي تصل شعبيته إلى 12 ٪، لا يمكن لأحزاب المعارضة أن تهزم إردوغان. وهو ما أثبتته الانتخابات البلدية في آذار/مارس 2019، عندما فاز مرشَّحو المعارضة في معظم الولايات الرئيسية، وفي مقدمتها إسطنبول وأنقرة وأنطاليا ومرسين وإزمير، بفضل دعم الحزب المذكور. وهذا الأمر يعني أنّ فشل المعارضة في كسب تضامن هذا الحزب في مقابل وعود صادقة بمعالجة القضية الكردية، سيزيد في حظوظ إردوغان في البقاء في السلطة، في حال إجراء الانتخابات في موعدها المحدَّد، وهو حزيران/يونيو 2023، أي قبل الاحتفال بالذكرى المئوية لقيام الجمهورية التركية العلمانية.

وتقول المعارضة إن إردوغان، قبل هذا التاريخ، يسعى للتخلُّص من إرث هذه الجمهورية الأتاتوركية، سياسياً وفكرياً، ليُقيم على أنقاضها دولة إسلامية تتغنّى بأمجاد الخلافة والسلطنة العثمانيتين. فإردوغان، الذي فاز حزبه، “العدالة والتنمية”، في 5 انتخابات برلمانية، و3 انتخابات بلدية، و3 استفتاءات تتعلق بتغيير الدستور، وتمّ انتخابه رئيساً للجمهورية في حزيران/يونيو 2018، يواجه لأوّل مرة احتمالات الهزيمة، ليس بسبب تحالف خصومه، بل بسبب الظروف المالية الخطيرة التي باتت تهدِّد مستقبله السياسي. فما فشلت فيه أحزاب المعارضة طوال الأعوام العشرين الماضية، من المتوقَّع أن ينجح فيه الدولار الأميركي، الذي سيزعزع سمعة إردوغان “محقِّق المعجزات في التنمية الاقتصادية”!

وهي السمعة التي كسبها إردوغان بفضل الدعم الكبير، اقتصادياً ومالياً، والذي قدَّمته الدول والقوى الغربية إلى تركيا، عندما أرادت أن تسوّق للدول العربية والإسلامية تجربةَ “العدالة والتنمية” في بلد ديمقراطي وعلماني ومسلم. ويفسّر ذلك زيادة الديون الخارجية من 124.9 مليار دولار نهاية 2002، إلى 475 ملياراً في أيلول/سبتمبر الماضي.

وعلى الرَّغم من أن مردود عمليات الخصخصة زاد على 70 مليار دولار، فإن حكومات “العدالة والتنمية” قامت، خلال الأعوام العشرين الماضية، ببيع أكثر من 280 مؤسسة حكومية، بما فيها الموانئ ومصافي النفط والسدود ومؤسسات الكهرباء والطرقات والأحراج والمطارات ومعامل الشاي والإسمنت والنسيج.

وترى أحزاب المعارضة أنّ قضايا الفساد الخطيرة، والتي تورّط فيها إردوغان وأولاده ووزراؤه والمقرّبون إليه، وزاد حجمها على مئات المليارات من الدولارات، هي السبب الأهم في أزمات تركيا الاقتصادية والمالية، والتي تقول المعارضة إنها على وشك أن تُوصل البلاد إلى حافة الإفلاس. وأثقلت هذه الأزمات كاهل المواطن التركي، الذي لم يعد يتحمّل أعباء الديون، وخصوصاً نتيجة انعكاساتها على الضرائب والأسعار والغلاء والتضخّم والبطالة والإفلاس والانهيار، اجتماعياً ونفسياً.

وترى المعارضة أنّ مغامرات إردوغان الخارجية هي السبب الآخر في الانهيار، اقتصادياً ومالياً، بدليل النجاحات التي حقّقتها أنقرة في علاقاتها الاقتصادية بجميع دول العالم، وفي مقدّمتها الدول العربية، والتي دخلها الأتراك عبر البوابة السورية اعتباراً من عام 2003، كما دخلوها بعد عام 2011 وفق صيغة أخرى، كانت كافية لتراجع كل المعطيات الاقتصادية والمالية بسبب مصاريف هذا التدخُّل العسكري، بنكهة عقائدية دينية وقومية. وكاد هذا التدخل يخلق لتركيا أزمات مالية أخطر كثيراً لولا التمويل القطري لمعظم الفعاليات العسكرية والأمنية، وما يترتب عليها من أنشطة أخرى، إن كان في سوريا وليبيا، أو في “أيّ مكان وطئته أقدام العثمانيين”، على حدّ قول إردوغان الذي يعتقد، بل يؤمن بـ”أن هذه الأنشطة جعلت تركيا دولة يهابها الجميع، ويحسب الكل لها أكثر من حساب، إقليمياً كان أو دولياً”!

في الوقت نفسه، تتحدّث المعلومات عن “تراجع في التمويل القطري، وقد يكون نتيجة تعليمات أميركية، تأتي في إطار ضغوط واشنطن على إردوغان بشأن سوريا وليبيا ومناطق أخرى”. وتتوقّع المعارضة مزيداً من هذه الضغوط، خلال المرحلة المقبلة، تزامناً مع توتر العلاقات بين أنقرة وواشنطن، وربّما مع عواصم أوروبية، بسبب عدد من الملفات، أهمها سياسات إردوغان في قبرص وشرقي البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجه. ويستغلّ الرئيس إردوغان وإعلامه الموالي هذه الضغوط، ويسوّقانها لأتباع إردوغان على أنها “جزء من الحملات الإمبريالية والصهيونية، والتي تهدف إلى عرقلة انتصارات الدولة والأمة التركيتين العظيمتين”، واللتين “تحسدهما أوروبا وكل الدول الغربية”، وهذه المرة القول لبلال نجل الرئيس إردوغان، من دون أن يخطر في باله وفي بال مَن معه أن ما لا يقلّ عن 12 ألف شركة غربية، وأغلبيتها أوروبية، تستثمر ما لا يقل عن 600 مليار دولار في مختلف القطاعات الحيوية، وفي مقدمتها البورصة والمصارف، وأكثر من نصفها للأجانب. وحققت وتحقق معاً أرباحاً خيالية من فعّالياتها الاقتصادية والمالية في تركيا. والسبب في ذلك هو النِّسَب العالية للفوائد المصرفية، مع التراجع المستمرّ في قيمة الليرة التركية، التي كان الدولار يعادل 1.6 ليرة تركية نهاية 2002، ويعادل الآن 9.25 ليرات.

وتتوقّع أوساط مالية تركية وغربية مزيداً من الانهيار في قيمة الليرة، بعد أن رفضت المؤسسات المالية العالمية منح أنقرة أيَّ قروض جديدة. والسبب في ذلك هو مقولاتُ الرئيس إردوغان ونهجه وسلوكه السياسيان، بحيث يتهمه الغرب بالقضاء على الديمقراطية، والسيطرة المطلقة على جميع أجهزة الدولة ومرافقها، وأهمها القضاء، الذي يستخدمه إردوغان سلاحاً فعّالاً ضد كل مَن يزعجه في الداخل والخارج، ويستغلّ موقف الدول والقوى الغربية ضده في حملاته من أجل شحن الشعور، قومياً ودينياً، ليس فقط لدى أتباعه وأنصاره، بل لدى قطاعات واسعة من المجتمع التركي الذي يريد له إردوغان، من خلال الأفلام والمسلسلات التاريخية، أن يستذكر ذكريات أجداده، ويتغنّى بها، من دون أن يبالي بما فعله وسيفعله الدولار الأخضر به وبتركيا.

فإمّا أن ينتصر إردوغان في حربه الشرسة والضارية عليه، وإمّا أن يهزمه الدولار، وهو سلاح واشنطن ولوبياتها، كما هزم وسيهزم عدداً من أمثال إردوغان، في كثير من مناطق العالم، بعد أن ارتكبوا عدداً من الأخطاء، ولم يستخلصوا أيّ درس من أخطائهم هذه، وأهمها “عبادة” هذا الدولار الأخضر، الملطّخ بدماء شعوبنا جميعاً!

الميادين

Views: 2

ADVERTISEMENT

ذات صلة ، مقالات

التالي