نعم.. هيستيريا حرب أوكرانيا تبلغ ذروتها.. وكيسنجر على خُطى أستاذه برنارد لويس في وضع مُخطّطاتها.. لماذا نجزم بأنّ “روسيا بوتين” ليست “عِراق صدّام”.. وأوكرانيا لن تكون “كُويت ثانية”.. والتحالف الصيني الروسي سيُنهي زعامة أمريكا بحَربٍ أو بُدونها؟
إذا كان “المُستشرق” برنارد لويس هو من وضع خطط الحُروب، والتدخّل العسكري الأمريكي في الشّرق الأوسط وأفغانستان والعِراق وسورية تحديدًا، مُستعينًا بأبناء جلدته في الإدارة الأمريكيّة، أمثال ريتشارد بيرل وبول وولفوفيتز، فإن “تلميذه” وابن جلدته أيضًا، هنري كيسنجر، مُستشار الأمن القومي ووزير الخارجيّة الأمريكيّة الأسبق، هو الذي وضع خريطة الطريق الأمريكيّة الجديدة لمُواجهة روسيا، وإشعال فتيل الحرب في وسط أوروبا عبر البوّابة الأوكرانيّة، وإسقاط فلاديمير بوتين عبر حربٍ مُباشرة أو حِصار اقتصادي تجويعي خانِق على غِرار ما حدث لعِراق صدام حسين.
نشرح أكثر ونقول، إن العالم بأسْره يحبس أنفاسه هذه الأيّام من جرّاء “هيستيريا” الحرب التي يُصعّد أوارها الرئيس جو بايدن وطاقمه، ويَصبّون الزّيت على جمرها، من خِلال تحشيد الجُيوش والأساطيل، والغوّاصات النوويّة في الجِوار البحري والبرّي الروسي، وشنّ حملات دعائيّة من خلال آلة إعلاميّة جبّارة، تتّهم الرئيس بوتين باتّخاذ القرار لغزو أوكرانيا وتقسيمها.
هل سَمِعتُم، أو قرأتم عن أيّ سابقة في التّاريخ يُحدّد فيها الطّرف المُدافع، ساعة الصّفر (الحرب) لعدوّه مُسبقًا؟ هذا يحدث الآن ويا للمُفارقة، ونراه في أعيننا في الحرب الأوكرانيّة الوشيكة جدًّا حسب الضّخ الإعلامي الأمريكي الذي نُتابعه ليل نهار.
لنخرج من التّعميم إلى التّخصيص، ونقول استنادًا إلى الوقائع وتصريحات المسؤولين الأمريكيين التي تقول بأنّ غزو روسيا لاوكرانيا سيبدأ بغاراتٍ جويّة روسيّة على شرق البِلاد، يليها اجتِياح أرضي بالدبّابات والمدرّعات لمُواجهة أيّ هُجوم للمُتطرّفين اليمينيّين الأوكرانيين المدعومين أمريكيًّا على إقليم بونباس المُتمرّد في الشّرق، حيث تتمركز الأقليّة الروسيّة.
بايدن يقول إن سيناريو هذا الاجتِياح الروسي سيبدأ يوم السّادس عشر من شهر شباط (فبراير) الحالي، بينما يقول مُستشاره للأمن القومي جيك سوليفان إن هذه الحرب باتت شبه مؤكّدة، وأن رصاصتها الروسيّة الأولى قبل العشرين من الشّهر الحالي، فهل حضر الاثنان اجتماع هيئة أركان الجُيوش الروسيّة التي تُقرّر موعد الحُروب؟
أمريكا، ومُعظم الحُكومات الأوروبيّة طلبت من رعاياها مُغادرة أوكرانيا فورًا دون تردّد، وأخلت دبلوماسيّيها من العاصمة كييف، بناءً على المعلومات التي يُروّجون لها، ويؤكّدون أنه لن يُوجد وقت لإقامة جُسور جويّة لإجلاء هؤلاء على غِرار ما حدث في أفغانستان.
روسيا على وعي بهذا السّيناريو الأمريكي “المُرعب” وتؤكّد ليل نهار عبر وسائل إعلامها الضّعيفة التّأثير أنها لا تُريد الحرب، وكل ما تُريده هو قُبول أمريكا وحُلفائها بمطالبها الأمنيّة المحصورة في مطلبين أساسيين: الأوّل عدم توسيع حلف الناتو بضم دول الجِوار الروسي كانت عُضوًا في حلف وارسو “المرحوم” وعلى رأسها أوكرانيا، والثاني: عدم نصب منظومات صواريخ استراتيجيّة نوويّة في هذه الدّول (بولندا، رومانيا، بلغاريا، أوكرانيا) تُهَدِّد الأمن القومي الروسي، ولكنّ جميع هذه المطالب لم تحظ بالقُبول رُغم الجُهود الدبلوماسيّة الكبيرة، والزّيارات المُكثّفة للقادة الأوروبيين لموسكو، وآخِرهم الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي استغرق اجتماعه مع نظيره بوتين قبل يومين ستّ ساعات، واليوم مُكالمة هاتفيّة بينهما لمُدّة 40 دقيقة دُون أيّ نتيجة.
أمريكا بايدن تُريد توريط “روسيا بوتين” في أوكرانيا، مثلما ورّطت إدارة بوش “عِراق صدّام” في الكويت، وبما يُؤدّي إلى إغراقها في عُقوباتٍ وحِصارات اقتصاديّة خانقة، وحرب استِنزاف عسكريّة تُؤدّي إلى انهِيارها، وهزيمتها، في تِكرارٍ للنّموذجين الأفغاني والعِراقي.
إدارة الرئيس بايدن التي تُواجه انقسامًا أوروبيًّا تُجاه هذا السّيناريو تتزعّمه ألمانيا وبدَرجةٍ أقل فرنسا، لا تستطيع فرض عُقوبات صارمة على روسيا بدعمٍ أوروبيّ دُون إشعال فتيل هذه الحرب، وبدأت فِعلًا الاستِعداد لها (أيّ أمريكا) بتدريب “مُجاهدين” أوكرانيين مُتطرّفين على غِرار ما حدث في أفغانستان والعِراق وسورية لمُقاومة أيّ غزو روسي.
فولوديمير زيلينسكي فاق من “سكرته” اليوم السبت فيما يبدو، وأدرك الورطة أو المصير التي أوقع فيها نفسه وبلاده، نستشفّ ذلك من تصريحه الذي نقلته وكالات الأنباء العالميّة ومن ضِمنها “رويترز”، وقال فيه “التّحذيرات المُتصاعدة من غزو روسي وشيك لأوكرانيا تُثير الهلع، ولا تُساعدنا، ونُطالب هؤلاء الذين يُطلقونها بأن يُقدّموا لنا دليلًا قاطِعًا يؤكّد غزو روسي وشيك لبِلادنا”.
المُؤرّخ البريطاني الشهير A. J. P Taylor قال إن الحرب العالميّة الأولى أصبحت حتميّة بعد اتّخاذ برلين القرار بتكثيف الحُشود العسكريّة، وبات البحث بعدها عن إيجاد “المُفجّر” أو الذّريعة، وجاءت هذه الذّريعة “المُفبركة” باغتِيال وليّ عهد النمسا، تُرى ما هي الذّريعة التي تطبخها إدارة بايدن مع حُلفائها في الغُرف السّوداء برعايةِ وتحريضِ هنري كيسنجر وتلامذته؟
بوتين ليس صدّام حسين، وروسيا ليست العِراق، ولقاء القمّة بين بوتين ونظيره الصيني الجديد شي جين بينغ وضع أُسس تحالف جديد عِماده صواريخ نوويّة أسرع من الصّوت تِسع مرّات، إن لم يكن أكثر، قادرة على الوصول إلى الشّرق الأمريكي في غُضون سبع دقائق على الأكثر.
نظريّات كيسنجر “الهَرِم” لرئيسه جو بايدن “الهَرِم” أيضًا، باتت قديمة، وعفَا عليها الزّمن، وانتهى عُمرها الافتِراضي، وانهِيار الزّعامة الأمريكيّة للعالم بدأ سواءً بحربٍ في أوكرانيا أو بُدونها.. والأيّام بيننا.
Views: 6