ينما تتواصل الحرب الكلامية والتراشق على جبهة الرئاستين الأولى والثالثة في الأيام القليلة الماضية، تتنامى التحذيرات الدولية، كما العربية، من خطورة الإنزلاق إلى واقعٍ سياسي جديد ينسف كلّ ما تحقّق في الأسابيع الأخيرة من خطوات على مستوى الملفات الداخلية من جهة، وملف ترسيم الحدود من جهة أخرى، إذ تنقل أوساط نيابية مطلعة، أجواءً تشير إلى أن الساحة الداخلية، تقف على عتبة تحدٍّ بالغ الخطورة، وقد يطيح بالستاتيكو الداخلي، كما الإقليمي، ويقود الساحة إلى خيارات دراماتيكية، على أكثر من مستوى سياسي وأمني واقتصادي، خصوصاً في حال استمر التصعيد على أكثر من محور، وحول العديد من الملفات التي ترتدي طابعاً حيوياً وتكاد تكون مصيرية، كملف الترسيم والإصلاحات والإتفاقية مع صندوق النقد الدولي.
ومن هنا، تتوقّع هذه الأوساط، أن يبقى الإرباك عنواناً في المرحلة المقبلة، وتزامناً أن يتوصّل الشلل في الإدارات الرسمية، في ضوء الغموض الذي ما زال يحيط بواقع المصارف التي أعلنت الإضراب لثلاثة أيام، على أن تحدّد يوم الأربعاء المقبل، ما إذا كان إضرابها سيكون مفتوحاً، وكذلك بالنسبة للموظفين في القطاع العام، المضربين منذ أسابيع عن العمل، وذلك وصولاً إلى نعي أي محاولة للبحث في الملف الحكومي بأي شكلٍ من الأشكال. وبالتالي، فإن المرحلة هي مرحلة انسداد سياسي بامتياز، حيث تكشف الأوساط نفسها، عن أن هذا المسار قد برز بوضوح منذ الإحتفال بعيد الجيش يوم الإثنين الماضي، وليست المناكفات السياسية والتعطيل الحكومي، إلاّ مؤشراً على أن الواقع الحالي يتّجه إلى المزيد من التدهور والتصعيد، وكأن السجالات السياسية، مجرّد واجهة للتغطية على الفشل في تأليف حكومة جديدة، أو اتخاذ أية خطوات حيوية وضرورية، من أجل الخروج من حال الإنهيار التام.
وفي الوقت الذي تتوقّع فيه الأوساط نفسها، أن يغطي غبار المعركة الدائرة ما بين قصر بعبدا والسراي الحكومي، على المعركة الفعلية، والمتمثلة بالإستحقاق الرئاسي، فهي لا تُخفي بأن ما يتسرّب من ارتكابات وتجاوزات وفضائح، وبصرف النظر عن صحتها، يزيد من الشكوك حول الأهداف الأساسية لهذه المواجهة، خصوصاً وأنه من المؤكد أن التفاهم ما بين كلّ من رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، لم يكن مستحيلاً بدلالة التعاون في الحكومات السابقة.
وفي رأي هذه الأوساط، فإن ما يجري، هو وجه من وجوه التباين بين الجانبين، والذي كان مرحلياً في السابق، ولكنه في الوقت نفسه، يعبّر، وبلا أدنى شك عن عمق الخلاف بينهما، وإنما في الوقت نفسه، يحمل دلالات عدة حول أسباب عدم تسجيل أية وساطات أو اتصالات للتهدئة، لا سيما في ظلّ الأجواء الدقيقة التي تُسجّل على أكثر من ساحة في المنطقة، ويطرح تساؤلات حول ما بعد هذه الحروب الكلامية، وحول قدرة الساحة الداخلية على مواصلة المزيد من العجز والشلل والتفكّك والإنحلال للمؤسّسات الرسمية، وذلك، في حال بقيت وتيرة التصعيد على حالها، أو انضمّت إليها أطراف سياسية جديدة.
Views: 3