“واعتِراف بأُكذوبة الديمقراطيّة العُنصريّة الإسرائيليّة؟ ولماذا فقد مُعظم الإعلام الغربي “مِصداقيّته” في الشّرق الأوسط” وأوكرانيا؟ مَن الفائِز أو الخاسِر في هذه المعركة؟
عبد الباري عطوان
عندما تشن صحيفة الـ”نيويورك تايمز” هُجومًا شرسًا على بنيامين نِتنياهو وحُكومته اليمينيّة المُتطرّفة القادمة، وتقول في افتتاحيّة رئيسيّة لها إن هذه الحُكومة “تُعرّض الديمقراطيّة الإسرائيليّة للخطر”، فإنّها لا تنطلق من مُنطَلق الحِرص على استمراريّة “الدّولة اليهوديّة” المُهدّدة فقط وإنّما على مصالح الولايات المتحدة الأمريكيّة التي تضرّرت كثيرًا في المِنطقة العربيّة والعالم الإسلامي بسبب الوقوف مع الحُروب الإسرائيليّة والدّفاع عن المجازر التي ترتكبها في حقّ الفِلسطينيين الواقِعين تحت احتِلالها، وتسويق هذه الأُكذوبة الديمقراطيّة.
كان من الطّبيعي أن “يردح” نِتنياهو للصّحيفة التي وقفت دائمًا في خندقه وحُكوماته ويتّهمها بعباراتٍ “غير لائقة” مِثل القول على موقعه على وسائل التواصل الاجتماعي “إن الصّحيفة وبعد دفن “الهولوكوست” لسنواتٍ في صفحاتها الداخليّة الخلفيّة، وشيطنة إسرائيل لعُقود، تدعو الآن بشَكلٍ مُخجِلٍ إلى تقويض الحُكومة الإسرائيليّة المُنتَخبة، ونزْع الشرعيّة عن الديمقراطيّة الحقيقيّة الوحيدة في الشّرق الأوسط، وأفضل حليف لأمريكا في المِنطقة”.
هذه “الصّحوة”، ومن قِبَل الصّحيفة الأكثر تأثيرًا في الولايات المتحدة والعالم الغربي، جاءت مُتأخّرةً جدًّا، وإذا كان المُجتمع الإسرائيلي انتخب الأحزاب الأكثر يمينيّةً وتطرّفًا وعُنصريّةً، فإنّ هذا التحوّل جاء نتيجةً لتغطية الإعلام الغربي وصمْته على الجرائم الإسرائيليّة الإرهابيّة، والإعدامات المُتصاعدة، والتغوّل الاستِيطاني ضدّ الشّعب الفِلسطيني على مدى أكثر من سبعين عامًا تحت الاحتِلال.
صحيفة “النيويورك تايمز” حريصةٌ جدًّا على الديمقراطيّة الإسرائيليّة، وتؤكّد أن حُكومة نِتنياهو تُشَكّل تهديدًا كبيرًا على مُستقبل “إسرائيل”، ولكنّها لم تُبْدِ أيّ حِرص في المُقابل على 15 مِليون فِلسطيني هُم ضحايا هذه الديمقراطيّة الأُكذوبة الزّائفة، وعلى الزّملاء الصّحافيين الذين تُعدمهم آلة القتل الإسرائيليّة في حُكومة لابيد “المُسالمة”، وآخِرهم شيرين أبو عاقلة.
أكثر من 99 بالمِئة من الإعلام الغربي، المرئي أو المسموع، أو المكتوب، ينحازُ بالكامِل إلى العُنصريّة الإسرائيليّة الفاشيّة، ويتستّر على جرائمها، ويعتبر أيّ نقد لها وجرائمها وحُروبها “مُعادٍ للساميّة” وكأنّ “إسرائيل” دولة ربّانيّة مُقدّسة فوق النّقد، وعليها أن ترتكب ما تشاء من المجازر، ولا يجوز الاقتِراب منها أو انتِقادها، ولتذهب “حُريّة التّعبير” و”الرّأي الآخَر” إلى الجحيم.
اختلفنا، ونختلف مع صحيفة “نيويورك تايمز” خاصَّةً في قولها “إن إسرائيل التي عرفناها لم تعد موجودةً” وكأنّها حمامة سلام، ولم تتغيّر إلا في عهد حُكومة نِتنياهو القادمة، وقامت مُنذ اليوم الأوّل على الإرهاب، والقتْل، وتشريد الملايين من الفِلسطينيين، ونهب ثرواتهم، ومُعاملة من تبقّى منهم على أرضهم كمُواطنين من الدّرجة العاشرة، وتكلّلت هذه العُنصريّة الفاشيّة في وصول إيتمار بن غفير وحليفه سيموترتيتش إلى البرلمان، وتولّي وحُلفائهم مناصب عُليا في حُكومة نِتنياهو لكيّ يُمارسوا تنفيذ مُخطّطاتهم وأيديولوجيّاتهم، بقتلِ من تبقّى من العرب، وطردهم، وضمّ الضفّة الغربيّة بُدون شعب إلى دولة الكيان، وإقامة الدّولة البديلة في الأردن.
لم نقرأ كلمةً واحدةً عن مُعاناة الشّعب الفِلسطيني تحت الحِصار الإسرائيلي، ولا عن ضحايا الإعدامات الإسرائيليّة من المسافة صِفر في الضفّة والقِطاع وجنوب لبنان وسورية، واقتِحامات المُستوطنين المُتصاعدة لباحات المسجد الأقصى، ولا عن اعتِقال 20 ألف طِفل فِلسطيني في السّنوات العشرين الماضية وقتْل الآلاف الآخرين، وكل ما نقوله مُوثّق.
الولايات المتحدة الأمريكيّة خسرت وتخسر أهم حُلفائها في المِنطقة والعالم، بسبب دعمها وتستّرها على الإرهاب والعُنصريّة، وخاصَّةً الإسرائيلي منه، وغزوها للعديد من الدّول الإسلاميّة العربيّة في العِراق وسورية وليبيا وأفغانستان، وقتْل الملايين من الأبرياء سواءً بالقصف الجوّي أو الأرضي، أو بالحِصارات التجويعيّة، ولعلّ الاستِقبال الحار الذي حظي به الرئيس الصيني تشي جين بينغ في الرياض قبل أُسبوعين وتزعّمه لثلاث قمم سعوديّة وخليجيّة وعربيّة، وحُصول الرئيس فلاديمير بوتين وحربه في أوكرانيا على نسبةٍ كبيرةٍ من التّأييد في العالمين العربيّ والإسلاميّ إلا أحد الأمثلة على ما نقول.
“إسرائيل” التي أقرّ برلمانها قانون القوميّة اليهوديّة العُنصري، ليست دولةً ديمقراطيّةً ولن تكون، فالديمقراطيّة التي تتبنّى العُنصريّة والفاشيّة ليس لها أيّ علاقة بالديمقراطيّة الحقّة، والحُكومات التي تولّت السّلطة فيها لم تكن أفضل، أو أقل عُنصريّة وفاشيّة، من حُكومة نِتنياهو القادمة.
صحيفة “النيويورك تايمز” والغالبيّة السّاحقة من الإعلام الغربيّ فقد مِصداقيّته، وبالتّالي تأثيره واحتِرامه، وانتقاد حُكومة نِتنياهو لن “يُجَمّل” وجْهه القبيح الحالي، المُنحاز بالكامِل للمجازر الإسرائيليّة والحُروب الأمريكيّة التدميريّة في الشّرق الأوسط أو أوكرانيا، ونقولها من واقعِ تجربة ومُتابعة عمليّة دقيقة
Views: 10