قبل ان يغادر الموفد الرئاسي الفرنسي جان – إيف لودريان بيروت في زيارته الثانية لها وبعد اطلاعه على مواقف الافرقاء والكتل النيابية المنقسمة، استشعر حجم أثقال المهمة التي كلّفه إياها الرئيس ايمانويل ماكرون والمجموعة “الخماسية”، بحيث لم تعد باريس الجهة الخارجية الوحيدة التي تتابع انتخابات الرئاسة الاولى في لبنان. يدرك لودريان الصعوبات التي تعترضه ولا يقلل من تعقيداتها، وهذا ما عكسه على مسمع من التقاهم في السفارة الفرنسية وفي المقار الرسمية والحزبية التي زارها واستمع اليها. وكان اخطر ما قاله أمام احد المراجع “إن لبنان تنتظره ايام اكثر من صعبة اذا لم تعجل الكتل النيابية في انتخاب رئيس للجمهورية، وامام بلدكم ثلاثة اشهر حاسمة. وعلى جميع المعنيين عدم الغرق اكثر في الشغور الرئاسي، وان الاستمرار على هذا المنوال يودي بلبنان الى مهالك وانهيارات لا تتوقعون أخطار الآثار التي ستخلفها”.
ويلتقي كلام لودريان هذا مع ما ردده رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الذي حذّر قبل ايام من انزلاق البلد الى “مرحلة صعبة جدا” في معرض انتقاده تصويب كتل نيابية على الحكومة وتعطيل البرلمان ومنعه من اعمال التشريع. ويأتي كلام ميقاتي هنا من باب ضرورة الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية بدل الغرق أكثر في مستنقع الشغور الذي لن تنجو منه أي جهة، وان المخرج في رأيه لا يكون بمقاطعة جلسات مجلسي الوزراء والنواب ورفض اقرار مجموعة من القوانين.
وامام هذه المشهدية السياسية القاتمة لم يبقَ من أمل بعد تعذّر انتخاب رئيس للخروج من النفق الا بالاستعانة بالخارج. واذا كانت فرنسا مهتمة باللبنانيين ومساعدتهم انطلاقا من علاقات تاريخية معهم، وهي تحرص على الابقاء عليها ومتابعتها مع كل الافرقاء والتواصل معهم ، فان ملف انتخابات الرئاسة الاولى يخص اللبنانيين اولا. ولم يتوانَ لودريان عن القول نقلاً عن تلك المرجعية انه اذا سُدت آفاق اتصالاته سيعود في نهاية ايلول المقبل الى ماكرون ويحمل معه خلاصة ما سيجمعه من رؤساء الكتل النيابية، وسيبلغه ان “مهمتي انتهت وفشلت”. وهذا ما سينقله الى المجموعة “الخماسية”. ولا يفوته القول هنا إنه في مثل هذه الخلاصة التي لن تؤدي الى انتخاب رئيس “السلام على لبنان”.
مواقف لودريان هذه جاءت طبعا قبل توجيهه رسائله الى رؤساء الكتل النيابية والنواب “التغييريين” والمستقلين حيث اراد الوقوف على آراء كل اطياف ساحة النجمة. ولم تتبلور بعد كيفية ردود كل الكتل على تلك الرسائل، لأن ثمة جهات تقول من دون مواربة إنها لن تجيب عن سؤالَي لودريان ولن ترسل ردودها الى بريد السفارة الفرنسية قبل نهاية آب الجاري والتعاطي معها كأنها لم تكن، وهذا ما ستعتمده كتل المعارضة وشريحة من المستقلين.
في المقلب النيابي الآخر، ستردّ كتل ونواب مستقلون على الرسالة، وستتعامل كتلتا “أمل” و”حزب الله” الى مجموعة سنية ومجموعة من النواب المسيحيين بإيجابية مع رسالة لودريان، فيما لم يقرر “اللقاء الديموقراطي” بعد ما اذا كان سيرد على الرسالة.
ويعلّق نائب تربطه علاقات جيدة مع الفرنسيين ويعرف جيدا منطلقات سياساتهم مع لبنان منذ سنوات الحرب الى اليوم، انه “اذا اخطأ لودريان في مقاربة تقديمه رسالته هذه الى النواب في الشكل، فان من غير المنطق التعاطي السلبي من اطراف المعارضة مع فرنسا التي لم تقصّر على مدار العقود الاخيرة في دعم اللبنانيين والوقوف الى جانبهم في أوقات الازمات. ويجب ألا ننسى انها تبقى في مقدم الدول الصديقة لبلدنا”.
وبعد صدور الرسالة الفرنسية وانتظار جمع ردود النواب عليها، تكثر الاسئلة عن تعاطي رئيس مجلس النواب نبيه بري معها وهو لا ينفك عن دعواته لسلوك طريق الحوار. وهذا ما بدأ بالتشديد عليه قبل سنة في صور في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر ورفيقيه. وسيكرر كلامه في الذكرى نفسها في 31 الجاري على اساس ان لا مفر امام كل الافرقاء والكتل الا اتباع طريق الحوار.
واذا كان بري لا يريد التعليق على كل ما رافق رسالة لودريان، إلا انه ينتقد الرافضين للحوار وعدم التجاوب مع المساعي التي تبذلها باريس في هذا الصدد، وأنها غير قادرة على جمع النواب الى طاولة حوار نتيجة التضييق على الفرنسيين.
ويتوقف عند الرافضين لمطلب الحوار تحت المظلة الفرنسية بأن هؤلاء “يهوون المعارك الخاسرة”، حيث يرون من وجهة نظر خاطئة ان فرنسا في وضع صعب بعد تثبتهم من ارتفاع منسوب التقارب السعودي – الايراني، على أهميته.
ويُنقل عن بري انه كان من الافضل لنواب المعارضة التجاوب مع لودريان بدل المراهنة على خيارات اخرى
Views: 22