لا يزال مصرف لبنان في صدارة المشهد الإعلامي والشعبي، ولربما يتصدر لو تسنى لأحد إجراء إستبيان شعبي، رأس لائحة أكثر المؤسسات متابعة، وحاكمه بالإنابة أكثر الشخصيات مراقبة. كرة النار التي رمتها الحكومة في يدي وسيم منصوري، لا يزال تبريد لهيب نارها ممكنا، وما إتخذ من قرارات ومواقف حتى اليوم، من منصوري أو من المجلس المركزي، يرسم مشهد تغلب فيه مسحات التفاؤل، على شياطين التشاؤم.
أزمة مصرف لبنان هي الإبنة الكبرى لأزمة البلد، ولإفلاس الدولة، ونتيجة واقعية للنهب المنظم الذي مارسته الدولة لأموال “المركزي”، تارة بقوانين الموازنات مع عجز خيالي، وطورا من خلال “دبرها يا رياض” وتلك المونة الملتبسة لأهل السلطة على #رياض سلامة، والتي أدت إلى ما أدت إليه، من فقدان الودائع وإنهيار الليرة وسقوط المصارف، درة الاقتصاد تاريخيا.
يعرف منصوري أن السير بالدرب السابق سيؤدي به الى النهاية التي وصل إليها من سبقه، وأن الشرب من الكأس ذاته، سيفقده إمكان التحكم والسيطرة، وفقدان القدرة على ضبط توازن السوق، ودور مصرف لبنان في ذلك.
ويعي أيضا، بالمراقبة والخبرة في نيابة الحاكم ، أن وظيفة الحاكم التي آلت إليه قسرا، ليست إدارية، وليست عملا مصرفيا روتينيا معتادا، بل هي مسؤولية إستثنائية، تراكمت فيها وتداخلت هموم النقد والمال، مع مآزق تأمين الدواء والكهرباء، والقمح والوقود، ودعم رواتب موظفي القطاع العام، وتأمين مصاريف الأسلاك العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى الهم الأكبر، في إبقاء سعر صرف الدولار دون المئة ألف ليرة، لتجنيب البلاد الإنفجار الاجتماعي والأمني.
يرمي كثيرون لمعرفة عقل الرجل وبواطن رؤيته لإدارة أهم مؤسسة وأكثرها حساسية في الوقت الراهن. وهو من حيث يعرف ذلك، يسعى للبقاء تحت سقف القانون ومندرجاته، ويؤكد جازماً أنه لن يغطي أو يخفي، أو يتلكأ في نشر أي معلومات أو أرقام، عن موجودات مصرف لبنان وعملياته، ولن يتوانى عن التعاون مع القضاء في أي تحقيق يستدعي موافقته.
وفي معلومات “النهار، أن منصوري وضع الجميع، عاملين في مصرف لبنان، أو متعاملين معه، والقيادات السياسية المعنية في الدولة والقضاء في أجواء استعداده لرفع القيود المصرفية عن جميع الملفات والعمليات الملتبس وضعها قانونا، وهو يقوم حاليا بتحقيق وتدقيق داخلي للتأكد من حقيقة تسليم جميع الوثائق والمستندات التي كانت مطلوبة الى شركة “الفاريز أند مارسال”، ومدى صدقية التسريبات السياسية والإعلامية حول ذلك.
إلى ذلك يستعد الفريق المولج بإدارة صيرفة لإدارة منصة جديدة يمكن إعتبارها “صيرفة 2” أكثر شفافية وأحدث تقنيا، تساهم في ضبط سعر الصرف واستقراره. ووفق المعلومات فإن المنصة الجديدة ستقوم بإصدار سعر يومي للصرف على أن يعتمد بتسعير الخدمات مثل الخليوي أو الضرائب وغيرها. أما بالنسبة لرواتب القطاع العام فإنه في حال لم يكن ثمة عرض كاف للدولارات من خلال المنصة ليكون في مقدور “المركزي” شرائها، ستدفع الرواتب بالعملة اللبنانية.
أمام ما سبق، وما سيقوم به مصرف لبنان مستقبلا، تؤكد أوساط منصوري أن الدولة، وهي المعني الأول بحكم دورها وعلة وظيفتها بصناعة الاستقرار الإجتماعي، في حال لم تبادر إلى أخذ دورها بجدية ومسؤولية، وحمل “شقلة” مع مصرف لبنان، فإن الأمور لن تسير وفق المشتهى. فالحاكم بالإنابة رأى سابقا، ولمس بالواقع، مضار وسيئات أن تُرمى جميع مشاكل الرواتب والأجور، ومصاريف الدولة الدولارية، وتمويل الكهرباء والضرورات الإنسانية على مصرف لبنان وحده، وأنه إذا لم تنتفض الدولة على ذاتها، وتبدل في سياساتها الممجوجة، كما فعل مصرف لبنان، فإن أي جهود منه بفرده لن تؤدي إلا إلى المزيد من الإنهيار وفقدان السيطرة.
المحافظة على سعر صرف ثابت ليس صدفة، فمنصوري يعمد حتى قبل تسلمه الحاكمية بالانابة على التواصل مع القوى الامنية لمتابعة ملاحقة المضاربين بسعر الصرف، وآخر التوقيفات وفق ما علمت “النهار” حصلت منذ يومين لأحد اهم المضاربين. كما يعمل منصوري على التنسيق مع الدولة اللبنانية لكي لا تضخ أي ليرة في السوق قبل التنسيق مع مصرف لبنان، وكذلك تم الاتفاق مع المصارف على هذا الأمر بغية ضبط الكتلة النقدية في السوق. وخلال هذه الفترة وبما انه يوجد دولارات في السوق المحلية بشكل كاف، فقد وقع منصوري مع وزارة المال على محضر اصولي حسب المادة 75 و83 لشراء الدولار من السوق، في محاولة لتأمين رواتب القطاع العام لهذا الشهر وكذلك احتياجات القوى الامنية. ويبدو منصوري مطمئنا أنه سيكون في مقدوره تأمين هذه الاستحقاقات للشهر المقبل على أن يضاف اليها ايضا ما تحتاجه مؤسسة الكهرباء وكذلك وزارة الاتصالات من دولارات، خصوصا في حال الاستمرار بتثبيت سعر الصرف للمرحلة المقبلة، وهو أمر محسوم بالنسبة اليه خصوصا وأنه يعمل كل ما يمكن للسيطرة على الكتلة النقدية في السوق.
وتوضح أوساط منصوري ان دفع الرواتب للقطاع العام هي من ضمن المادة 70 من قانون النقد والتسليف، وتاليا فإن مصرف لبنان لا يقوم بدعم القدرة الشرائية للموظف، بل يقوم بسياسة نقدية لتأمين اساس نمو اقتصادي واجتماعي. وإذ تؤكد أنه يعمل على توزيع الدولارات التي يؤمنها على 400 ألف موظف بطريقة شفافة 100%، تكرر أن منصوري لن يسمح باستخدام أي دولار من دولارات المركزي، ولذلك عمد الى نشر كل الارقام على الموقع الالكتروني لمصرف لبنان مع تحديثها كل اسبوعين حتى يتأكد اللبنانيون أنه لن يمس بأي دولار من الاحتياطي. أمام هذا الواقع، يبدو واضحا أنه لأول مرة منذ 30 عاما يتأمن جزء من احتياجات الدولة بطرق نقدية تقليدية وسليمة، من دون المساس بالتوظيفات الالزامية. ولكن وإن كانت الامور ميسرة حتى اليوم، فإن أوساط منصوري لا تخفي أن مصرف لبنان غير قادر على تأمين احتياجات الدولة كافة، وتاليا اذا لم تواكب الدولة مساعيه بإجراءات قانونية اصلاحية داعمة، فلن يكون في امكانه الاستمرار الى ما شاء الله.
بالنسبة لصيرفة، تجري التحضيرات لاطلاق منصة جديدة، على أن ينتهي وضع الاطار القانوني لها الاسبوع المقبل، وقد أرسل منصوري كتابا في هذا الصدد الى وزير المال لعرضه على الحكومة والموافقة عليه، على أن يتم اطلاقها خلال الشهر المقبل بعد انجاز التدريب عليها، علما أن المنصة الجديدة يمكن أن تساعد مؤسسة الكهرباء على استخدامها لتحويل ليرات الجباية الى الدولار.
وفيما يعول اللبنانيون على مصرف لبنان لتقديم شيء جديد يمكن أن ينتشل البلاد من أزماتها المالية والنقدية، تؤكد المصادر أنه “لا يمكن تحميل مصرف لبنان كل الاعباء، اذ لا يمكنه المحافظة على سعر الصرف، وتمويل الدولة. من دون أي دعم من الدولة، فالاستقرار في البلاد هو استقرار مالي وليس نقدي فقط”.
وتقول المصادر عينها أنه يمكن أن يؤمن الرواتب للقطاع العام والحاجات العسكرية للشهرين المقبلين، ولكن لا يمكن لمصرف لبنان البقاء وحيدا في الميدان يحارب من دون أن تدعمه الدولة. فمصرف لبنان يقوم بواجباته وتاليا على الدولة ملاقاته من الجانب الاخر عبر اطلاق ورشة اصلاح قانونية في البلاد.
أمام هذه المعطيات، يبدو ان الانتقال من آخر آب حتى أيلول سيكون سلسا، وبدءا من 10 أيلول يمكن استشراف الوضع حيال مدى قدرة مصرف لبنان على ضبط الوضع، خصوصا وأنه لن يعود هناك سياح ومغتربون، وتاليا يمكن أن تخف الدولارات في الاسواق
Views: 11