حرّكت زيارتا المنسّق الأميركي الخاص بالطاقة آموس هوكشتاين ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان المياه السياسية الراكدة في بيروت، في وقت تغرق فيه الكتل النيابية والسياسية في مراوحة لا تقدّم ولا تؤخر حيال جملة من الملفات في مقدمها الاستحقاق الرئاسي المعطل. وتسلّط الأنظار على هوكشتاين الذي سيتابع عن قرب البدء بعمليات التنقيب البحري عن النفط والغاز في البلوك 9.
وكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن إمكانية فتح هوكشتاين ملف نقاط الحدود البرية العالقة بين لبنان وإسرائيل، وما إن كانت هناك مساع أميركية جدية للولوج في هذه العملية التي لا تعارضها الحكومة ولا “حزب الله” من زاوية تثبيت الحدود لا ترسيمها، وأن تعمد إسرائيل إلى الانسحاب من نقاط الأراضي اللبنانية. وقبل أن يصل هوكشتاين إلى بيروت كان قد تلقّى رسائل من مسؤولين لبنانيين أبدوا فيها حرصهم على استقرار الحدود الجنوبية مع إسرائيل.
وهذا ما عكسه هوكشتاين في لقاءاته أمس وإظهاره حرص واشنطن على استمرار هذا الهدوء في الجنوب ومواكبة عملية الترسيم البحري من الألف إلى الياء وأن مهمّته المفتوحة لم تنتهِ عند إنهاء ترسيم البحر وأن الرعاية الأميركية هنا ستتواصل إلى مرحلة الاستخراج. ويُفهم من هذا الكلام أن التزاماً أميركياً لهذا الملف سيبقى متواصلاً.
ولا يمانع لبنان الرسمي فضلاً عن “حزب الله” البت في تثبيت النقاط الـ7 المتنازع عليها، وأن علاجها أسهل بدرجات من كل ما رافق عملية الترسيم البحري. وقبل حسم لبنان موقفه في خصوص البرّ، سُئل هوكشتاين قبل مجيئه عما إن كانت هناك استعدادات جدية عند إسرائيل لطيّ هذا الملف.
وجاء رد واشنطن بأنها ستعمل على خطى الطرفين اللبناني والإسرائيلي مع تشديد لبناني على الانطلاق في أي مفاوضات برية غير مباشرة من نقطة الـb1 في رأس الناقورة، لأن الإسرائيلي يحتل نحو 17 متراً انطلاقاً من هذه النقطة في اتجاه الأراضي اللبنانية، وأن في الإمكان إنجاز مهمة تأكيد هذه الحدود، ولا سيما أن الفريق التقني في الجيش اللبناني حدّد بطريقة علمية النقاط المتنازع عليها. وسمع هوكشتاين كلاماً مشجعاً في بيروت لإنجاح مهمته “البرية” هذه المرة إذا توفر تجاوب إسرائيلي في ظل الجهوزية اللبنانية التي تؤكد ثوابت عدم التخلّي عن حقوق لبنان وترابه. وكان المسؤول الأميركي قد طلب عدم حصول “مناكفات أو مزايدات لبنانية” لإنجاح الترسيم البري بحسب تعبيره. ويذكر لبنان هنا أن نقاط تثبيت الحدود دامغة وظاهرة منذ ما قبل قيام إسرائيل عام 1948.
من جهته تناول الرئيس نبيه بري جملة من المواضيع مع هوكشتاين. وفي معلومات لـ”النهار” أن رئيس المجلس ناقش جملة من النقاط على شكل سلة في ملف تثبيت الحدود مع إسرائيل تبدأ من نقطة الـb1 في الناقورة وصولاً إلى شمال بلدة الغجر السورية. وأبلغه أن النقاط المتنازع عليها 13 وليست 7 على أن تُثبّت وفق “الحدود الأصلية” لا على أساس الخط الأزرق. وخرج الرجلان بانطباعات جيدة.
وفي اتصال لـ”النهار” مع نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، يقول إنه إذا توفرت الظروف المؤاتية لتثبيت الحدود البرية يمكن الاستفادة من هذه الفرصة شرط حصول تجاوب إسرائيلي “وهناك مصلحة للطرفين. وفي الإمكان إنجاز هذه المهمة في وقت سريع وليس على غرار ما رافق الترسيم البحري”. ويشدد بو صعب “على عدم تنازل لبنان عن حقوقه، لأننا باختصار لن نقبل بالتخلّي عن أرضنا. وفي الإمكان التوصل إلى خلاصة إيجابية شرط عدم وضع عراقيل إسرائيلية”.
أين “حزب الله” من زيارة هوكشتاين وهو لا يبدي أي اطمئنان عند مجيء أي من المسؤولين الأميركيين، ولم يكن معترضاً على ما قام به هوكشتاين أثناء قيام بلاده بوساطة بين إسرائيل ولبنان في مفاوضات غير مباشرة انتهت إلى ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين؟
لا يريد الحزب اليوم استباق ما سيحمله هوكشتاين رسمياً. وينطلق الأول من ثابتة أساسية وهي رفض الدخول في أي مفاوضات مع تل أبيب، وموضوع الترسيم غير مطروح، لكنه لا يمانع في الوقت نفسه الدخول في مفاوضات غير مباشرة تؤدي في نهايتها إلى استعادة لبنان النقاط البرية المختلف عليها، وأن تحصل كل عملية التثبيت هذه بإشراف الأمم المتحدة، حيث لن يعارض الحزب ولن يقف حجر عثرة بالطبع في “استعادة أرضنا وهي حقوق لبنانية”، ولا يقبل التنازل عنها مع تشديده على مسألة أساسية شرط عدم الدخول في أي مفاوضات مباشرة أو القيام بأي شكل من أشكال التطبيع المرفوضة. وفي اختصار، كل هذه العملية البرية إذا أخذت طريقها إلى التطبيق، فإن الحزب لن يكون في موقع المعرقل وهذا ما أبلغه إلى الجهات اللبنانية الرسمية. ولن يقف بالطبع متفرّجاً على محاولة ممارسة أي ضغوط أميركية على لبنان من بوابة الحدود البرية أو السعي إلى التفريط بأي مساحة مهما كان حجمها من الأراضي المحتلة في الجنوب.
من جهة أخرى، يرفض الحزب ربط زيارة عبداللهيان بحضور هوكشتاين أو إدخالها في إطار الكباش الإيراني – الأميركي المفتوح. ويضع قدوم وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت في إطار محطته في دمشق ليضع القيادة السورية في حصيلة زيارته الأخيرة للسعودية. وسيضع بالطبع المسؤولين اللبنانيين والسيد حسن نصرالله في أجواء كل الاتصالات المفتوحة مع الرياض وواشنطن حيال أكثر من ملف في المنطقة، في وقت لا تفرّط فيه طهران بالتفاهم التاريخي الذي أبرمته مع السعودية.
Views: 14