نسيم الرحبي – البلاد
الوقتُ ربيعاً مبكراً قاسياً كما الشتاء ولكن على نحو آخر ، فقد هبَّ ريحُ الشمال حاداً على الأرض الباردة لمدة تناهز الثلاثة أسابيع ..
وظهرت القوارب على الرمل الأبيض كصفٍ طويل تشبه العمود الفقري للأسماك الكبيرة ..
ولم يجرؤ أحد على النزول إلى البحر للصيد في مثل هذه الأحوال الجوية ..
وكان من النادر أن ترى شخصاً بارح منزله إلى الشارع الوحيد في القرية الصغيرة ..
ذلك أن الإعصار البارد عبر تلال الشاطئ إلى خلاء ، الأفق قد حوَّلَ (الهواء الطلق ) عذاباً لايطاق ..
وكانت كل مداخن القرية ، قد راحت تنفثُ دخانها منذ الصباح حتى المساء ليغطي أسقف المنازل شديدة الانحدار ..
وكانت تلك الأيام التي تحمل معها ريحَ الشمال هذه .. أكثر إغراء لسيرين على الخروج من منزلها الصغير الدافئ ..من تلك الأيام التي تغمر فيها الشمس البحر وتلك القرية بأشعتها الذهبية ..
وخرجت سيرين إلى الجسر القائم على صفين طويلين من الأوتاد..
وهناك حيثُ نهاية اللسان المصنوع من الألواح الخشبية تؤججُ الريح جذوتها ، تنظر إلى قاعِ البحر العاري عند الشاطئ يكسوه زبدٌ رمادي يلهث في أثر الأمواج العالية التي ملأ ركضها المزمجر تجاه الأفق الأسود العاصف..
الفضاءُ بأسرابٍ من مخلوقات خيالية ذاتُ أعرافٍ طويلة تجري جامحة كاسرة تبحثُ يائسة عن سلوى في البعيد ..
وأسلمَ الأنين والضوضاء والقصف المولول لطيرانِ المياه الهائل وتيار الريح الذي يبدو مرئياً والذي يقطعُ المكان ..
روح سيرين المخدرة ..الخارجة من ظلها .. الذاهبة إلى اللامنتهى ..
تارةً تائهة.. وتارةً مسيطرة ..
أدركت هنا ، أنه من أجمل الأشياء ، الصمت والوحدة الجميلة ..
هنا فقط .. (ابتسمت) .
Views: 4














