هؤلاء المثقفون المشردون بين مجد الشعر ومجد الدولار، هم مصدر القلق الكبير، ومصدر هزيمة الأمة والثقافة العربية.
مثقفون آخرون أكلت أوزانهم (البروستريكا) وانهاروا وهم يلتهمون شطائر (الماكدونالد) الطازجة وخطاب المديح الأمريكي، هؤلاء الأحياء بين رأسمال الفقراء، يبحثون تحت أعلام أوطانهم عن مقابر لهم بين النظريات الاشتراكية التي أبادتها القوة الرأسمالية الزرقاء.
إن النظرية الرأسمالية لم تكن إطلاقاً نظرية شعبية، ولكنها بمنهجها تشكل نظرية (رأس القوة) فهي تعمل على (الترغيم) من دون استفتاء عليه، وتتعدد مصادر نفوذها بمدى سيطرتها على المال ورجال الأعمال والساسة المأجورين وتجارة السلاح و..الفيتو..
أنظمة ولّت ونظام عالمي جديد قد حل بالبسكويت الأمريكي، والكاكاو الصهيوني والحليب الفلسطيني، وسوف يدرك النظام العربي الذي يخاف الغضب الجماهيري اليوم من المحيط الأطلسي وحتى الخليج العربي، يدرك تماماً أنه كان يغطس أنفه في الماء المكروه.
لقد انتظر العرب المؤرخ العجوز طويلاً، ولم يدركوا أنه منذ عام 1948 قد قفل ما كتب وغادرهم آسفاً إلى روما حاملاً معه قلمه ومحبرته وقنينة نبيذه الأحمر، وقد غادر بعد حرب الخليج ليستوطن في أمريكا بلد المصادر الموثوقة والشاهدة على مذبحة الديمقراطية في الوطن العربي.
مَنْ سيؤرخ إذاً بعد رحيل التاريخ عنا؟
لكننا سنقرأ يوماً وبعد هذه الانتصارات (المفجعة) في احتلال العراق العربي، والحرب على سورية العربية وحرق ليبيا الدولة واليمن وفرق الدواعش في السعودية وقطر وتركيا.. (المشروع الاستيطاني الصهيوني) لفلسطين الحبيبة، أن البعض من العرب هم أشبه بالقمل الأفريقي الشرس والسمج المنتشر بين أفراد قبيلة (المندلاي) التي تقطن (أرض السد) أسوأ مكان في العالم. ولأننا أشبه بقمل بقبيلة (المندلاي) فإننا عراة من كل شيء، و(ملط) نرى بعضنا هكذا أثناء النوم والزحام وأثناء إدارتنا الندوات والحوارات الفكرية والثقافية في الملعب العربي بين حين وحين متكئين على كتاب التاريخ المسوس ونتفلسف على الحضارات الغائبة والحضارات الحية، متواضعين ومتغطرسين على الغرب ولم ندرك، ونحن عراة من كل شيء، أنهم يلعبون الشطرنج في أكبر صالات القمار السياسي.
تعيش الرأسمالية لأنها طهرت أمريكا من الفكرة العابثة في المال الزنجي، وأطفأت نيران الهنود الحمر إلى الأبد وألجمت المرحوم ياسر عرفات بكوفيته المشهورة كي يستريح الطفل الفلسطيني من عناء البحث عن حجارة حوّلها الصهاينة إلى تفاح.. يافا التي سقطت كامرأة بتول، وحيفا التي غادرها المرحوم محمود درويش بالعرائس والقصائد.
بعد هزيمة الثقافة العربية وسقوط الشعر العربي بين بابل وبلقيس وزنوبيا أجد نفسي بحاجة إلى منقذ يضمد جراح الشعر العربي بين حيطان بابل التي رممها العراقيون وأطاح بها اليانكيون ودنسها الأمريكي بالقوة، أقف أمام جلالة المشهد مفزوعاً على الحلم الذي روته لنا نازك الملائكة وأدونيس ونزار قباني واندهش لموت السياب المؤقت ولملامس عائشة الناعمة في قصائد البياتي.
نعم.. نعم لقد سقط الشعر العربي ومات أكثر الشعراء العرب وبقيت قصيدة الحكام العرب.
Views: 0