سمية علي
عام 2017، بدا العالم للحظة على كف عفريت: دونالد ترامب، رجل الأعمال الذي استلم بداية العام زمام الحكم في الولايات المتحدة الأميركية، انتهج “اللاعقلانية” في قراراته منذ اللحظات الأولى، واضعاً بلاده في مواجهة دائمة مع الخصوم والحلفاء على حد سواء، مخلفا اكثر من ازمة داخلية ودولية. اما اوروبياً، تبدو القارة العجوز كذلك أكثر من أي وقت مضى، مثقلة بكم من الأزمات على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، مما ينذر بتغيرات كبرى في المقبل من الأيام.
أزمة كوريا الشمالية
لم يتأخر الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ اون كثيراً في ارسال برقية تهنئة للرئيس دونالد ترامب، بمناسبة ادائه اليمين الدستورية رئيساً للولايات المتحدة الأميركية في كانون الثاني/يناير من العام 2017، وذلك رداً على الأخير الذي توعد بضرب بيونغ يانغ خلال حملته الانتخابية. فعقب ثلاثة أسابيع، اختبرت بيونغ يانغ أول صاروخ لها لهذا العام وهو صاروخ باليستي بعيد المدى، ومن موقع الاطلاق أعلن كيم: “إنها البداية، سنطلق مزيداً من الصواريخ”.
رسالته الثانية كانت تهديداً مباشراً لواشنطن: جزيرة غوام الأميركية ستكون الهدف التالي للهجمات الصاروخية الكورية الشمالية. رد ترامب على تهديدات خصمه، ملوحاً بخيار الحرب.
في آب (أغسطس)، أقرّ مجلس الأمن بالاجماع الحزمة الأولى من العقوبات لهذا العام ضد كوريا، والتي وُصفت بالأكثر تشدداً، وذلك رداً على تجربتين لصاروخين بالستيين.
لم يردع ذلك كيم. مضى قدماً في تحدي نظيره الأميركي والعالم. في أيلول/سبتمبر أعلنت كوريا الشمالية أنها “اختبرت بنجاح سلاحاً نووياً يمكن تحميله على صاروخ بعيد المدى”، وذلك بعد ساعات من رصد خبراء الزلازل هزة أرضية في المنطقة. وأوضحت بيونغ يانغ أنها اختبرت قنبلة هيدروجينية أكثر قوة بعدة مرات من القنبلة النووية، مشيرة الى أن “تجربتها النووية السادسة تمت بنجاح تام”.
التجارب الكورية استدعت غضباً وإدانة دولية تُرجمت تصويتاً في مجلس الأمن على مشروع القرار الأميركي المتضمن تشديد العقوبات على كوريا الشمالية، إذ نص على فرض قيود على وارداتها من المشتقات النفطية، ومنع التعامل مع صادراتها من النسيج وتقليص عمل مواطنيها في الخارج.
اختتم كيم العام 2017، كما بدأه. رسالة أخرى للولايات المتحدة في تشرين الثاني(نوفمبر): اختبار صاروخ “هواسونغ-15” بلغ مداه 8 آلاف ميل، قادر على إيصال “رأس نووي خارق” إلى أي مكان على الأرض الأمريكية، بحسب بيونغ يانغ. وهبط الصاروخ في المياه اليابانية، لكنه حلق في مسار أعلى من أي صاروخ آخر اختبرته كوريا الشمالية في السابق، مما يدل على أنه نسخة محدثة من النماذج السابقة.
في كانون الأول (ديسمبر)، صوّت مجلس الأمن بالاجماع على الحزمة الثالثة من العقوبات لعام 2017، تتضمن ترحيل جميع مواطني كوريا الشمالية العاملين في الخارج إلى بلادهم قبل نهاية العام 2019. كما من شأنها الحد من المخزون النفطي الحيوي لبيونغ يانغ.
الحرب تلوح من جديد. كانون الأول/ديسمبر لهذا العام شهد أكبر المناورات الجوية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بمشاركة 230 طائرة عسكرية وعشرات آلاف الجنود. بيونغ يانغ وصفت المناورات “بالاستفزاز الشامل”، متهمة إدارة ترامب “بتسول حرب نووية”.
ترامب: “مجنون” البيت الأبيض
عام تقريباً على اقامة مراسم تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، ليصبح الرئيس الـ 45 منذ أن نالت البلاد استقلالها عام 1776. وقتها، تعهد الأخير بـ “اقتلاع الارهاب الإسلامي من على وجه الأرض”، وابتكار نظام دفاعي متطور للحماية من “ايران وكوريا الشمالية”. لكن على الرغم، من ذلك فإن حربه على “داعش” شابها العديد من المفارقات، إذ تمّ الكشف عن الاستمرار بدعم التنظيم في بعض مناطق الشرق السوري، الى جانب تسليم التنظيم مناطق الرقة لقوات “قسد” الكردية المدعومة من واشنطن.
الرئيس الأميركي وبالرغم من اعلانه خلال حملته الانتخابية عن عزمة الخروج من الاتفاق النووي الايراني، قرر البقاء في ظل اصطدامه برفض دولي للمس بالاتفاق ، مكتفياً بدعوة الكونغرس الى تشديد القوانين لتسهيل فرض عقوبات “اذا ما اتخذت ايران خطوات لاستئناف برنامجها”. أما تعهده التصدي لتهديدات كوريا الشمالية، فإن رده كان كلامياً فقط.
خلال العام الأول من ولايته، تعرض حكم الرئيس الجديد لانتكاسات عديدة، أبرزها التحقيق في التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الرئاسية الأميركية. وفي السياق، أتت استقالة مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي مايكل فلين، إذ اتهم الأخير بمناقشة موضوع العقوبات الأمريكية مع السفير الروسي في الولايات المتحدة قبيل تولي ترامب مهام الرئاسة. كما برز الى العلن نهاية العام الخلاف بين ترامب ووزير خارجيته ريكس تيلرسون على خلفية موقف الرئيس من الملف النووي الايراني، فبحسب مجلة “فورين بوليسي” قد طلب من تيلرسون تزويده بمواد تمكنه من اتهام طهران بعدم الالتزام بالاتفاق النووي، غير أن الخارجية لم تستجب لهذا الطلب. اضافة الى ذلك، يأتي موضوع الانتقادات التي وجهها ترامب لوزير العدل لتحقيقه في موضوع التدخل الروسي في الانتخابات، والذي رأى فيه تيلرسون تصرفاً “غير مهني”.
وعود ترامب الكثيرة لم تتحقق بأغلبها هذا العام. وعده اقرار قانون الاصلاح الضريبي لم يتحقق، إلا أن العمل على اقراره انطلق في الكونغرس.
محاولاته ابطال برنامج “obama care” للرعاية الصحية في الكونغرس باءت بالفشل، باستثناء اتخاذه اجراءات أحادية الجانب بشأنه منها تعليق المساعدات للمؤمن عليهم صحياً.
بالنسبة للجدار الحدودي مع المكسيك، لا تلوح في الأفق أي مؤشرات على اطلاق بنائه لأنه لم يُؤمن التمويل اللازم لذلك على الرغم من موافقة الكونغرس صرف 20 مليون دولار لتمويل التخطيط والنماذج الأولية للجدار.
حظر السفر الذي فرضه سيد البيت الأبيض على الدول ذات “الأكثرية الإسلامية” لم يُطلق إلا بصورة جزئية نظراً لتحديات قانونية تعترضه.
يبقى بعض القرارات التي اتخذها ترامب والتي تُعد مثيرة للجدل، كبدء التحرك للانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ في عملية تكتمل عام 2020. اضافة الى القرار الذي ختم به العام: الاعتراف بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال الاسرائيلي، والذي أثار موجة استنكار عالمية برزت مفاعيلها في الجمعية العامة للأمم المتحدة من خلال تصويت أغلبية 128 صوتاً لصالح القرار الذي يطالب الجميع بعدم تغيير طابع مدينة القدس الشريف أو مركزها أو تركيبتها الديمغرافية، ويؤكد أن أي قرار ينص على ذلك هو لاغ وباطل وليس له أي أثر قانوني. هذا وأعلن الرئيس عن ملامح استراتيجية جديدة للأمن القومي الأميركي تشمل التعامل مع الصين وروسيا “كقوتين منافستين”، ومواجهة الأنظمة “المارقة” (كوريا الشمالية وايران) والتهديدات الإرهابية.
ماكرون صاحب رؤية “التحول العميق”.. رئيساً
في أيار (مايو)، وصل الوسطي ووزير الاقتصاد في عهد الرئيس الأسبق فرنسوا هولاند، ايمانويل ماكرون الى سدة الرئاسة الفرنسية. 66,1% من أصوات الفرنسيين أتت لصالح الرئيس الشاب، متفوقاً بذلك على منافسته زعيمة الجبهة الوطنية والمحسوبة على اليمين المتطرف مارين لوبان والتي حازت في الجولة الثانية من الانتخابات على 33,9% من الأصوات.
بعد أشهر قليلة على انتخابه، أعلن ماكرون أن حكومته ستقرّ قانوناً جديداً في مجال الهجرة واللجوء مطلع 2018، موضحاً أن كل “الأجانب المقيمين بشكل غير شرعي”، والذين يرتكبون “جنحاً” سيطردون من البلاد. وقد استهل ماكرون عهده بالاعلان عن رزمة من الاصلاحات سيما على صعيد قانون العمل، خصوصاً أن نسبة البطالة وصلت في فرنسا عام 2016 الى 10,1% وهو اعلى من المتوسط المسموح به في منطقة اليورو (9,5%). كما حمل ماكرون معه رؤية جديدة وصفت بـ”التحول العميق” داخل الإتحاد الاوروبي، كونه يريد أوروبا أكثر قوّة وأكثر اتحادا، مقترحا تعزيز الأمن والدفاع والإقتصاد في القارة العجوز.
وفي السياق، أعلن من جامعة السوربون بباريس خطة لتعزيز الدفاع والأمن الاوروبيين واعتماد موازنة دفاع مشترك، اضافة الى وضع خطط لتعيين وزير مالية لمنطقة اليورو وقوّة تدخل سريع أوروبية، وانشاء اكاديمية اوروبية للإستخبارات شبيهة بتلك الموجودة في الولايات المتحدة الامريكية.
عام الخلافات الأوروبية الأميركية
بعد أن كانت منطقة اليورو ملتصقة بالسياسة الأمريكية خلال الأعوام الماضية، ظهرت الخلافات هذا العام مع وصول الوافد الجديد الى البيت الأبيض: دونالد ترامب.
الرئيس الأمريكي قرر الخروج من اتفاق قمة المناخ الذي وُقع في باريس عام 2015، كما انتقد السياسة الاوروبية الدفاعية وسياسة مكافحة الارهاب في الاتحاد أو ما عرف بـ”انتقادات ترامب لمنظمة الدفاع الأوروبية”، وايضا خلافات التبادل الحر والاتفاق النووي الايراني. اتهامات وتشكيكات ترامب طالت سياسة المانيا حول المهاجرين وحول حلف شمال الاطلسي “الناتو” مطالباً اياها “بالايفاء بالتزاماتها المالية”، معتبراً ان واشنطن لا يمكنها ان تحمي حلفاءها كما يلزم اذا لم يفوا بالتزاماتهم.
أداء الرئيس الامريكي أزعج دول الاتحاد الأوروبي وخاصة المانيا وفرنسا، اللتان تعملان جديّا للابتعاد عن تحالف ضفتي الأطلسي اي تحالف بريطانيا – امريكا، وبالاخص بعد ان قررت لندن الخروج من الاتحاد الاوروبي. ومن أجل أن تعود القارة العجوز الى ثواتبها، جاءت إتفاقية التعاون البنيوي الدائم “بيسكو”(Permanent Structured Cooperation)، والتي وقعت عليها 23 دولة من اصل 28 وعشرين في أوروبا في الثالث عشر من تشرين الثاني الماضي، لتدق ناقوس الخطر في واشنطن بشأن تحوّل في رؤية الاتحاد الأوروبي، رغم الحديث والتأكيدات عن ان عمل هذه المنظمة سيكون مكملا لعمل الناتو وليس لاغيا أو معارضا له. الاتفاقية الأوروبية رحبت بها واشنطن بفتور، وعارضتها بريطانيا كما مالطا وايرلندا والدانمارك والبرتغال.
في السياق، تمّ رصد 5 مليارات دولار لتمويل “بيسكو” و12 ملياراً للعمل على انجاز دراسات وابحاث عسكرية.
كما يأتي قرار ترامب حول القدس ليظهر حجم التباين الحاصل في طريقة مقاربة قضيّة السلام في الشرق الأوسط، فالإتحاد الاوروبي يرى أن الطريق الأمثل هو “استئناف عملية سلام هادفة في اتجاه حل الدولتين، وعدم التخلي عن المفاوضات”. وقد برز ذلك بشكل واضح في الانتقادات التي وجهتها دول الإتحاد كبريطانيا والسويد وفرنسا ووزيرة خارجية الإتحاد فيديريكا موغوريني للرئيس الامريكي.
تجدر الإشارة الى أن انتقادات ترامب المستمرة لإيران وكلامه عن الحرب ضدها، قابلته مختلف الدول الاوروبية بالرفض، إذ أنها قامت بتوقيع اتفاقات اقتصادية مع طهران لا سيّما المانيا وفرنسا، مؤكدة أن العلاقة مع ايران يجب ان تكون على مستوى التفاوض والحوار كسبيل اساسي لحل الخلافات.
إنفصال كاتالونيا
أزمة الإتحاد الاوروبي المستمرة دخلت عليها بقوة هذا العام معركة الانفصال في كاتالونيا والتي لا يمكن قراءتها إلا أنها امتداد للمشكلات الكبيرة التي تشهدها القارة العجوز، من الاقتصاد الى الأمن والسياسة. ورغم صعوبة الانفصال أو لنقل قربه من استحالة الحدوث في المدى المنظور الا انه مؤشر خطير لمستقبل ضبابي يحتاج معالجات سريعة.
وقد شهد الاقليم في شهر كانون الأول/ديسمبر انتخابات برلمانية، تقدمت فيها الأحزاب الداعية للانفصال عن أسبانيا، لتحتفظ بأغلبية المقاعد الأمر الذي يهدد بمزيد من المواجهة بين برلمان الإقليم والحكومة الأسبانية المركزية.
وكانت مدريد قد جردت إقليم كتالونيا من الحكم الذاتي ودعت لإجراء الانتخابات المبكرة بعد إعلانها عدم شرعية استفتاء الاستقلال الذي جرى في الإقليم في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
تقدم اليمن المتطرف في اوروبا
العام 2017 كان “عام الانتخابات في أوروبا”. نتائج الأخيرة أكدت أن منطقة اليورو تعيش حالة غير صحيّة ترجمها تقدم اليمين المتطرف بصورة غير مسبوقة منذ 1949 أي بعد الحرب العالمية الثانية. ففي فرنسا ورغم خسارة مرشحة الجبهة الوطنية “اليمين المتطرف” مارين لوبن للإنتخابات الرئاسية، الا انها وصلت للمرحلة الثانية والنهائية، كما ان حزبها حقق تقدما ملحوظا في الانتخابات المناطقية. وهذا ايضا ما شهدته المانيا بعد نجاح حزب البديل “اليمين المتطرف” بالوصول الى البرلمان للمرة الاولى في تاريخيه، وهو الذي يرفع الخطاب الرافض للاجئين والمتحفظ تجاه الوحدة الاوروبية. الامر ذاته عاشته هولندا هذا العام والتي سجلت تقدم اليمين المتطرف “حزب الحرية” وحلوله ثانيا رفقة ثلاثة أحزاب أخرى حصلت على 15 مقعدا داخل البرلمان الهولندي.
إذاً الشارع الأوروبي بات متخوفاً من تنامي الهجمات الارهابية المتنقلة في مدنه من جسر وستمنستر في لندن الى جادة الشانزلزيه بالعاصمة الفرنسية باريس، الى محطة بروكسل المركزية ومدينة برشلونة الاسبانية.
الى جانب حركة اللاجئين واعدادهم الكبيرة التي تستمر بالوصول الى دول اوروبا الغربية عبر البر والبحر، والتي ترى فيها جهات أوروبية خطرا على هويّة الإتحاد، كما انها تشكل عبئا كبيرا على الاقتصاد الذي يعاني أصلا من صعوبات تتمثل بأزمات اليونان واسبانيا والبرتغال. ويطالب هذا الشارع حكوماته بتغيير سياساته الخارجية والعودة الى الداخل لحل الملفات “المعيشية” داخل الاتحاد.
الروهينغا
في 25 آب/أغسطس 2017 شن أعضاء “جيش إنقاذ الروهينغا في أراكان” هجمات جديدة على مراكز للشرطة في راخين، ما أسفر عن اندلاع موجة عنف جديدة نفذها الجيش، وتشتبه الأمم المتحدة في أن الجيش البورمي قد يكون ارتكب انتهاكات ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية خلال تصديه للهجمات التي استهدفته.
وقد انتشرت مئات الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، لأعمال العنف والقمع التي تتعرض إليها هذه الأقلية المسلمة، ما أثار صدمة وموجة تعاطف كبيرة نحوهم، خاصة في الدول المسلمة.
وفر نحو 655 الفا من أقلية الروهينغا المسلمة من ولاية راخين في بورما إلى بنغلادش المجاورة منذ آب/أغسطس الماضي بسبب عمليات عسكرية قالت الأمم المتحدة إنها ترقى إلى “التطهير العرقي”، ويشكل الأطفال نحو نصف هؤلاء اللاجئين.
المصدر: موقع المنار
Views: 1