باحث علاقات دولية ومختصص بالشأن التركي
لم يخطر على بال أحد أن هذه الإمبراطورية ليست النموذج المثالي الذي يجب أن يتغنّى به الإسلاميون في العالم، وقبل ذلك في تركيا التي يجهل البعض من أهلها حقائق هذه الإمبراطورية التي لا يختلف تاريخها السيّئ عن تاريخ مُعظم الإمبراطوريات المُندَثِرة في العالم، والتي لا تتغنّى عادة شعوبها بأمجادها كما هي الحال بالنسبة إلى الإسلاميين الأتراك.
ينقل التاريخ لنا قصص العديد من الحضارات التي عاشت ثم اندثرت بشكلٍ أو بآخر، كما هي الحال بالنسبة للإمبراطورية العثمانية التي حكمت المنطقة العربية نحو 400 عام بذكرياتها السيّئة بالنسبة إلى الكثير من أبنائها بل وحتى البعض من الأتراك.
أراد حُكم “العدالة والتنمية” بعد 2002 أن يُحيي ذكريات هذه الإمبراطورية التي أقام مصطفى كمال أتاتورك على أنقاضها الجمهورية التركية العلمانية، فاتّهمه الإسلاميون العرب “بمُعاداة الإسلام لأنه غيَّر الأحرف العربية وألغى الخلافة والسلطنة العثمانية”، من دون أن يعلموا أن نسبة الأميّة كانت 97% والعربية لم تكن لغة الشعب أو الدولة التي كانت تستخدم العثمانية، وهي خليط عجيب من المُفردات العربية والفارسية والتركية وبأحرفٍ عربيةٍ لا يمكن لأيّ عربي أن يقرأها أو يفهمها.
وجاء قادة “العدالة والتنمية” أو “العثمانيون الجُدُد” ليتغنّوا بأمجاد إمبراطوريتهم “العثمانية التركية الإسلامية” بعد أن “بايَع” الإسلاميون العرب أردوغان بصفته الزعيم الإسلامي الجديد، وقالوا عنه “إنه يسعى إلى إحياء الخلافة العثمانية” التي من خلالها أقنع أردوغان الإسلاميين في المنطقة “بأنها ستكون حصنهم المنيع الذي سيحميهم من مخاطر الصليبيين واليهود والمُرتدّين الكفّار”.
لهذا تمّت تسمية بعض الفصائل التركمانية السورية المُسلّحة بمُسمَّيات مثل “السلطان مراد” و”عبد الحميد” و”نور الدين الزنكي” وآخرين.
ولم يخطر على بال أحد أن هذه الإمبراطورية ليست النموذج المثالي الذي يجب أن يتغنّى به الإسلاميون في العالم، وقبل ذلك في تركيا التي يجهل البعض من أهلها حقائق هذه الإمبراطورية التي لا يختلف تاريخها السيّئ عن تاريخ معظم الإمبراطوريات المُندَثِرة في العالم والتي لا تتغنّى عادة شعوبها بأمجادها كما هي الحال بالنسبة للإسلاميين الأتراك.
كانوا يريدون أن يسوّقوا “تاريخهم” للآخرين وكأنه أبيض ساطع وهو ليس كذلك أبداً، بدليل العداء الكبير بين أردوغان و”مُنظّر” العثمانية الجديدة أحمد داود أوغلو. هذا إذا تجاهلنا الحرب الدموية بين أردوغان و”العثماني الأميركي” فتح الله غولان.
بدأ عثمان بك الذي أسَّس الدولة العثمانية عام 1299 حُكمه بقتل عمّه دوندار بك خنقاً بيديه. وجاء مراد الأول ليقتل شقيقه خليل حتى يصبح هو السلطان، ثم قتل شقيقه الآخر مصطفى بعد أن تولّى العرش فكوى عيون إخوانه الآخرين فعماهم جميعاً ليشفي غليله بقتل إبنه.
وجاء الشاب محمّد الذي فتح إستانبول عام 1453 ليفتي “بحقّانية قتل مَن يشاء من أجل بقاء الدولة واستمراريتها”، فقتل شقيقه الصغير وعُمره عدّة أشهر. ولحق به السلطان بيازيد الثاني فأثبت مهارته وقتل أشقاءه العشرة، وأمَرَ بخنق الأولاد الأربعة لشقيقه جام الذي هرب إلى روما فأرسل مَن يُسمّمه هناك.
وجاء السلطان سليم الذي دخل المنطقة العربية بعد معركة مرج دابق في 24 آب 1516 ليصبح الخليفة العثماني الأول على المسلمين. وهو يُعدّ الأكثر مهارة وجدارة في هذا المجال، حيث قتل جميع إخوانه وأخواته ثم أمر بقتل أولاد عمّه الخمسة.
وفور اعتلائه العرش أمر بقتل نجله مصطفى وأرسل رجاله خلف نجله الثاني بيازيد الذي هرب إلى إيران، فقتلوه هناك فيما قتل هو أولاد بيازيد الأربعة.
أما مراد الثالث فقتل أشقاءه الخمسة ليحلّ محلّه نجله الشهير أحمد الثالث الذي قتل في اليوم الذي دفن فيه والده جميع أشقائه وعددهم 19، ومن دون أن يكتفي بذلك أمر بعد أيام بخنق ولده وهو في نومه.
لم يكن السلاطين الآخرون أقل صيتاً في القتل كما يوضح المسلسل التركي “حريم السلطان”، فقد قطَّع مصطفى الرابع أخيه سليم الثالث إرباً إرباً. وقتل محمود الثاني شقيقه مراد الرابع بالسم قبل أن يقتل زوجته وجميع أولاده، لتكون والدته آخر ضحية في مسلسل القتل الإجرامي الذي استمر حتى أواخر حُكم السلاطين وعددهم 36 سلطاناً.
ومن دون أن تقتصر عملية القتل، التي تتم بالخنق عادة، على أفراد العائلة فقد أمر السلاطين بقطع رؤوس 44 رئيساً للوزراء (بالعثمانية: وزيزي أعظم) وأكثر من 76 وزيراً وثلاثة من شيوخ الإسلام أي مفتون عامون.
وجاء خلاف المؤرّخين حول التعريف الصحيح “للعرق التركي” ليُثير نقاشاً حول السجل الأسوأ للعائلة العثمانية، وذلك بسبب زواج السلاطين، باستثناء الأول والثاني من نساء غير مسلمات ومعظمهن روسيات وبلغاريات وروميات ويونانيات وفرنسيات وإيطاليات وصربيات ويهوديات أنجبن السلاطين ليقضين على “صفاء” العرق التركي!
الغريب في الموضوع أن التاريخ العثماني تغنّى بأمجاد هذه النساء اللواتي أسلمن واشتهرن جميعاً بأسماء تركية، وكأن الأسماء تكفي لتمجيد السلطنة والخلافة العثمانية بكل مساوئها التي يبدو أنها لم تكن مهمة بالنسبة إلى عشّاقها بعد أن سعى أردوغان لإحياء ذكرياتها مع “الربيع العربي”، فصدّقه “الإسلاميون العرب” لاسيما في بلاد الشام وهم لا يدرون أيّ إسلام كان عليه السلاطين أي الخلفاء العثمانيين الذين لم يحج أيّ منهم إلى بيت الله الحرام بل كانّوا منشغلين بقضايا أهم!
الميادين
Visits: 0