محمد الماغوط مكرماً في معرض سورية الدولي السادس عشر للكاريكاتور

الأديب الراحل محمد الماغوط الذي كان حاضراً كل يوم مر على السوريين طوال السنوات الثماني الماضية، وفي كل تفصيل من حياتهم المعيشية والسياسية كان رمزاً صافياً لوطن بلا غيوم، تبددها شمس الضحكات الساخرة التي انتقلت بالعدوى الجميلة إلى روح الشعب السوري وتغلغلت فيها حتى صار يأخذ الحروب والأزمات الاقتصادية والأوبئة بروح الدعابة والسخرية.
حلّ الماغوط مؤخراً ضيفاً على معرض سورية الدولي السادس عشر للكاريكاتور في صالة المعارض في دار أوبرا دمشق، بمشاركة 71 دولة نذكر منها: «ايران، روسيا، الصين، الهند، البرازيل، أندونيسيا، رومانيا، كرواتيا، وسورية» وبتحكيم اللجنة السورية: الموسيقار رعد خلف، والإعلامية سلوى عباس والفنان رائد خليل، والفنان إسماعيل نصرة، والدكتور ماهر الخولي، والفنان موفق مخول، والدكتور حسن إسماعيل، والناقد أمير سماوي.
اللوحات الكاريكاتورية تنافست على وجه الأديب الراحل محمد الماغوط بطريقة سلسة وذكية لا تخلو من الكوميديا، مقدمةً إياه كرمز سوري وطني ثقافي ثابت لا يحيد، وتقاربت الأعمال في الرسم الكاريكاتوري للوجه المميز حاملاً بين أصابعه القلم سيجاراً، ومعتمراً الكتب شَعراً فوق رأسه المثقل بالإبداع، وقد تقاسمت إيران الجائزتين الأولى والثانية للفنانين «بيام وافاتبار» و«محمد خوبان» بينما ذهبت الجائزة الثالثة إلى البيرو وكانت من نصيب الفنان «عمر فيلاردي».
المعرض استخلص مسيرة الراحل الأدبية برموز فكرية وثقافية حامت حول الراحل دخاناً صاعداً من سيجارته المشهورة، وبدت متشابهة في معظمها، خصوصاً فيما يخصّ اللوحات الثلاث الفائزة، كما ذهبت الجائزة الخاصة لـ«هانغ جينغ يو» من الصين ولـ«جيونجي ميرو» من مقدونيا، بينما اختارت الفنانة «ماريان افراميكو» من رومانيا تقديم لوحتها الناقدة لمسألة التربية المدرسيّة حيث رفع طفل صغير رايةَ ابتسامة ملصقاً إياها على وجه معلمه الصارم الذي اعتلته الدهشة، كما قدمت اللجنة المحكّمة الجائزة الخاصة لـ«مجمر مهاتوف» من كرواتيا عن لوحته التي تصور الموظفين كدجاجات بيّاضة بانتظار أوامر المدير «الديك»، وقدم الفنان السوري رائد خليل لوحة ألبس فيها وجهاً آدمياً بملامح مبتسمة غير واقعية للروبوت الآلي الذي بدأ يحتل الوظائف الآدمية واحدةً تلوى الأخرى منذراً البشرية من الخطر الإلكتروني القادم. كذلك ذهبت الجوائز التقديرية لعدد من اللوحات المعروضة، منها لوحتان للماغوط بريشة «ستيلا بيرالتا» من كولومبيا و«شين شينغ يو» من الصين، وتتطايرت صفحات الكتاب الذي يشكل بمعظمه رأس الأديب الراحل في لوحة الفنان السوري وسام جمول، بينما اختار الفنان «بيام خليلي» من إيران أن يتناول الحالة الإنسانية لعامل بسيط يرسم الابتسامات على وجوه مصنّعة في معمل، من دون أن يملكها فوق وجهه.
«أوليغ غوتسول» من أوكرانيا قدمت بدورها المحاربين الرومانيين بصورة ساخرة، متناولةً آثار الحرب على النفوس البشرية، فرغم عدم ارتداء أحد الجنود قبعته، إلا أن رأسه تشكّل على شكل هذه الخوذة الحربيّة وأصبحت جزءاً من كيانه، بينما قدم الفنان السوري «محمد علالي» شخصية ترمز للهمجيّة الأمريكية وهي تصنع أشكالاً مختلفة من رؤوس الإرهاب وتركّبها على أجساد مجنّدة لتحقيق أهدافها ونال عليها جائزة تقديرية أيضاً.
الفنان «حيدر الياسري» من الولايات المتحدة الأمريكية رسم الماغوط في لوحته وهو يرشح رموزاً ثقافية كالقلم والمحبرة والأوراق المبعثرة والسيجارة الرمز، حاملاً فوق صدره علم وطنه السوري قلباً فوق قلب.
وفي لوحة «عدي دهرما» من أندونيسيا ظهر الأديب المكرّم وهو يكتب الحرب ويدخن السلام منشداً الأخير بكل ما أوتي من فكرٍ وابداع، وهو العصفور الأحدب في لوحة الفنان «مرهف يوسف» من سورية، ورائد الشعر المعاصر في لوحة «وينغ ليفينغ» من الصين، نظاراته تعكس النجمتين الخضر في لوحة «دامير نوفاك» من كرواتيا، وهو فارس المسرح السوري الشجاع في لوحة «دينالدو دو مورا» من البرازيل.
تطرقت لوحات «كاريكاتورية» أخرى في المعرض إلى رمز الشر الحديث «ترامب» الذي ظهر في لوحة «جيتيت كوستانا» من أندونيسيا وهو يحاول لف شعره الأصفر بشعلة الديمقراطية، بينما لجمَه -أي ترامب- الفنان «ايفايلو تفيتكوف» من بلغاريا، بلجام حصان مقدماً خدمة للإنسانية بإيجاد طريقة لإسكاته وردعه عن ثرثرته الوبائية، وشبه الفنان «جوسيمار فيلاردي» من البيرو رأس ترامب بالمرحاض المفتوح، وحوّله «فيتو فانيس» من البرازيل إلى عصفور مغرّد بشكل كوميدي مضحك، وأطلقت يده الآثمة -التي حولها إلى مسدس- النار على وجهه بالخطأ مرعبة حمامة السلام التي فرت هاربةً من جنونه في لوحة الفنان «خان كاتيش جاخولا» من الهند، كما خطته ريشة «شهرام شيرازي» من إيران بطريقة كوميدية وقد رمى تمثال الحرية أرضاً وانتعل فيله النازي فوق مدفع، وهو يحمل مشعل الحرية واعداً بإحراق الدول التي تقف في وجه نشره الهمجي «للديمقراطية»، وظهر شعرَه امتداداً لذيل الثعلب في لوحة «أبو الغصن طهرانيان» من إيران، بينما ظهر الرئيس الأمريكي من تحت القناع الذي يمثّل وجه هتلر النازي في لوحة «ويلبر سينتينو».
وتناولت لوحات أخرى في المعرض عبودية الناس لوسائل التواصل الاجتماعي وانقيادهم الأعمى خلفها، ورؤية الناس للعالم بمنظار «الفيس بوك» والعلاقات الإنسانية المشوبة بالمصلحة التي يحكمها المال، كما ارتدت السحلية قناع إنسان وارتدى الإنسان قناع سحلية حول إحدى طاولات الاتفاقات الدبلوماسية، وظهر الوجه الحقيقي لكثير من وسائل الإعلام الغربية والعربية وهي تدعم الإرهاب وتبرره وتُقنّعه بالإنسانية في لوحة «غوران سيليكانيان» من صربيا، إلى جانب مواضيع أخرى كتقييد حريّة المرأة وهموم المسرح المعاصر، وحقوق الإنسان، والعدالة العمياء، والفساد والكذب والمراوغة والاختلاس والمصارحة على شكل مصارعة، إلى جانب تقديم عدد من الشخصيات العالمية المشهورة من علماء وأدباء وموسيقيين.
ومجدداً يبهرنا الكاريكاتير المحلي والعالمي على بساطة رسمه وتقنياته التي استخدمت الحاسوب في معظمها، بطريقته السلسة الذكية والنافذة إلى القلب قبل العقل لإيصال فكرته على اختلاف مواضيعها، والتي قد تعجز مقالات طوال عن إقناعنا بها، ليتحول الكاريكاتور إلى فن ذي قيمة ثقافية عالية تثبت وجودها كفرع من فروع الفن التشكيلي، ودورها كوسيلة إعلامية مهمة لتكريم الخالدين وإحياء ذكراهم في المعارض السنوية.

Visits: 0

ADVERTISEMENT

ذات صلة ، مقالات

التالي

من منشوراتنا

آخر ما نشرنا