ما هي مغامرة إردوغان التالية بعد فشله في شرق المتوسط ​​والقوقاز؟

الكاتب: جانكيز تشاندر
المصدر: المونيتور

رغم أن دبلوماسية تركيا في شرق المتوسط قد ​​انتهت بالفشل، فإن مشاركة أنقرة المباشرة في نزاع جنوب القوقاز وقرارها اختبار صواريخ “أس – 400″يظهران إصرار إردوغان على سياسة خارجية مغامرة.

كتب الصحافي والمحلل السياسي التركي المعروف جنكيز تشاندر مقالة في موقع “المونيتور” الأميركي قال فيه إن تورط تركيا في نزاع جنوب القوقاز وقرارها اختبار نظام صواريخ “أس – 400” الروسية يظهران أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يواصل الشروع في مغامرات جديدة على الرغم من فشله الأخير في شرق البحر المتوسط.

فخلال زيارته إلى قطر، الحليف العربي الشديد لتركيا وربما الوحيد في 8 تشرين الأول / أكتوبر، أجرى أردوغان مقابلة مع صحيفة The Peninsula اليومية القطرية، قال فيها “إن قضية بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط ​​هي قضية لن تتراجع تركيا عنها أبداً. … أولئك الذين يرون تصميمنا في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​ويدركون أنهم لا يستطيعون جعل بلادنا تتراجع بتهديدات فارغة وابتزاز قد استجابوا في النهاية لدعواتنا للحوار. ومع ذلك، فقد أبقينا القنوات الدبلوماسية مفتوحة منذ البداية”.

وبعد يوم واحد، التقى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو نظيره اليوناني نيكوس ديندياس وأعلن أن تركيا واليونان اتفقتا على بدء محادثات استكشافية لحل القضايا العالقة.

ورأى تشاندر أنه يمكن لأي شخص ليس لديه الكثير من المعرفة بالتطورات الأخيرة، أن يصل بسهولة، من خلال الاستماع إلى أردوغان ووزير خارجيته، إلى استنتاج مفاده أن سياسة تركيا العدوانية في شرق البحر المتوسط قد ​​حققت هدفها الرئيسي: جلب اليونان إلى طاولة المفاوضات. ومع ذلك، على الرغم من محاولة أردوغان رسم صورة للنجاح، فإن مناورته في شرق البحر المتوسط ​​انتهت بالفشل، وقد تراجع عندما أدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في دبلوماسيته الزوارق الحربية وتهديد تركيا بفرض عقوبات محتملة من الاتحاد الأوروبي.

وقال الكاتب إن تحرك أردوغان في شرق البحر المتوسط ​​مستوحى من عقيدة “الوطن الأزرق” التوسعية التي صممها مسؤولون بحريون سابقون متطرفون مناهضون للغرب، وإنه يمكن اعتبار الوضع الحالي بمثابة ضربة كبيرة لسياسة تركيا الخارجية.

وكان تشاندر قد قال، في مقالة سابقة له في “المونيتور” حول موقف تركيا العدائي في صراع شرق البحر المتوسط، إن “قرار أردوغان سحب السفينة التركية من منطقة النزاع قد يمثل فترة راحة حتى نهاية قمة الاتحاد الأوروبي المقبلة في محاولة للمراوغة لتجنب عقوبات الاتحاد الأوروبي المحتملة التي يمكن أن تلحق المزيد من الضرر بالاقتصاد التركي، لكنه قد يعيد إحياء سياسته العدائية في شرق البحر المتوسط​​”.

قدمت قمة الاتحاد الأوروبي في 1 تشرين الأول / أكتوبر جزرة مشروطة لتركيا. فقد تجنبت أنقرة العقوبات – ربما بفضل جهود ألمانيا – بشرط أن توقف تركيا “أعمالها غير القانونية” و”تصريحاتها الاستفزازية” فيما يتعلق بنزاع شرق البحر المتوسط. وجاء في توصيات القمة: “يكرر المجلس الأوروبي تضامنه الكامل مع اليونان وقبرص، اللتين يجب احترام سيادتهما وحقوقهما السيادية”.

لقد نجحت استراتيجية الاتحاد الأوروبي إذ تراجعت تركيا عن المواجهة في شرق البحر المتوسط، معلنة استعدادها لبدء مفاوضات مع اليونان من دون أي شروط. حتى أن إردوغان أجرى محادثة هاتفية طويلة مع ماكرون قبل اجتماع المجلس، بعد أيام فقط من هجومه اللفظي على الرئيس الفرنسي.

وأفادت وسائل إعلام فرنسية أن إردوغان طلب من ماكرون، بحسب ما ورد، التخلي عن معارضة باريس لشراء تركيا لأنظمة صواريخ “يوروسام سامب –تي” Eurosam SAMP / T الجوية، لكن ماكرون رفض طلبه.

وليس من المبالغة القول إن عدوانية إردوغان في صراع شرق البحر المتوسط ​​قد أصابت جدار الاتحاد الأوروبي وأن سياسة حافة الهاوية التي انتهجها انتهت بالفشل. ولا يمكن للصياغة المدروسة لبيان الاتحاد الأوروبي الصادر بعد قمة الأول من تشرين الأول / أكتوبر ولا بدء المحادثات التركية اليونانية أن يخفيا ذلك.

وكشف تقرير تركيا الذي نشرته المفوضية الأوروبية في 6 تشرين الأول / أكتوبر عن تعميق عدم ثقة الاتحاد الأوروبي تجاه تركيا. وأوضح التقرير أنه طالما ظلت تركيا دولة أوتوقراطية قومية في ظل حكم إردوغان ذي القبضة الحديدية، فإن عملية عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي ستظل حلماً كاذباً.

وفيما يتعلق بشرق البحر الأبيض المتوسط، كرر التقرير أن “للاتحاد الأوروبي مصلحة إستراتيجية في بيئة مستقرة وآمنة في شرق البحر المتوسط”. وشدد على الفجوة مع تركيا في هذا الصدد كما يلي: “تتصادم السياسة الخارجية التركية بشكل متزايد مع أولويات الاتحاد الأوروبي في إطار السياسة الخارجية والأمنية المشتركة. فقد ازدادت التوترات في منطقة شرق البحر المتوسط ​​بشكل أكبر في الفترة المشمولة بالتقرير نتيجة للإجراءات غير القانونية والتصريحات الاستفزازية التركية”.

كما أشار التقرير إلى أن الاتحاد الأوروبي لا ولن يعترف بمعاهدة ترسيم الحدود البحرية التركية مع ليبيا، والتي كانت الركيزة الأساسية لعقيدة “الوطن الأزرق” لتركيا.

وأضاف التقرير: “أدى توقيع مذكرة تفاهم ثنائية بشأن ترسيم حدود مناطق الاختصاص البحري بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني الليبية في تشرين الثاني / نوفمبر 2019 إلى زيادة التوترات في شرق البحر المتوسط، حيث تجاهل الحقوق السيادية لجزر اليونان في المنطقة المعنية. كانت هناك زيادة حادة في الأعمال الاستفزازية من قبل تركيا تجاه اليونان”.

وأخيراً، كرر التقرير الأوروبي التهديد بفرض عقوبات، وقال: “شدد المجلس الأوروبي كذلك على أنه في حالة تجدد الإجراءات الأحادية الجانب أو الاستفزازات التي تنتهك القانون الدولي، فإن الاتحاد الأوروبي سيستخدم جميع الأدوات والخيارات المتاحة له للدفاع عن مصالحه ومصالح الدول الأعضاء فيه”.

وقال تشاندر إن المواجهة في شرق البحر المتوسط توضح حدود قوة أردوغان. فعندما واجهه الاتحاد الأوروبي بجدية، تراجع إردوغان في غياب الدعم الأميركي الذي تشتد الحاجة إليه. فقد زار وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أخيراً اليونان وقبرص، لكنه رفض زيارة تركيا. وأظهر ذلك أن إردوغان لا يمكنه الاعتماد على دعم إدارة ترامب في علاقته دائمة الإشكالية مع الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، إذا فاز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية الشهر المقبل، فمن المرجح أن تخسر تركيا دعم الولايات المتحدة تماماً.

ومع ذلك، فإن فشل إردوغان في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​لم يمنعه من تعزيز سياسة تركيا الخارجية الحازمة في منطقة أخرى، هي جنوب القوقاز. كانت تركيا اللاعب الدولي الوحيد الذي شارك عسكرياً في الاشتباكات بين أذربيجان وأرمينيا حول منطقة ناغورني كاراباخ المتنازع عليها.

وبالنسبة لخبير الشؤون العسكرية الروسي الشهير كونستانتين سيفكوف، فإن مشاركة إردوغان في القتال بعد فشله في شرق البحر المتوسط ​​أمر غير مفهوم. وقال في مقالة على موقع “ريا نوفوستي”: “في الواقع، كان أردوغان هو الذي بدأ الحرب في ناغورنو كاراباخ. لقد خيّم الهدوء لفترة طويلة في هذه المنطقة، ولم يتغير شيء هناك خلال السنوات القليلة الماضية. وفجأة، بدأت الأعمال العدائية. ولأول مرة في تاريخ الصراع، تعارض تركيا في نفس الوقت الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا، بينما تشارك في صراعات عدة في أجزاء مختلفة من العالم في وقت واحد؛ إنه جنون محض وانتحار سياسي”.

وكان سيفكوف يشير إلى تحدي أنقرة لنداء مجموعة مينسك لوقف إطلاق النار، وهي مبادرة دولية من قبل فرنسا وروسيا والولايات المتحدة لتسوية نزاع ناغورنو كاراباخ.

 

في ظل هذه الظروف، ليس من المستغرب أن نرى أن تركيا قررت أيضاً اختبار نظام الدفاع الصاروخي الروسي “أس- 400” مما أثار استياء العالم الغربي. لقد أثار القرار بالفعل غضب أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي وأثار جهوداً من الحزبين لفرض عقوبات على تركيا بموجب قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات.

ويشير قرار تركيا باختبار صواريخ “أس -400” مع استمرار الاشتباكات بين أرمينيا وأذربيجان إلى أن إردوغان سيحاول السعي للحصول على تعاون روسي. ومع ذلك، لا يبدو أن تركيا لديها نفوذ كبير مع مجموعة مينسك، التي كثفت جهود الوساطة بين الجانبين. ولا تزال الجماعة، التي شكك المسؤولون الأتراك في فعاليتها، الوسيط الرئيسي في الصراع.

وخلص الكاتب إلى أن أردوغان بالطبع ليس أقوى من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا. ولكن تركيا، بصفتها دولة أوتوقراطية قومية تحت قيادة إردوغان، بحاجة إلى مغامرات سياسية خارجية عدوانية لصرف انتباه الجمهور عن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة باستمرار. فعندما هدأت التوترات في شرق البحر المتوسط​​، تحولت تركيا إلى القوقاز. وإذا خف تصعيد الموقف في القوقاز، فيجب على المرء الانتباه إلى شمال العراق وسوريا، حيث تمتلك تركيا مساحة أكبر نسبياً للمناورة مقارنة بشرق البحر المتوسط ​​والقوقاز.

ترجمة  : الميادين نت

Visits: 0

ADVERTISEMENT

ذات صلة ، مقالات

التالي

من منشوراتنا

آخر ما نشرنا