طرق حراجية ودعم الإطفاء والمجتمع كفيلة بحماية الغابات

خلال ثلاثة أيام شهدت محافظة طرطوس 84 حريقاً التهمت أكثرمن 12248 دونماً من الأراضي الزراعية وأكثر من 808 هكتارات من الأراضي الحراجية وبعد هذه الخسائر الكبيرة بتنا اليوم أحوج إلى اتخاذ الخطوات السريعة والجادة لحماية ما تبقى من ثروتنا الحراجية والزراعية وإعادة تشجير الأراضي المحروقة وفق خطط منهجية وعلمية مدروسة وللإجابة عن هذين المحورين التقت «تشرين » الدكتور محمود علي أستاذ البيئة وحماية الغابات – قسم الحراج والبيئة في جامعة تشرين.
سألنا الدكتور علي كيف نحمي ما تبقى من غاباتنا فقال:
بداية لا بد من تحديد أسباب الحرائق في كل منطقة وتحليل عناصر هذه الأسباب لنتمكن من وضع العلاج المناسب لتجنب تكرارها في المستقبل، وهنا أعطي مثالاً عن التحريق الزراعي الذي يقوم به المزارع في أواخر الصيف وبداية الخريف وكثيراً ما تنتقل النار إلى الغابات المجاورة وتتسبب بحريق. عناصر هذا المسبب هي: شخص و مواد قابلة للاشتعال (أعشاب و/أو مخلفات تقليم) و أداة اشتعال وإهمال. ولن يحصل حريق إذا استبعدنا أياً من هذه العوامل. لايمكن منع المزارع من العمل في أرضه، وغير وارد منعه من اصطحاب أداة اشتعال، كما أن الوقود القابل للاشتعال هو أمر واقع، إذا بقي لدينا العنصر الرابع و هو الإهمال، علينا العمل عليه بطريقتين، الأولى- وهي الأفضل بيئياً- نعلّم المزارع كيفية إنشاء حفرة في أرضه ويقوم بتخمير مخلفات التقليم والتنظيف فيها، وهكذا يستفاد من الناتج ولايحتاج لإشعال نار، والثانية: أن نثقف المزارع بأهمية الغابة وضرورة الحفاظ عليها، ومخاطر النيران، ونعلّمه كيف ومتى وفي أي مكان يحرق. علينا إقناعه بأن الحرق ممنوع نهائياً عند وجود الرياح، وأن يتم التحريق عند الضرورة في الصباح الباكر أو المغرب عندما تكون الرياح ساكنة والحرارة منخفضة نسبياً، ويجب أن نخبره أن التسبب بحرق ممتلكات الدولة أو الغير «عن قصد أو غير قصد» أمر يعاقب عليه قانون الحراج رقم 6 للعام 2018، كما علينا أن نعلّمه كيفية التعامل مع النار فيما لو خرجت عن المخطط له ومع من يتصل في هذه الحالة. واقترح أن يتم النظر في إمكانية إلزام من يستخدم النار بالقرب من الغابات إبلاغ السلطات الزراعية أو الإدارية التي يتبع لها، كي تكون مشرفة عليه، وهكذا نحميه ونحمي الغابات.
وأضاف :أعطيت هذا المثال ليس لأن التحريق الزراعي هو المشكلة الوحيدة، بل هو سبب من أسباب الحرائق، ويجب التعامل مع بقية الأسباب بالطريقة نفسها ، مثال آخر باختصار، كثيراً ما تتسبب أسلاك الكهرباء المتشابكة مع الأشجار بحرائق، والحل يكون بإبقاء حرم شبكة الكهرباء خالياً من أي مواد قابلة للاشتعال وقطع الأشجار والأغصان الملامسة أو القريبة من الشبكة وذلك كما تنص المادة 16 من قانون الحراج المذكور.
الطرق الحراجية غير كافية
وفي رده على سؤالنا هل يوجد تقصير في شق الطرق الحراجية وما يسمى خطوط النار وما هي منعكساتها؟ قال:ا لطرق الحراجية الموجودة غير كافية والدليل عدم تمكن آليات الإطفاء في الأيام الماضية- وخاصة 9 و 10 تشرين الأول- من الوصول إلى بعض المواقع المشتعلة، و لقد عزا بعض المسؤولين الأمر إلى طبوغرافية المنطقة، لكن طبوغرافية المنطقة موجودة قبل وجودنا جميعاً، وكل سنة التبرير نفسه، و بقناعتي هو تبرير ضعيف، يمكن ويجب شق طرق حراجية إلى كل المواقع بحيث تتمكن آليات الإطفاء من الوصول إليها بيسر، وهذه الطرق تساعد في المستقبل في تخديم الغابات، وليس فقط تسهيل وصول معدات وآليات وفرق الإخماد بالسرعة القصوى، كما أنها تشكل نقطة لمباشرة عمليات الإخماد.
وما يسمى بخطوط النار، فهذه تنشأ بعد حدوث الحريق لفصل الكتل المشتعلة عن غير المشتعلة، يعني لمحاولة عزل النار ضمن بقعة محددة، كما أن عمليات الإخماد تبدأ من هذه الخطوط، وهنا يمكن الاستفادة من الطرق الحراجية الموجودة وتوسيعها في حال حدوث حريق لمنع تجاوزه الطريق/الخط. فخط نار أو طريق بعرض 4-5 أمتار لن يمنع انتقال حريق تاجي عبره وخاصة بوجود رياح، بل يمكن أن يمنع حريقاً سطحياً من الانتقال، وبالحد الأدنى كي يكون الخط فعالاً يجب أن يكون عرضه على الأقل 5،1 ارتفاع تيجان الأشجار عند النضج، يعني إذا كان ارتفاع أشجار موقع ما 10 أمتار، يجب أن يكون عرض خط النار بعرض 15 متراً على الأقل.
ما اصطلح على تسميته خط نار هو في الواقع مصدّ نار، والمصدّ هو حاجز طبيعي أو اصطناعي (بنفس عرض خط النار) ينشأ من أجل وقف أو ضبط حركة النار التي قد تنشب أو لتوفير مكان لانطلاق العمل في مكافحة الحرائق، أما خط النار فينشأ بعد حدوث الحريق للهدف نفسه من المصدّ.

تحديث أسطول الإطفاء والاهتمام برجاله
وقال الدكتور علي: إن عمال الإطفاء قاموا بما عليهم مؤخراً، وربما أكثر لأنهم يعملون في ظروف صعبة وبمعدات قديمة وقليلة قياساً بمساحة الغابات، وقسم كبير من آليات الإطفاء خارج الخدمة وبحاجة إلى صيانة، لكن الحصار منع ذلك.
وإذا كنا نريد أن نكون في المستقبل أكثر فعالية في إخماد الحرائق يجب تحديث أسطول الإطفاء وصيانة الموجود والاهتمام بلباس وطعام عمال الإخماد بشكل أفضل. اللباس الواقي (من الحذاء وصولاً للخوذة والنظارات) يجب أن يؤمن لجميع العمال، دائمين وموسميين، وكذلك الطعام الكافي.
ولابد من النظر في إمكانية بناء أسطول جوي لمكافحة لحرائق، فالحوامات لا تكفي، وهي منخفضة الفعالية في الحرائق عالية الشدة، وامتلاك طائرة إخماد واحدة من شأنه قلب المعادلة أحياناً وإخماد النار في مهدها قبل أن تتوسع وتنفجر وتتسبب بنيران أخرى (نتيجة المخاريط المشتعلة مثلاً والتي تنفجر وتتطاير إلى مسافات تصل حتى الـ 200 م مسببة حرائق جديدة).

معالجة الفقر للتجمعات السكانية المجاورة للغابة
أشار الدكتور علي إلى أنه نظراً لظروف الحصار الذي نتعرض له قد يكون من غير السهل تأمين أسطول جوي للإخماد وتحديث معدات وآليات مكافحة الحرائق، لذلك علينا التركيز على الإجراءات الوقائية من الحرائق، مثل: تنظيف جوانب الطرق وسكك الحديد وحرم المعامل وكافة المنشآت القريبة من الحراج، تنظيف حرم خطوط الكهرباء ومنع التوسع مستقبلاً بالشبكات الهوائية، بل الأرضية، منع الدخول إلى الغابات والمحميات في أوقات الخطورة العالية «مثلاً عند وجود رياح شرقية جافة» ومنع التحريق نهائياً في هذه الظروف، التوسع بالطرق الحراجية ومصدّات النار وتقسيم الكتل الحراجية عالية الخطورة إلى مقاسم وعزلها عن بعضها بعضاً بمصدات نار «اسمها الشائع خطوط نار»، البدء في حملات توعية بمختلف الوسائل والمناطق للحد من حوادث الاشتعال، تحديد سبب كل حريق، وفي حال كان السبب شخص إحالته إلى القضاء وعدم التستر عليه والتأكد من إنزال العقوبة المستحقة به، وتزويد كل مخفر حراجي بجرار ومقطورة للتدخل السريع في منطقة عمله ريثما تصل فرق الإخماد، زيادة عدد فرق الإخماد وتوزيعها بالشكل المناسب خلال فصل الحريق، إعادة ترميم أبراج الحرائق المتضررة بسبب الأعمال الإرهابية والتوسع بها، الاستفادة من تقانات الاستشعار عن بعد للكشف المبكر عن الحرائق لنتمكن من إخمادها قبل أن تتوسع،و زيادة عدد نقاط مناهل المياه وتوزيعها على كامل المواقع الحراجية، معالجة مشكلة التفحيم غير المراقب لأنه يتسبب في بعض الأحيان، وخاصة في حال وجود رياح، بانفجار المفحمة وتسببها بحريق.

أما النقطة الأهم كي نضمن الوقاية من الحرائق فتكمن في معالجة مشكلة الفقر للتجمعات السكانية المجاورة للغابات من خلال إشراكها في إدارة الغابة «النهج التشاركي» مقابل دخل معين من استثمار مواردها بشكل مستدام، الأمر الذي سيدفع السكان لحماية الغابات من كل أنواع التعديات لأن مصلحتهم تستلزم استمراريتها، وبإقامة مشاريع تنموية في تلك المناطق كي تخفف من الضغط على موارد الغابة.
لا ينصح بإدخال أنواع جديدة

وعن إعادة تشجير الغابات المحروقة ومتى يكون البدء وما الأنواع المطلوب زراعتها قال د.علي:
قبل كل شيء، يجب إزالة جميع الجذوع المحروقة بالسرعة الممكنة لأنها ستشكل في المستقبل، إن لم تزل، عاملاً مشجعاً للحرائق وسوف تزيد من حرارته بسبب وجود قطع جافة كبيرة تطلق كميات أكبر من الحرارة ولفترات طويلة، كما أن كفاءة الماء في إخماد النيران فيها تكون ضعيفة جداً نظراً لطبيعة احتراقها، إضافة إلى كونها ستشكل مرتعاً للحشرات والأمراض، وبعد إزالتها يتم الكشف على كل موقع من قبل لجنة فنية لتحديد الحاجة لإعادة التشجير من عدمها.
وبشكل عام لدينا دراسات في مواقع مختلفة من الغابة وصولاً إلى كسب خلصت إلى نتيجة واحدة مفادها؛إن جميع المواقع المحروقة سواء أكانت عريضة الأوراق أو صنوبر بروتي تتجدد بيسر من تلقاء نفسها. كل غاباتنا تقريباً موجودة على سفوح منحدرة، وتحريك التربة لغرض إعادة تشجيرها سيتسبب بإنجرافها بشكل سريع وخاصة أن الأمطار تسقط في منطقتنا على شكل زخات قوية، و لو فقدنا التربة لن يكون بالمقدور إعادة الغطاء النباتي الطبيعي لها بسهولة.
ولا ينصح بإدخال أنواع جديدة أبداً، والأفكار المتداولة والمطالبة باستبدال الغابات هي أفكار «شريرة» و عدوة للبيئة. حيث ينصح بتشجيع عودة الغطاء النباتي الطبيعي وإن لزم الأمر في حالات خاصة جداً تقررها لجان فنية، إغناء بعض المواقع بأنواع مقاومة للحرائق كالخرنوب والقطلب ولكن من دون إدخال آليات ثقيلة للمواقع وتحريك التربة.
إزالة الجذوع المحروقة بداية
وأضاف د . علي: نصيحتي أن نكتفي بإزالة الجذوع المحروقة حالياً وحماية جميع المواقع المحروقة ومراقبة التجدد الطبيعي بدءاً من الربيع الأول، ومتابعته في السنوات القادمة وتحرير البادارات التي غالبا ماتكون مكبوتة تحت الغطاء النباتي الأليف للضوء الذي سرعان ما يغزو المواقع المحروقة بدءاً من بعد أول هطل مطري. فلتوجه الموارد المخصصة لإعادة التشجير لإنشاء طرق ومصدات نار لعزل الكتل الحراجية عن بعضها بعضاً وإجراء عمليات التقليم والتفريد لزيادة مناعة غاباتنا للحرائق، وبشكل خاص إجراء عمليات تنظيف لحرم المنشآت القريبة من الغابات (بالتعاون مع الجهات المسؤولة عنها) وحرم خطوط الكهرباء (بالتعاون من وزارة الكهرباء) ولجوانب جميع الطرق، وإجراء عمليات تفريد وتقليم لصفين من الأشجار على جانبي الطرق بمختلف أشكالها. ولنتذكر دائماً أن جوانب الطرق وحرم المنشآت القريبة من الحراج وحرم خطوط الكهرباء على أنواعها هي مناطق خطورة عالية.

Visits: 0

ADVERTISEMENT

ذات صلة ، مقالات

التالي

من منشوراتنا

آخر ما نشرنا