استطاع عازفو «رباعي العود السوري»: سامي مواس، أنس عودة، فضول سعد، ونوار زهرة، في حفلهم الذي أقيم مؤخراً في المركز الوطني للفنون البصرية أن يجولوا عبر سبع مقطوعات موسيقية على أمزجة وثقافات موسيقية مختلفة، مُخترقين السائد في خيارات الآلة، ومُثبتين أن العود قادر على تبنِّي مختلف الأنماط اللحنية والاستئثار بجمالياتها ولو من زاوية مختلفة، سواء من ناحية خصوصية الصوت أو من جانب تكنيك العزف وحتى التناغم بين أرواح العازفين الأربعة والانسجام المميز بينهم.
البداية كانت مع «سماعي نهوند» لروحي الخماش لنستشف بلاغة أداء الرباعي لمقطوعة تعد قمة من ناحية النسيج اللحني، والتعبير عن المكونات العميقة للذات الإنسانية، انتقل بعدها العازفون إلى فريديريك شوبان من خلال مقطوعة فالس ذات الرقم (op.64 no.2) والملاحظ التأكيد على محاكاة العود للبيانو بأوكتافاته السبعة، إذ اقتربت أماكن العفق إلى أقرب نقطة من القُمْرَة، مع الاحتفاظ بـ«علامات نظيفة» للأصوات العالية، من دون التخلِّي عن جماليات إيقاع الفالس وحيويته، ولاسيما مع إضفاء شاعرية فريدة على العود استدعتها رومانسية الفرنسي «شوبان» وتنويعاته النغمية، إلى جانب تناغم مثالي قدمه العازفون، استمر من خلال «لونغا نكريز» للموسيقي التركي «جميل بيك الطنبوري» التي تعد أنموذجاً مهماً على صعيد الحياكة الموسيقية والسلاسة والتألق في البناء اللحني، سمعناها من رباعي العود السوري بأسلوبية خاصة في التوزيع بتوقيع عازف العود المُبدع محمد عثمان الذي ضَبَط الفضاء الموسيقي لجميع معزوفات الحفل وفق تنويعات جمالية استخدم فيها تشكيلات خاصة للجُمَل الموسيقية تُحقِّق تكاملاً في الأصوات، وانسجاماً بين العازفين الأربعة، وبرز ذلك جلياً في مقطوعة «أداجيو» للمؤلف الموسيقي الأذربيجاني «حاجي خان محمد» ذات الإيقاع المُتَمَهِّل، إذ انجدلت الخطوط اللحنية للأعواد الأربعة مع بعضها، مُشكِّلةً تيارات موسيقية طغت عليها مشاعر الحزن الشفيف، ولاسيما مع طبقات القرار، وقدرة هذا اللحن على رسم صور مختلفة في الأذهان، فهو أقرب إلى مناخ موسيقي خاص من حركة واحدة، قدَّم بعدها الرباعي مقطوعة «بريليود» ذات الرقم «op.23 No.5» لمؤلِّفها الروسي «سيرغيه راخمانينوف» واستطاعوا من خلالها تقديم لمحة بسيطة عما سماه الملحن «سترافنسكي» بـ«الكآبة الروسية» إذ نقلوا سوداوية أجواء تلك المعزوفة من أصلِها على البيانو إلى العود بكامل ألق ذاك اللحن بذروته الوحيدة، مُحقِّقين بذلك مقولة مؤلفها «الموسيقا تكفي مدى الحياة، لكن الحياة لا تكفي للموسيقا»، ليعزفوا بعدها «قرنفل» واصف ادكوزالوف بأجوائها المميزة من ناحية التقنية المختلفة في العزف بما فيها الريشة المقلوبة وتسارع ضرباتها على الأوتار وما إلى هنالك، ليكون ختام الحفل مِسكاً من خلال مقطوعة «العزوبية» من الفلكلور السوري من مقام «نهوند» بكل ما أبرزه رباعي العود السوري من رقة في الأداء يحتاجها هذا المقام في القرار والجواب، ولاسيما مع مرور عابر على حجاز «صل»، فضلاً عن تحويلاته المميزة.
الحفل الذي قُدِّم إلى جانب ما تضمنه من جماليات في العزف والتناغم والأداء كان بمنزلة رحلة في موسيقا مختلفة، عنوانها الأساس أنه لا وطن للموسيقا، ولكن هناك موسيقا لكل الأوطان.
bsnaij@yahoo.com
Views: 2