من غير المتوقع أن تقلص أو حتى تخفف بهجة الاحتفالات بمئوية انتهاء الحرب العالمية الأولى من حدة الخلافات بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزعماء القارة الأوروبية فقد اشتدت المناكفات حول قضايا عديدة ليس أقلها انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني ورفض الاتحاد الأوروبي الخروج منه ولا انسحابات كثيرة أخرى مثل اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة اليونسكو واتفاقية التجارة الحرة والإعلان عن الانسحاب من اتفاقية الصواريخ مع موسكو التي يهدد إلغاؤها مباشرة الدول الأوروبية.
وقبل أن تبدأ مراسم الاحتفال بالمئوية المذكورة وفي الطائرة التي أقلته إلى باريس أطلق ترامب تغريدة على موقع «تويتر» يسخر فيها من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول تصريحه بإنشاء جيش أوروبي للدفاع عن أوروبا من الولايات المتحدة وروسيا والصين، ووصفه بأنه «مهين للغاية» وأضاف: «ربما يتعين على أوروبا أولاً أن تدفع نصيبها العادل في حلف «ناتو»، الذي تدعمه الولايات المتحدة بشكل كبير», علماً أن ماكرون يعتبر أقرب زعيم أوروبي إلى ترامب وكان يضرب المثل بقوة صداقتهما.
الاستخفاف بأوروبا ومكانتها ليس جديداً على المسؤولين الأمريكيين فهم يتبارون على وصف القارة الأوروبية بالقارة العجوز كلما رفض بعض حكامها إطاعة الأوامر الأمريكية والانجرار وراء سياسة واشنطن بشكل أعمى, ونذكر هنا كيف مارس دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق كل أنواع التحقير للدول الأوروبية وجيوشها عندما امتنع معظمها عن الاشتراك في الغزو الأمريكي للعراق ولاسيما فرنسا آنذاك, ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض لم يترك ترامب مناسبة إلا ويذكر فيها الحكومات الأوروبية بدفع ثمن حماية أمريكا عسكرياً لها ويطالبها بتسديد المزيد من المبالغ لميزانية حلف شمال الأطلسي من أجل الحماية.
لقد جن جنون ترامب عندما سمع أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد اقترح إنشاء «جيش أوروبي شامل» مستقل عن الولايات المتحدة الأميركية، بما في ذلك قوة حماية الأمن السيبراني حيث قال: أوروبا تواجه في الوقت الحاضر العديد من المحاولات للتدخل في عملياتها الديمقراطية الداخلية والفضاء السيبراني وسبب هياج ترامب وغضبه أن مثل هذا الاقتراح يمكن في حال تنفيذه أن يخرج أوروبا من تحت القبضة الأمريكية ويجعلها تمتلك قرارها المستقل. ربما من المبكر أن نتصور أن حكومات الاتحاد الأوروبي يمكن أن تغرد خارج السرب الأمريكي وهي التي مازالت منخرطة كلياً بالنفاق والتأييد للمشروعات الإرهابية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية لكن كسر سورية وحلفائها لهذه المشروعات غير المعادلات وشجع على ظهور الأصوات الأوروبية وغير الأوروبية المنادية بالابتعاد عن السياسات الأمريكية الغاشمة والفاشلة.
Views: 5