يبدو أنّ اليأس أكل منا وشبع لدرجة ما عدنا قادرين على الاستمرار بمعركتنا الثّقافية «إلّا ماندر»، وما عادت معرفة عدوّنا تهمّنا إلّا السّياسة والعسكرية منها -وهذه لها ناسها-، لكن ماذا عن الثقافية منها؟ ماذا عن الأدب الذي يجنّده العدو لقلب الحقائق وتزوير التاريخ ويحاربنا به في كل المحافل الثقافية حتى استطاع الوصول إلى جائزة نوبل للآداب أكثر من مرّة في حين بقي العرب يتحسّرون عليها ويكتفون بالتشكيك بمصداقيتها فقط.
يستذكر الجميع ماقاله الشهيد غسان كنفاني عن أدب الحرب الصهيوني: لن يكون من المبالغة أن نسجّل هاهنا أنّ الصهيونية الأدبية سبقت الصهيونية السّياسية، ويذكر الكاتب شمس الدّين العجلاني أنّ العرب بعد عام 1967 بدؤوا يدركون قيمة الوثيقة الأدبية فظهرت دراسات لكشف وتعرية ما اصطلح على تسميته الأدب الصهيوني، وزاد اهتمامهم به بعد حرب تشرين التّحريرية، لكن هذا الاهتمام تراجع اليوم ويكاد يكون معدوماً ليس من قبل الأدباء فحسب، بل من قبل المهتمين والمسؤولين عن الشأن الثقافي أيضاً، إذ إنّ «أدب الحرب الصّهيوني»عنوان لم يجذب الكثير من وسائل الإعلام ولم يلق التّرحيب لدى البعض بل ذهب هؤلاء إلى إطلاق أحكام مطلقة عن الجديد الذي يمكن أن تقدّمه ندوة كهذه، مع العلم أنّ هذا الموضوع لم يطرح سابقاً في المراكز الثقافية ولا في الملتقيات والمهرجانات الخاصّة والعامّة.
تفاصيل كثيرة طرحها العجلاني خلال الندوة التي أقامها في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة عن أدب الحرب الصهيوني ودعّمها بأمثلة حية من هذه التجربة الفريدة من نوعها في التاريخ، يقول العجلاني: الأدب بصورة عامّة هو الوسيلة التي يستخدمها الشّاعر أو القاص أو الروائي لتنوير وتغيير الحياة نحو الأفضل ملتمساً لذلك القيم الإنسانية النبيلة، في حين نجد أن ما اصطلح على تسميته الأدب الصهيوني يسير على نقيض معاكس لاتجاه الأدب لدى كل الشعوب والأمم في العالم، إنّه ليس أدباً إنسانياً بمعنى انتمائه الطبيعي والحر لتاريخ الأدب في العالم.
وكيف لايكون كذلك وجلّ من يكتبه -إن لم يكن كل- مرتزقة لهم تاريخهم الدموي في كيان العدو الصهيوني، يقول العجلاني: الأديب «هازى لابين» يعدّ من العناصر الرئيسة في المنظمة الإرهابية «البالماخ» وشارك في عمليات إرهابية ضد العرب خلال عام 1984 وعهد إليه لاحقاً مهمة تجنيد الجواسيس في البلاد العربية، كذلك الحال بالنسبة للشاعر «شراجا أغافني» والروائي الصهيوني «يزهار سميلانسكي».
شروط مسبقة يضعها هذا «الأدب» وتجعله ضمن دائرة محددة، يبين العجلاني أنه أدب متعصب متصلب في عدوانيته وعنصريته وهو ظاهرة لها صفاتها العرقية المعادية للقيم الإنسانية والتاريخ، ويقوم بجميع أشكاله ومستوياته بأكبر عملية تضليل وتزوير للإنسانية لابتغائه هدفين: الأول تعبئة المستوطنين الصهاينة بمشاعر الحقد والكراهية لغير الصهاينة وبخاصة العرب والدعوة لاحتلال المزيد من الأراضي العربية، أما الهدف الثاني فهو تزوير الحقائق ونشر الأضاليل، ويستشهد العجلاني هنا بالكذب الذي كتبه «المفكر» الصهيوني «إفرام تاري» عن مجزرة دير ياسين التي ذهب ضحيتها عشرات الأبرياء من الأطفال والنساء العرب العزل، يقول «تاري» :إن مرتكبيها لم يكونوا مدفوعين باعتبارات مهنية أو سياسية بل كانوا يبحثون عن عدد من الجنود العرب الذين اغتصبوا مجموعة من النساء اليهوديات في القدس، بينما يؤكد الإرهابي «مناحيم بيغن» في مذكراته أنه تم التخطيط لهذه المجزرة البشعة بمعرفة المنظمة الإرهابية «الأراغون».
يتوجّه أدب الحرب الصهيوني المضلل إلى الصّغير قبل الكبير، والمثال الذي قدمه العجلاني هنا مقالة كتبتها «تامار مازور» ونشرتها صحيفة «هآرتس» الصهيونية عام 1974 وفيها تحدد مهمة أدب الطفل الصهيوني بتصوير الأطفال اليهود بأنهم أطفال جبابرة عظماء لايقهرون، ويهزمون العرب الأغبياء بسهولة، كذلك يصوّر الكاتب الصهيوني «يوري ايفاتزفي» في قصته «الأمير والقمر» العرب لصوصاً ومجرمين سرقوا القمر وجعلوا أرض «إسرائيل» ظلماء لا لسبب بل لكي يعلقوه على جدران منازلهم للزينة فقط.
وعلى خلاف كل أدباء العالم وشعرائه، فإنّ الأديب الصهيوني مجند لخدمة أهداف الحركة الصهيونية العنصرية، ويمثل تكريس احتلال فلسطين العربية والدعوى لاحتلال المزيد من الأراضي الوظيفة الأولى والأكثر أهمية له، وهنا يستشهد العجلاني بما قاله الشاعر الصهيوني «رافي دان»: صوبوا بنادقكم تجاه الشرق، وما أكده الشاعر الصهيوني «مناحيم بياليك» بشأن أنّ الحرب هي هدف ومبدأ بل هي «رب الصهيونية»، يضيف العجلاني: جاء على لسان أحد أبطال قصة للصهيونية «يائل دايان»: لقد أصبح القتل عنده وظيفة، كان كلما رأى سفك الدماء وتطاير الأشلاء وأصغى إلى صراخ الذين يصيبهم في رؤوسهم أو صدورهم أحس بأنه اندمج بدوره كمحارب في جيش الدفاع الإسرائيلي.
إلى ذلك، تجرأ أدباء صهاينة على القول إنّ فلسطين العربية المحتلة هي وطنهم الحقيقي لإيهام القراء بذلك، يستشهد العجلاني بما قاله الشاعر الصّهيوني «يهودا اخيماي»: «هذا وطني.. الذي يمكنني أن أحلم فيه من دون أن أسقط».
لم يتوقف «أدباء» العدو عند الطفل وحاضره بل استغلوا الأدب ليكون وسيلتهم في بناء مستقبل قوامه القتل والإرهاب، إذ يعدّ الشاعر الصهيوني «يعكوف باساران» الحرب عملية تنمو في أحضان الفرد الصهيوني بل يرى أيضاً أن الوظيفة الأولى للزواج هي إنجاب الأطفال للحرب والعدوان.
لكن ما دور أدب الحرب الصهيوني في كل ما يحدث في سورية؟ سؤال طرح للنقاش وكان الجواب في المثال الذي قدّمه شمس الدين العجلاني: يقول الصهيوني يوسف عنجرن في «قصص إسرائيلية» على لسان بطلته «تاهيلا»: إنني أدعو الله أن يأتي اليوم الذي تتوسع فيه حدود أورشليم حتى تصل دمشق وفي كل الاتجاهات..
غيض من فيض قدّمه الكاتب شمس الدين العجلاني عن «قلة الأدب» الصهيوني البديل الصحيح لما اصطلح عليه أدب في كيان العدو الصهيوني الذي استطاع منظّروه الخوض في أعماق أفرادهم وبرمجتهم على القتل والإرهاب ومن ثمّ تلميع صورتهم أمام العالم أجمع.
يختم شمس الدّين العجلاني ندوته بمطالبة جميع الجهات العربية الإعلامية والثقافية بدعم الحق العربي من خلال التصدي لكلّ هذا التزوير والتضليل لأنّ هذا «الأدب» أحد المفاتيح الأساسية في عملية فضح الكيان الصهيوني الغاصب.
Views: 1