خلال شهرين شهد مسرح نقابة الفنانين في حلب عرضين مسرحيين من مدرستين مختلفتين، الأول بعنوان «سهرة كوميدية مع لوقيانوس» تأليف وإخراج ايليا قجميني، والثاني «اللعبة أكبر من هيك» مسرحية كوميدية من تأليف وإخراج عمر شعراني.
عودة أبي الفنون إلى النشاط في حلب دليل عافية ومقاومة في آن، فهذه المدينة التي صمدت أمام أعتى هجمة في التاريخ تثبت أنها عصية على الموت وقادرة على تنفس الصعداء ونشر الحيوية في أرواح الحلبيين عبر مختلف أنواع الفنون التي بدأت تأخذ فعاليتها الكبيرة منذ لحظة التحرير الكامل..
عن قصة المسرحية، اختار المخرج البساطة والمباشرة في الطرح وحتى تسمية الأمور بمسمياتها «الفساد وتأثيرات الحرب والهجرة إلى ألمانيا» وهنا تكمن قوة العرض، فالجمهور جيل جديد متشبع من مواقع التواصل الاجتماعي من ناحية المعلومات والتحليلات السياسية والنوادر والطرائف ورسوم الكاريكاتور التي تتناول الحرب والأزمة، وتالياً فإن أي طرفة أو مشهد كوميدي أو عبارة في المسرحية ربما مرت أمامه في «الفيس بوك» وقد لا يضحك بالسهولة المتخيلة وأحياناً قد يصيبه الملل، لكن ما يميز مسرحية «اللعبة أكبر من هيك» هو استخدام الأدوات والتوابل المسرحية التي اعتادها الجمهور الحلبي في عروض مسرحية سابقة لاقت رواجاً واستحساناً خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي وبداية القرن الحالي، فقد حافظ مؤلف ومخرج العمل، وهو من رواد وصناع هذا النوع من الأدوات مثل اللهجة الحلبية واللعب على التناقضات «مثقف وجاهل– وعقدة الخواجة…. وغيرها من الأدوات كجواز عبور إلى عقل ووجدان المتلقي الذي تفاعل ضحكاً وتصفيقاً على حساب مشاهد عديدة كانت بلغة دارجة أو خالية من التناقض مثل الحوار الذي يجري بين الشخصيات التي تؤدي دور المثقف (أحدهما يحمل دكتوراه والآخر شهادة جامعية).
ثلاث ساعات كانت كفيلة باختزال آلاف المقالات والتحليلات السياسية والبث التلفزيوني بمقولة «اللعبة اكبر من هيك» فقد لامس العرض وجدان وقلوب الجمهور القادم لتناول وجبة من الترفيه والضحك بعد خمس سنوات من الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية، حتى ولو كان هذا الترفيه والضحك عنه وعن تفاصيل حياته، فقد أدرك الجمهور أنه يقف أمام مرآة كبيرة تعكس أحواله وتبوح بما في داخله وكثيراً ما تفاعل الجمهور مع الممثلين في لحظات الصمت بين الحوارات بإضافة جمل ومفردات للممثلين وكأنهم قد نسوا ذكرها وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن عملية تشريح الواقع الذي قدمه المخرج لم يكن مؤلماً بل كان في إمكانه أن يستخدم مبضعاً أكبر ويجرح أعمق وبدل المرآة عليه أن يستخدم مكبرة عملاقة والجمهور سيتقبل ذلك بالتأكيد!.
الأداء تعرض للفتور في مشاهد عديدة وهذا يعود لعدة أسباب لاحظناها، فحضور ثمانية عشر ممثلاً يعد عدداً كبيراً على خشبة المسرح، والأمر الثاني يوجد بين أولئك الفنانين المخضرمين وأصحاب الخبرة من هو في بداية الطريق وهذه المجموعة تحتاج عدة أعمال مسرحية متتالية حتى تحسن التجانس والأداء الجيد، لكن رغم ذلك فقد بقي الجمهور مشدوداً طول وقت العرض.
يحسب للمخرج والمؤلف عمر شعراني جهده الحثيث في تقديم عرض مسرحي لصالح القطاع الخاص بعد أن ندر تمويل الأعمال الفنية في حلب خارج القطاع العام، وسواء ضم العرض سلبيات أو إيجابيات فعلينا ركنها على جنب والاستمتاع بمشهد طابور الجمهور من نساء وأطفال مزدحمين على شباك التذاكر حتى لا يفوتهم العرض، فالمسرحية في حد ذاتها فعل حضاري بامتياز بغض النظر عن المقولات الفلسفية والفكرية الكبيرة التي يجب أن تتضمنها أو مقولات بسيطة يفهمها الجمهور العادي بعيداً عن الأعمال النخبوية فلكل نوع من أنواع المسرح في حلب جمهوره ومتابعوه وناقدوه.
Views: 0