زيد قطريب
البحث عن معالم أبي قصيدة النثر محمد الماغوط في الحداثة الشعرية ليس صعباً، فمن هذا المعطف خرج الكثير من الشعراء الذين يرفض بعض النقاد تسمية نتاجهم بالشعر عقاباً على تخليهم عن أوزان الفراهيدي واشتغالهم في فضاء مغاير للكلاسيكيات المعهودة في الكتابة الشعرية.. جلسة ملتقى دمشق الشعري جاءت في مناسبة رحيل الماغوط «1934 – 2006» الذي يصادف يوم الثالث من نيسان، وحملت الكثير من مفاصل التجربة الماغوطية توّجها الروائي خليل صويلح بذكريات شخصية ومواقف عاشها مباشرة مع الماغوط أثناء إعداد أرشيفه وإصدار كتاب «اغتصاب كان وأخواتها» إضافة إلى قصص يمكن أن تضيء جانباً مغفلاً من شخصية الماغوط الفريدة..
اختيار الافتتاح على هيئة قصيدة تلامس فضاءات الماغوط كان موفقاً من قبل الشاعر صقر عليشي مشرف اللقاء الشعري المقام في ثقافي «أبو رمانة»، وقد اختار عنوان «كيس تبغ مهرّب» لهذه القصيدة المكتوبة في رثاء الماغوط سنة 2006، وتلك ميزة لن تفاجئنا في تناول الشعراء هذا النوع من القضايا، فخليل صويلح اختار عنوان «ندبة على الجبين» لمداخلته وكان في ذلك يعود إلى شعرية الاختيار ويلامس كوميديا الماغوط السوداء وهو المعروف بتفضيله لهذا النوع من الاشتغال على هويات الأعمال غير المألوفة في التسميات..
كان من الطبيعي أن تتركز مداخلات المشاركين على المفارقات في الصور والمعجم المختلف الذي استند إليه الماغوط أو بالأحرى أحياه في تلك المقاربات الصادمة والمدهشة، فالباحث سامر منصور انطلق من نص الماغوط الشهير «حزن في ضوء القمر» وبدأ بالبحث عن مكونات الفرادة في نص الماغوط، ففكك الألفاظ وقارن الصور، وحاول الإشارة إلى المفارقات في كل الجعبة اللغوية وانتقائية الصور غير المتوقعة التي تشارك فيها الألفاظ بحضور مختلف.. أجواء داخلية ميزت اعتماد الماغوط على المونولوج الداخلي في نصوصه، وقد أدى ذلك إلى تمحور الشخصية الماغوطية في النصوص وتنكبها دور المحور والمركز الذي تدور حوله التفاصيل..
القصيدة الشهيرة للماغوط في وصف المكان، كانت من خيارات الدكتور جمال أبو سمرا الذي عاد إلى قصيدة «سلمية» وبحث عن علاقة الشاعر بالمكان ودور المتناقضات في تشكيل الصور والتراكيب، في كل هذا كانت المفارقات تتربع على رأس المشهد الماغوطي وتجعل الاهتمام منصباً على تلك المفاجأة التي تطل برأسها من بين ثنايا النص الماغوطي كأن هذا الرجل يكتب في حقل ألغام لا يلبث أن يخطو فيه المرء خطوة إلا وتنفجر فيه قنبلة!.
من حيث القيمة النقدية، لم تقدم الندوة جديداً على صعيد تفكيك نص الماغوط أو الإشارة إلى مكامن غير متوقعة في كتاباته، وقد أخذ التركيز جانباً أحادياً بالنسبة للمنتدين وهو جانب المفارقات والتناقضات الصادمة التي اشتغل عليها الماغوط وكان يمكن أن تتناول الندوة كتابات الماغوط المجهولة التي صدرت بعد وفاته وهي من جعبة الصحافة اللبنانية في الخمسينيات، وبينها نصوص شعرية وصحفية تميزت بالنقد اللاذع في السياسة والأدب، إلى ميزة الكوميديا السوداء التي ميزت شخصية الماغوط الساخر من أشد الأشياء قرباً إليه إلى درجة قال النقاد إن سخرية الماغوط وصدماته ضد المواقف والأفراد تتوازى مع درجات شغفه وفي ذلك يمكن الإشارة في كيفية نظرته إلى الأم والوطن الذي قال إنه سيخونه يوماً!.
تفكيك نص الماغوط، والبحث عن منسوب التحديث العفوي أو الواعي عند الأب الشرعي لقصيدة النثر، كل هذا يثير أكثر من شجن فكري وسياسي إلى جانب الإشكالات الشعرية المتعلقة ببنية القصيدة وعلاقة الأسلوب بالمضامين والمآلات النهائية التي ينتظر أن يتسبب النص الشعري باندلاعها، قضايا تنتظر الكثير كي تختمر بالشكل الكافي من البحث!.
Views: 4