- جواد ديوب
هي من الإذاعات العريقة، بل تعدّ ثاني إذاعة تأسست في العالم العربي بعد «صوت العرب» في «القاهرة»، احتفظت بمكانتها واتزانها وبرامجها ومسلسلاتها التي تركت بصمة لا تنسى في تاريخ العمل الإذاعي السوري والعربي، مثل: مسلسل «يوميات عائلية» بطولة الفنانة وفاء موصللي والراحل عصام عبه جي، مسلسل «حكم العدالة» بطولة نخبة من فناني سورية، مسلسل «ظواهر مدهشة» تأليف الدكتور طالب عمران، برنامج «مسابقات على الهواء» لطالب يعقوب، وبرنامج «حكواتي الفن» الذي أعدّه وقدّمه «فنان الشعب» الراحل رفيق سبيعي. وكان من أعلام الإذاعة الذين أثروها بشخصياتهم وأفكارهم على مدى مسيرة الإذاعة، من إداريين ومعدين ومذيعين أمثال: الراحل يحيى الشهابي الإعلامي والكاتب المشارك بتأسيس إذاعة دمشق والذي كان أول من أطلق «شرارة» البث بقوله: «هنا دمشق» عام 1947، والمذيع ذو الصوت المميز عادل خياطة، والمعد والكاتب والمخرج داوود يعقوب، والصحفي المشارك في تأسيس الإذاعة سامي الشمعة، وعدي سلطان المذيع والمعد ومقدم برنامج «أفكار للإعمار» وغيرهم.. هي إذاعة دمشق التي خرّجت واشتهر عبر أثيرها أساطين الغناء والطرب في الوطن العربي كالسيدة فيروز، وعبد الحليم حافظ، وفايزة أحمد… وغيرهم، واستطاعت التعبير عن أحوال الناس ومعيشتهم، وتنوّعت فيما تقدمه من برامج ثقافية منوعة ومعاصرة تهمّ متابعيها في قضاياهم الراهنة، كمحاولة منها لأن تكون شاهدة على الأحداث المهمة في البلد، ولتقف مع الناس فيما يعيشونه من أزماتٍ تثقلهم، فترسم ابتسامة أمل على وجوههم وفي خيالهم.
اليوم في الذكرى السبعين لتأسيسها «نستمع» إلى مديرها الحالي الأستاذ عماد الدين إبراهيم وهو «يصوّر» لنا رؤيتهما بحسيّة عالية مشحونة بمحبته المتجددة لإذاعةٍ يعطيها بشغف كما تعطيه، إليكم ما قاله:
• في الذكرى 70 لتأسيس إذاعة دمشق، هل ثمّة تحديدٌ لاستراتيجيات عمل جديدة، وبحثٌ عن تأصيل لهويتها، أم أن الاحتفال سيقتصر على اليوم الرابع من شباط عبر مجموعة من البرامج؟
•• البحث عن الجديد ومحاولات التجديد هاجس يومي للكثير من العاملين الفاعلين في إذاعة دمشق، وربما خير معبّر عن ذلك الشعار الذي اعتمدنا للإذاعة مع انطلاق الدورة البرامجية الجديدة في 1/1/2017 وهو (إذاعة دمشق..عراقة تتجدَّد)، وجسدنا ذلك في العديد من البرامج الجديدة التي نتمنى أن نكون قد وُفقنا بها والتي تلبي رغبة المستمعين في إيجاد ما يهمهم ويتناول قضاياهم اليومية في كل المجالات، لأن الناس تتابع الوسيلة الإعلامية التي تكون قريبة من تفاصيل حياتها، يوم الرابع من شباط هو تذكير للمستمعين بهذه الإذاعة التي حملت عبء الخطاب الوطني الإعلامي وعلى مدى 70 عاماً، فكانت صوتاً وطنياً فاعلاً وفعالاً في كل المجالات السياسية والثقافية والخدمية وسواها. وهذه الإذاعة معروفة بهويتها السمعية المميزة والتي ترسخت على مدى عقود من الزمن ومن أهم سماتها الاتزان والجدية والبعد عن الإسفاف.
• ما هي الأهداف والغايات التي تعملون في الإذاعة من أجلها، في زمنٍ صعبٍ يراهن فيه الكثير على تفتيت مكونات الشعب السوري، وخاصةً إذا ما سألناكم عن مصادر تمويل إذاعة دمشق؟
•• أهدافنا في خطابنا الإعلامي -طبعاً الإذاعي لا ينفصل عن الخطاب الإعلامي الوطني عموماً في مختلف الوسائل المكتوبة والمرئية، رغم وجود اختلاف وتنوع في التفاصيل- من أهم سماتها التركيز على المشتركات الوطنية التي تجمع السوريين عموماً، والوقوف إلى جانب الجيش والدولة في مواجهة أعداء الوطن والشعب على اختلاف مسمياتهم، ونشر الفكر المقاوم والثقافة الوطنية التي تتمسك بالسيادة واستقلال القرار، إضافة إلى تناول قضايا الشعب الحياتية وهمومه المعيشية، بالمقابل هناك فضاء إعلامي عربي وإقليمي ودولي يميل في معظمه إلى نشر ثقافة الاستسلام والتبعية ونشر الخطاب الديني- المذهبي المفرِّق والمشتت، لذلك فإن التحديات التي تواجه الإعلام السوري كبيرة لكننا رغم كل ذلك مستمرون بنهجنا الوطني هذا لأننا نعتقد أنه النهج الأفضل لبناء مستقبل حقيقي وحر لبلدنا ومنطقتنا عماده السيادة وحرية القرار، إذاعتنا وطنية تمويلها وطني من خزينة الدولة ولا مساحة فيها للإعلان أبداً وهذا الأمر ينسجم مع جدية واتزان الإذاعة.
• هل ترى أن دور الإذاعة تراجع أمام وسائل الإعلام الحديثة كالفضائيات والإنترنت أم أنها ما زالت محتفظة بمكانتها؟ وكيف يمكن تعزيز اختلافها؟
•• الإعلام المسموع ما زال موجوداً وله حضوره على كل المستويات المحلية والعربية والعالمية، وله جمهوره أيضاً، ولكن لا بد من الاعتراف بأن الكلمة المسموعة أصبحت في الصف الثاني من حيث المتابعة والاهتمام، فالصورة المتحركة والملونة وتوابعها من كلام وموسيقا غزت حياتنا وفرضت نفسها في الصف الأول في الفضاء الإعلامي، هذه حقيقة واقعة أكدتها التطورات التقنية المتلاحقة والسريعة، لكن رغم ذلك ستبقى الكلمة المسموعة والإذاعة حاضرة في حياتنا تلعب دورها جنباً إلى جنب مع بقية الوسائل الإعلامية الجماهيرية. ويجب ألا ننسى أن هناك قنوات تلفزيونية يتعامل معها المتابع كقناة إذاعية من خلال حاسة السمع فقط، لذلك أرى أن تعزيز خصوصية الإذاعة واختلافها عن الوسائل الإعلامية الأخرى مرتبط أشد الارتباط بهذه الحاسة وبمدى إشباعها وإرضائها بما تتضمنه من برامج.
• من المعروف أن لا إذاعة يمكنها الاستمرار من دون جمهورها، كيف تعرفون؛ وبالتالي كيف تقيّمون رجع الصدى عند الجمهور السوري الذي باتت لديه خيارات واسعة من الإذاعات المنافسة؟
•• الإذاعة، وأقصد هنا إذاعة دمشق، لها جمهورها، ولو لم يكن لها جمهور متابع لها لَما استمرت سبعين عاماً وستستمر، لكن لا أخفيك أن وسائل قياس الرأي العام والتغيرات التي تطرأ عليه ما زالت عندنا ضعيفة بل ضعيفة جداً تجاه كل وسائل الإعلام من صحف وقنوات إذاعية وتلفزيونية، ما زلنا نعتمد على الملاحظة الفردية أو اتصالات بعض المستمعين التي تقتصر على المديح فقط، وبالتالي لا تعبر تعبيراً حقيقياً عن مزاج وموقف السواد الأعظم من المستمعين، وهنا أجدد ما كنت قد طرحته في وقت سابق على إنشاء مديرية في وزارة الإعلام تكون مهمّتها قياس ومتابعة التطورات والمتغيرات التي تطرأ على مواقف الجمهور تجاه مختلف القضايا بكل جدية وعلمية وموضوعية.
• ما زلت تُقدِّم برنامج «صحافة وثقافة» هذه الثنائية المتلازمة والضرورية لنجاح أي عمل إعلامي، برأيك كيف نستطيع ترسيخها في جميع البرامج والقنوات الإعلامية، ولاسيما أنها المُنقذ من المصائب التي نراها ونسمعها من دون أي وازع أخلاقي أو علمي؟
•• برنامج (صحافة وثقافة) برنامج حديث لم يمضِ عليه عامٌ بعد، هو نافذة إذاعية على المقالات الثقافية التي تنشر في صحفنا المحلية وبعض الصحف العربية والعالمية من دول صديقة منتقاة بعناية على ضوء مواقف هذه الدول من الدولة السورية ومن الحرب على الشعب السوري، أقدم من خلاله جرعة ثقافية مركزة للمهتمين بهذا الشأن خلال ساعة من الزمن، صحيح أنه يستغرق مني في الإعداد وقتاً طويلاً لكنني أستمتع به، وأثقّف نفسي، وأطلع على الشأن الثقافي العربي والعالمي، وهذا يشبع ميلاً خاصاً عندي نحو الثقافة والأدب والفكر بغض النظر عن عملي في الإعلام، وهو رديف لبرنامج آخر أعده وأقدمه عنوانه (من ثقافات العالم) وأنا من خلال ذلك أؤكد أن الثقافة المتنورة والمنفتحة والفكر العقلاني العلمي هما الخلاص الوحيد والحقيقي للإنسان من براثن الجهل والتخلف والغيبيات المحطمة لقدرات العقل التي يجب علينا أن نستفيد منها إلى أقصى حد ممكن، فالجهل والفقر هما سبب مآسي الإنسان في كل مكان وزمان، ويجب على الأفراد والمجتمعات السعي الجاد والحثيث لاستئصال هاتين الآفتين، وكثيراً ما أردد بيني وبين نفسي ومع أصدقائي هذا القول: (طوبى لمن أدَّبه الفقرُ وهذَّبه الغنى) أي بمعنى آخر الأدب/الثقافة والأخلاق هما عماد الإنسان الحقيقي.
Views: 4