(قياسات كبيرة) تجسد فيها العناصر الإنسانية والمشاهد الواقعية في مظاهرها الخارجية، وفي هذا السياق يمكن القول:إنها تتفاعل مع حركة الناس، في الأسواق والشوارع والأماكن العامة، بصياغة تصويرية واضحة ومفهومة، على الرغم من نزعتها التبسيطية، واتجاهها نحو العفوية اللونية والاختصار، والرسم ضمن القواعد المتبعة في المحترف الأكاديمي، وهذه النزعة التبوفي بعض أعمالها الأخيرة (وخاصة جداريتها التي عرضتها في الآرت هاوس، ضمن معرض الخريجين العشرة) أرادت الموازنة والمواءمة ما بين معطيات الانطباعية والتعبيرية (في اتجاهها الواضح لإضفاء اللمسات اللونية الغنائية المليئة بالأضواء المشرقة، والحركات اللونية الإنفعالية في الخلفيات) وبين جمالية البقاء عند ضفاف الواقعية الجديدة أو الحديثة، المبنية على قواعد وأسس المنطلقات الأكاديمية، للوصول إلى اللوحة الحديثة، التي تخرجها على الأقل، من إطار النمنمة التفصيلية الموجودة في الأعمال التسجيلية والاستهلاكية. سيطية تحتاج إلى درجة من الحساسية البصرية والروحية والثقافية.
وحين نقول: إنها تضفي على لوحاتها شيئاً من الانطباعية عبر لمساتها اللونية المشبعة بالأضواء المشرقة والمتبدلة، يكون في حسابنا أنها ليست انطباعية، بالمعنى النقي للكلمة، فهي لاتزال ترسم بقواعد أكاديمية، وترصد عناصر المشهد بمنهج واقعي وتعبيري حديث في أغلب لوحاتها وجدارياتها، مع إضفاء بعض اللمسات الضوئية الانطباعية، فاللون يتخذ في بعض لوحاتها طابعاً غنائياً، من ناحية الرسم بلمسات عفوية، متتابعة ومتلاحقة ومتجاورة تتلاءم مع أجواء اللوحة الحديثة والمعاصرة.
تأثيرات الوالد
ويذكر أن لغة الخط واللون، دخلت في نسيج حياة وبرنامج يوميات لينا منذ أيام طفولتها الأولى، حين كانت تتأمل لوحات والدها عصام الكاتب الكلاسيكية والواقعية والانطباعية، الحاملة مشاهد استشراقية، وملامح من أجواء وناس ولباس أزمنة سابقة، تلك كانت المكونات الأولى التي دفعتها باتجاه مزاولة الرسم والتلوين، حيث كان والدها استاذها ومشجعها الأول، وكان أول من وضح لها قواعد واسس الرسم الواقعي القائم على قواعد واسس راسخة وثابتة.
إلا أنها وبعد تخرجها وبتفوق من محترفات كلية الفنون الجميلة في دمشق عام 2016، أخذت تبحث عن تشكيل تعبيري يكشف الجوهر، ويبتعد عن المظهر الملموس أو المنظور في الواقع المرئي، وأصبحت لوحاتها ترتكز على التكوين العفوي، القادم من تقنية وضع اللمسة أو الحركة اللونية في إيقاعاتها العفوية والتلقائية، فالتشكيل التلويني العفوي في لوحاتها بدأ يظهر أكثر ارتباطاً في تلقائيته مع تداعيات الحركة الذاتية، التي تندفع عبر الحركات اللونية المباشرة والمنفعلة، لتقيم نوعاً من التوازن بين السكون والحركة، وبين الوعي والعاطفة، وبين الصمت والتفجير، وهذا يمنح لوحاتها الكثير من الغنائية والانطباع والانسجام اللوني والشكلي والخطي.
تقطيع افتراضي
وأول ما يلفت النظر في لوحات لينا الكاتب اتجاهها نحو تكثيف العناصر والأشكال والحركات اللونية في فراغ السطح التصويري، بحيث يمكننا اذا قطعنا لوحتها وخاصة الكبيرة، الخروج بمعرض تعبيري ومعرض تجريدي، المعرض التعبيري يمكن أن يكون حصيلة تكبير المقاطع، التي فيها أشكال انسانية ومعمارية وغيرها، والمعرض التجريدي يمكن أن يأتي من تكبير مقاطع من أرضية أو خلفية لوحتها الغنية بالحركات اللونية التجريدية الانفعالية.
هكذا تظهر تنويعات التداخل اللوني والشكلي، كعناصر مكثفة ومتجاورة ومتتابعة ومتداخلة وبعيدة عن المنهج التسجيلي والتزيني البصري، الذي يتقيد بالتفاصيل وبصورية الشكل وواقعيته التقليدية.
وهذا التشكيل والبناء التتابعي العفوي المكثف، يحول المساحة اللونية إلى إطار ضروري، للحد من الرزانة الهندسية الدقيقة، حتى لا تقع في الانضباط العقلاني البارد الذي تعمل دائماً على تجنبه. وتبدو أكثر اتجاهاً نحو البحث عن إيقاعات وجدانية وعفوية، تصل بالمشهد إلى انفلاتات تلقائية، مفتوحة على جمالية لونية عصرية قادمة من تأملات ثقافة فنون العصر. فالمهم بالنسبة لها أنها تستعيد إشارات المشهد المحلي، بالارتداد إلى الداخل، لتخرجه من حيز صمته، ولتجدده أو تستنطقه بالبوح الانفعالي والوجداني.
تنويعات الأقواس المعمارية
وتطرح بعض لوحاتها (وخاصىة التي عرضتها في غاليري مصطفى علي) جمالية التفاعل مع إيقاعات العمارة القديمة، المعرضة لمخاطر الاندثار والزوال، فأعمالها المستوحاة من علاقتها المباشرة وغير المباشرة، مع البقية الباقية من جمالية العمارة القديمة، أرادت من خلالها توجيه تحية إلى جمالية القناطر والأقواس والقباب والجدران القديمة وغيرها.
ولقد جاءت هذه الأعمال، بعد سلسلة دراسات سريعة أنجزتها، بعد جولتها الفنية بين أحياء المدينة القديمة واسواقها وباعتها وقططها الأليفة، وبذلك عكست ملامح من مؤشرات التفاعل مع هذا الحلم الشرقي، الذي لا يزال رغم كل الغربة التي نعيشها حيا في نفوسنا وذاكرتنا.
وهكذا تتجه في لوحاتها لتحقيق حالات الموازنة والمواءمة، بين الاداء العقلاني والتشكيل العفوي، ولإيجاد حالات الدمج والتداخل ما بين إشارات الواقع (المستمد من انطباعات الذاكرة أو من الرسم السريع والمباشر) وبين تكاوين المنطلقات التعبيرية في أبجديتها الغنائية (كلمسات لونية عفوية).
|
Views: 3