- حلب – محمد حنورة
رغم عظمة متحف حلب الوطني بمقتنياته الأثرية وتاريخه الطويل، إلا أن الإرهاب تسبب له بأضرار مادية كبيرة إثر استهدافه بعشرات القذائف الصاروخية والهاون، مما أثر في بنيته الإنشائية إلى جانب تدمير جزئي في السقف البيتوني في أماكن متفرقة من المتحف وأضرار كبيرة في البنى التحتية والأبواب الخارجية ومكاتب الموظفين وتدمير غرفة المولدات وأجزاء من السور الخارجي، إلا أن المقتنيات الأثرية الموجودة داخل المتحف لم تتعرض لأضرار تذكر بحسب رئيس دائرة الآثار والمتاحف في حلب المهندس خالد مصري. وبمناسبة مرور تسعين عاماً على تأسيسه «تشرين» التقت الباحث المهندس إسماعيل نوفل والذي حدثنا عن بدايات تأسيس المتحف فيقول: بدأ المحتلون الفرنسيون عمليات تنقيب وتفتيش في قلعة حلب، وبدأت الأحمال تنتقل من القلعة إلى الشاحنات العسكرية الفرنسية بإشراف الجنرال فيغان، ثم تسرق هذه المقتنيات الأثرية المكتشفة إلى فرنسا، أثارت هذه السرقات الوقحة غيرة أبناء حلب من جمهور المثقفين المهتمين بالتراث والآثار، فتداعوا إلى تأسيس جمعية تحت اسم (جمعية أصدقاء القلعة)، ولمّا كان هناك سعي لإنشاء متحف في بهو القلعة فقد أصبح اسم الجمعية (جمعية أصدقاء القلعة والمتحف) واجتمعت يوم 2 آب 1924 لتكون النواة المؤسسة وكانت تضم الشيخ كامل الغزي والأب جبرائيل رباط والشيخ محمد راغب الطباخ والمهندس صبحي مظلوم والشيخ عبد الوهاب طلس والأب جرجس منش والفرنسي بلوادو روترو مفتش الآثار والدكتور أسعد الكواكبي، فتشكل أول مجلس إدارة لها برئاسة المؤرخ «كامل الغزي» وعملت منذ تأسيسها على حماية آثار قلعة حلب، وساهمت في تأسيس المتحف والذي أسس بموجب أحكام القرار رقم (136) الصادر عن دولة سورية عام 1926م وبذلك أصبح في سورية متحفان وطنيان هما المتحف الوطني بدمشق، ومتحف حلب الوطني.
يضيف الباحث أن المتحفين تقاسما القطع الأثرية المكتشفة في سورية حين ذاك، فضم متحف دمشق الآثار التي تعود إلى العهود اليونانية والرومانية والبيزنطية والعهود العربية الإسلامية، أما متحف حلب فقد ضم آثار ماري (تل الحريري) وأوغاريت (رأس شمرا) وآثار قطنة (تل المشرفة) وآثار قادش (تل النبي مندو) وآثار شاغر بازار وتل براك وارسلان طاش وتل احمر وآثار تل حلف والذي يزين أحد آثاره الرائعة واجهة المتحف، وتلك الحفريات أسفرت عن اكتشافات مهمة ترجع إلى الألف الأول قبل الميلاد والتي أودعت مؤقتاً في إحدى الدور الواقعة في حي الجميلية مشكلة بذلك النواة الأولى لآثار متحف حلب العتيد، التي ما لبثت أن استقطبت حوله بعض الآثار والمكتشفات الأخرى لأن شمال سورية في النصف الثاني من عشرينيات القرن الماضي أصبح ميداناً للتنقيبات تطمح إليه معظم الجامعات الفرنسية والأجنبية وتؤم منطقة حلب من أربع إلى خمس بعثات سنوياً لإجراء الحفريات فيها، وهذا ما يجعل عدد القطع الأثرية يزداد يوماً بعد يوم. ويتابع المهندس نوفل: إنه في شهر نيسان من عام 1930م عيّن للمتحف محافظ رسمي وقد رأت الحكومة من حينها أن تخصص وتمنح متحف حلب الوطني مبلغاً لا يستهان به تعويضاً له عن السنين الفائتة ومنذ ذلك التاريخ جرى اعتماد المخصصات اللازمة لترفع المتحف إلى مستوى راق يليق به وبمحتوياته. وهذا الأمر جعل المسؤولين يفكرون جدياً في البحث عن مكان واسع وملائم فوقع الاختيار على قصر جميل مؤلف من طابقين، ويقع في شارع الناعورة (موقع المتحف الحالي) ذلك القصر استخدم في حينها مقراً لبلدية حلب ومن ثم تم نقل الآثار إليه عام 1930م وتوالت الآثار تتدفق على متحف حلب الوطني من مختلف الحفريات الأثرية، وعلى الرغم من حداثة عهده بالنسبة لمتحفي بيروت ودمشق لكنه عُدّ من أهم المتاحف السورية بما حواه من القطع الأثرية الوافرة القيمة، وذلك بإجماع العلماء والباحثين بمناسبة زيارتهم إليه، وبعد أن نالت سورية استقلالها من الاستعمار الفرنسي في 17/4/1946، وقامت في سورية سلطة وطنية كان لابد من الاهتمام بتراث الأمة وآثارها، وذلك بدراستها واستكشافها ونشرها وعرضها فأعيد تنظيم المتاحف السورية بموجب المرسوم (130) في تاريخ 7/10/1953 والذي أحدثت بموجبه متاحف تخصصية، ومتاحف مواقع أثرية، وإبقاء الآثار المحفوظة في المتاحف المختلفة في أماكنها. وبموجب هذا المرسوم فإن متحف حلب الوطني تم توسيعه وإضافة فروع جديدة إليه حيث ضم أربعة فروع وهي: فرع الآثار السورية الشرقية القديمة (من أقدم العصور حتى عام 333ق.م) وفرع الآثار السورية من العهود الرومانية والبيزنطية واليونانية (أي من عام 333ق.م وحتى الفتح العربي) وفرع الآثار العربية الإسلامية (منذ عام636م وحتى قبل مئتي سنة)، وفرع النفائس والتقاليد للمنطقة الشمالية العائدة إلى العهود المتأخرة والمعاصرة. وهذا ما جعل متحف حلب الوطني يتفوق فيما يختص بالآثار السورية من العهود الشرقية القديمة.
وبسبب تدفق القطع الأثرية على متحف حلب الوطني من مختلف الحفريات الأثرية ونظراً لوفرة هذه الآثار المكتشفة والمتدفقة باستمرار وعدم إمكانية توسيع البناء المخصص بشكل لائق وعدم صلاحيته لعرض الآثار عرضاً علمياً شائقاً وجذاباً، وتعذر تنفيذ النظريات المتحفية فيه، وضيق ذلك البناء بآثار المتحف، فقد اتجه المسؤولون إلى قرار بناء متحف جديد ضخم في مدينة حلب يليق بعظمة ماضيها وجلال ماخلفته لنا الأجيال من روائع الآثار. أما البناء الحالي للمتحف فيقول الباحث إسماعيل نوفل: إنه وفي عام 1956 أعلن عن مسابقة عالمية لمشروع البناء الجديد للمتحف، ووصل إلى المديرية العامة للآثار والمتاحف (31تصميماً) وبعد دراستها من اللجنة الدولية المشكلة لهذه الغاية، فاز بالإجماع مشروع صاغه مهندسان من زغرب يوغوسلافيا.
وفي عام 1960 هدم بناء المتحف القديم، ونقلت آثاره إلى أماكن متفرقة كالمتحف العجمي، وفي نهاية عام 1968انتهى مشروع بناء المتحف الجديد في صورته الحالية التي نعرفها، وتم تنظيم المعروضات وفق أحدث أساليب العرض المبتكرة. وفي كانون الثاني عام 1971 وجهت إدارة متحف حلب الوطني نداء إلى منظمة اليونسكو، وإلى الجامعات والمعاهد والمؤسسات العلمية في عدد كبير من دول المنظمة نداء لإنقاذ آثار منطقة حوض الفرات وذلك قبل بناء سد الفرات وتشكل البحيرة التي ستغطي مساحات واسعة وتهدد الآثار المتراكمة هناك. وتابع الباحث: أقيم في 16 تشرين الثاني عام 1974 معرض في متحف حلب الوطني ضم الآثار المكتشفة من كل المناطق المذكورة وكان المعرض غنياً ورائعاً بمعروضاته وآثاره، إضافة إلى ترميم وحفظ قلعة جعبر ونقل آثار أبو هريرة ومسكنة، وبناء على توجيهات القائد الخالد حافظ الأسد عُدّ عام 1975 عاماً للآثار العربية الإسلامية وبذلت المديرية العامة للآثار والمتاحف قصارى جهدها لإنجاح هذه التظاهرة الأثرية فأقامت معرضاً وافتتحت متحف الآثار العربية الإسلامية في متحف حلب الوطني ضم مجموعة أثرية فريدة تعبر عن المستوى الفني الرفيع الذي وصل إليه العهد الإسلامي في مختلف العصور.
جولة داخل متحف حلب
زينت واجهة متحف حلب الوطني بنسخة من واجهة القصر الملكي في تل حلف، ويتألف مبنى المتحف من طابقين يحتويان على قاعات وأجنحة ملأى بالأوابد والقطع الأثرية المكتشفة التي تقدم صورة رائعة لتاريخ سورية القديم ومساهمتها الحضارية، وقد تم تنظيم المتحف انطلاقاً من مبدأ تسلسل المواد مع مراعاة التسلسل التاريخي للقطع وصنفت في مجموعات حسب عناصر الزخرفة. ويضم متحف حلب الوطني خمسة أقسام وهي: 1-قسم متحف آثار ما قبل التاريخ، 2-قسم متحف الآثار السورية للعهود الشرقية القديمة من عام 4000ق.م إلى 333ق.م، 3-قسم الآثار السورية للعهود الرومانية واليونانية والبيزنطية من عام 333ق.م إلى 636م، 4-قسم متحف الآثار العربية الإسلامية من عام 636م حتى قبل 200عام، 5-قسم متحف الفن الحديث.
Views: 9