23-12-1993
في مثل هذا اليوم قبل ثلاث وعشرين عاماً،كنت أجلس في شاحنة المساجين،مقيداً بسلسلة،متهماًبـ"مقاومة النظام الاشتراكي"!!!
كنت في بدايات عملي الصحفي،نقلت عن قسم شرطة القدم أنهم تلقوا شكاوى من أطفال وأهاليهم أنهم تعرضوا للخطف على يد عصابات ربما لتجارة الأعضاء البشرية!!
نشرت الخبر مع الصور في صحيفة البعث…ثم قامت الدنيا ولم تقعد!!
كذبوني وصاغوا قصة جديدة واجتمعت"أركان حرب"وزارة الداخلية بزعامة الوزير محمد حربا وهددوني بالويلات،وطلع مع الوزير يومها أنها:قصة حمصية…وبأنني ولد!!
لم تنته القصة عند هذا الأمر بل حركوا دعوى قضائية ضدي ،وأداتهم كان محمد نبيل الخطيب المحامي العام الأول -الذي أصبخ فيما بعد وزيراً للعدل واليوم خو جاري في البناء-الذي حولني لمحكمة الأمن الاقتصادي بتهمة:مقاومة النظام الاشتراكي!!
كان المتهم يمثل موجوداً ولا يمكن أن يخلى سبيله،وأحياناً ينسونه لسنوات لأن التهمة كانت توجه لتجار المخدرات والمهربين!!!
تصرفت بحذر كيلا يقبضوا علي،ويوم الجلسة في 23-12-1993 اصطحبني رئيس التحرير الدكتور تركي صقر بسيارته وسلمني للقاضي"كامل عويس" وقال لي:القصة انتهت سيستجوبونك ويطلقون سراحك!
القاضي المحترم سخر من توجيه التهمة لي:كيف جريدة البعث ومقاومة النظام الاشتراكي؟!!!!
استأذن بأدب ليقبض راتبه..ثم بدأ يتصل بالحاجب بعد استجوابي،أخرجني من الغرفة،للمر ،للطابق الأول…ثم للنظارة في محكمة الأمن الاقتصادي!!
لحسن الحظ أن الدكتور تركي كان قد ترك سائقه لاصطحابي ورأى ما حصل وأبلغه…
مضى الوقت بطيئاً جداً،وتذكرت نصائح الأصدقاء:لا تدعهم يمسكون بك!!!
كنت أرتدي طقماً ..وبدأ"الزملاء المساجين "يسألونني عن تهمتي..فقلت أنا صحفي فاستغربوا!!!
بعد ساعة وضعوا السلاسل في أيدينا اثنين اثنين ووضعونا في الشاحنة!!
توجهت بنا للقصر العدلي…وفي الطريق عرفت معنى"الحرية"!!!
في النظارة القذرة،طمأنني رجل مسن موقوف أن الازدحام سيخف بعد قليل،ويمكن أن نشرب الشاي!!
حمدت الله على نعمته!!!
قرر القاضي الاحتفاظ بي،كان يوم خميس،وعطلة الجمعة وعيد الميلاد السبت،أي أنني سأبيت ثلاث ليل في السجن!!
قبل نهاية الدوام الرسمي بخمس دقائق ناداني الشرطي..صعدت فكان القاضي بسيارة صغيرة ينتظر…وأطلق سراحي!!!
قلت للدكتور تركي أنهم ارادوا التلاعب بأعصابي،فصحح لي أنهم أرادوا التلاعب بمصيري،ولولا تصعيد الموقف من قبله ووصول الأمر لأعلى المستويات(تدخل الأمين العام المساعد،وتم الحديث مع وزير العدل عبدالله طلبة والقاضي كي لا تكون سابقة خطيرة..ربما بقيت لسنوات في السجن!!
……………
يومها كنا نعيش في ظل نظام حكم قاس،لكنه لم يسجن صحفياً، من أجل مقال كتبه أبداً،وهذه حرية إعلامية حقيقية ،وكانت قصة وجود عصابة تستنفرالبلد وأهلها..
في"ثورة الحرية" يختطف الصحفيون ويقتلون وتدمر المؤسسات الإعلامية في سبيل"الحرية"!!
في"ثورة الحرية" تقطع الرؤوس وتبقر البطون و يحرق الناس أحياء وتنتشر العصابات بين الناس والمدن والقرى فتقتل وتسرق وتغتصب..ولا أحد يستطيع مقاومتها،بل كثيرون يصفقون لها ويعتبرونها"مقاومة ضد النظام"!!!
كلما تذكرت ذلك اليوم منذ ثلاث و عشرين عاماً أشعر بالخوف من الظلم وفقدان الحرية…لكنني أرى ظلم ذاك الزمان-وإن كان سبباً في نقمة الكثيرين-إلا أن الأمان كان يساوي الكثير الكثير!
تعليق الدكتور تركي صقر …رئيس تحرير ومدير عام دار البعث انذاك
Views: 2