-
نضال بشارة
كان من الطبيعي إحجام جمهور المسرح عن متابعة عروض مهرجان حمص المسرحي الثاني والعشرين الذي أقيم على مسرح دار الثقافة، بشكل تدريجي بعد اليومين الأولين بسبب تدني درجات الحرارة، ولأن معظم العروض ليست «حمصيّة»!، فلن يغامر جمهور بحضور عروض لفرق لا يعرفها، ومتحملاً شدة البرد!، ما يعني إخفاق نقابة الفنانين في اختيارها الذي اضطرت إليه لموعد المهرجان هذا العام بعد أن تعثر تأمين الدعم المادي له من وزارة الثقافة التي رعت دورة هذا العام أيضاً، فأقيمت دورته بالتعاون بين نقابة الفنانين ومديرية المسارح والموسيقا.
وتضمنت هذه الدورة خمسة عروض: اثنان من حمص، وثلاثة عروض من (السويداء، طرطوس، اللاذقية)، ومع انطلاق المهرجان استبدل عرضا اللاذقية وطرطوس بعرضين آخرين من اللاذقية لفرقة خاصة، وأخرى تابعة لجامعة تشرين، من دون معرفتنا الأسباب، ما يعني إخفاقاً آخر في تنظيم المهرجان الذي يفترض أن تكون معظم العروض المشاركة فيه من مدينة حمص التي تمثلت فقط بعرض لفرقة اتحاد الطلبة، وعرض لفرقة اتحاد العمال. أمّا الفرق الخاصة فقد رُفضت مشاركاتها من قبل لجنة مشاهدة العروض التي لم تكن اختصاصية، باستثناء عضو واحد فيها هو المخرج خالد الطالب، وفي اعتقادي هذا قد ظلم عروض فرق كانت ترغب بالمشاركة، ولعلّ عروضها بمستوى أفضل من مستوى العروض التي استضافها المهرجان، والتي لم ترها لجنة مشاهدة العروض. إذاً على أي أساس تمت مشاركتها وهي ليست فرقاً احترافية يمكن التأكد من صدى عروضها المسرحية؟!.
المهرجان تتويج لغايات
حتى اختيار المكرّمين لم توفّق النقابة به، فلا ندري سبب اختيار تكريم السيد محافظ حمص مع الممثل والمخرج المسرحي بسام مطر؟! فعدم حضور السيد المحافظ افتتاح المهرجان يعني عدم رضاه عن هذا التكريم الذي لم يتم بسبب غيابه!، فكان الأولى عدم تكريم شخصية مسرحية معه، وتكريمه بمفرده لجهوده التي يبذلها في المدينة، وإن خالفت النقابة تقاليدها في تكريم شخصية مسرحية في كل دورة، إذاً كان يفترض أن تكرّم شخصية مسرحية ثانية مع المكرّم، فتكريم شخصيتين معاً يفترض أن يكونا من الحقل (الاختصاص) ذاته. وقد أشار الفنان أمين رومية رئيس نقابة الفنانين في حمص في كلمة مدير المهرجان إلى أن المهرجان لم يكن يوماً غاية في حد ذاته، وإنما هو دائماً تتويج لغايات وممارسات لها وجودها في الواقع، وهو فعل حضاري مضيء، ومحاولة لخلق تقليد اجتماعي خاص بارتياد المسرح، وفرصة للكشف عن الطاقات الشبابية، فالشباب هم فرسان التنوير، وأمل المسرح والفن، وسط عالم تتلاطم في خضمّه الأفكار الهدامة، ونحن في حمص المسرح نمضي واثقين متحدّين الواقع بأن لنا في دورات المهرجان المتعاقبة أعياداً لمسرح جديد ومتجدد عبر أجيال من المسرحيين المبدعين الذين غرسوا إبداعاتهم في تربة المسرح وساهموا في إظهار الطاقات والمواهب بما يليق بمكانة أبي الفنون، ويحفظ قيمته في حياتنا الثقافية والاجتماعية.
ثم تم تقديم درع المهرجان وشهادة تقدير للفنان بسام مطر، وذلك بعد عرض شريط فيديو يستعرض بعض الصور من مسرحيات شارك فيها ممثلاً، ومقاطع من مسرحيات أخرجها مؤخراً، وشهادات للمخرجين الذين عمل معهم (محمد بري العواني، حسن عكلا، أحمد منصور، خالد الطالب، تمام العواني). ولعل الفنان مطر الوحيد في حمص الذي ظل يعمل مسرحياً وإن كان خارج المدينة بعد أن اضطرته الحرب للخروج منها نحو مدينة «مشتى الحلو»، فأسس فيها أكثر من فرقة، وأخرج أكثر من عرض للكبار والأطفال، كما أسس فرقة في قرية «بعمرة» التابعة لمدينة صافيتا، وقدّم من خلالها عرضين مسرحيين للكبار ويحضّر آخر للأطفال.
بعد التكريم جرى عرض مشهد مسرحي بعنوان (صرخة ألم) تأليف وإخراج: طلحة مهرات، تمثيل: خالد الطالب وأفرام ديفيد. استعرض فيه الهموم المعيشية لشريحة واسعة من الشعب السوري تحت وطأة هذه الحرب، ومزاحمة شريحة لها على بعض حقوقها، ووفي نهاية المشهد دخل الفنان أحمد منصور ليقدّم مشهداً منفصلاً، تم ربطه بما سلف بشكل متقن، يستعيد فيه بعضاً من طقوس جلسات السمر في مدينة حمص رافقه موسيقياً رائد عواني وجهاد الشرفلي، والمشهد بتعاون فنيّ مع المسرحي محمد بري العواني. وقدمت فرقة «هامش»، بقيادة الفنان مروان غريبة الذي بدأت يده تتعافى من الوعكة الصحية التي ألمت به، فقرة موسيقية غنائية شارك فيها الفنان مصطفى دغمان.
شيطان المسرح
قدمت فرقة اتحاد الطلبة أول عروض المهرجان، نص وإخراج حسين ناصر، تمثيل ( خالد محفوظ، آلاء وداعة، رزان نيساني، استيفان برشيني، وليم آدنوف).تكوّن العرض من خمسة مونولوجات قصيرة لخمس شخصيات قدمت ما تعانيه، قد يتوهم البعض، وربما المخرج من بينهم، أنها لوحات مونودراما، لكن لا تمتلك تلك اللوحات نقطة التأزّم التي تصل إليها الشخصية لتسرد لنا معاناتها، وهذا ما لم يتوافر لتلك الشخصيات التي سردت لنا قصتها والتي في أغلبها تقليدية لا جديد فيها منذ الشخصية الأولى، فما الجديد في معاناة ممثل يعمل في المسرح لا دخل مادياً كافياً لديه لشروط حياة إنسانية، ورفض أكثر من عائلة تزويجه ابنتهم، على الرغم من كل ما أنجزه والجوائز التي نالها في مهرجانات عربية؟، وهل الممثل الذي يعمل في المسرح وحده من تواجهه تلك المعوقات؟، وهل هي جديدة متعلقة بظروف الحرب التي نعيش؟. من المؤكد أن الإجابة: لا، وقد سبق لعروض مسرحية كثيرة أن طرحت الفكرة ذاتها، فضلاً عن لوحات درامية تلفزيونية ومسلسلات كاملة. ثم ما علاقة أغنية (يا رايحين ع حلب حبي معاكم راح) هل فقط ليقول إننا نفكر بكم في حلب؟!، ومثلها الأشعار التي اختتم بها العرض، والتي لم تتم الإشارة إلى أن صاحبها هو الشاعر بشار عبد الله حسين، وهي أشعار بالمحكية تمجّد الشام وتمدحها، من دون أن أي سبب لذلك!. وتتماثل مع اللوحة الأولى قصة شخصية «الخيّاطة» في اللوحة الثانية التي هجرها خطيبها وسافر لدولة خليجية، وتشاء المصادفات أن تخيط بدلة العروس التي اختارها عوضاً عنها، والسؤال الذي يطرح نفسه: لو كانت الخياطة من مدينة اللاذقية أو من مدينة أخرى هل سيتأثر مضمون اللوحة بشيء؟. الإجابة وفق ما شاهدنا أيضاً: لا!.
كما لا جديد في ما طرحته قصة راقص المولوية الذي أحب امرأة من غير دينه، اختفت عنه فجأة ليجدها وقد ترهبنت، وقد اكتشف ذلك من خلال حفل لرقص المولوية أقامه في كنيسة لعله يعثر عليها، بعد أن غابت عنه، ناهيك بعدم الجديد في المعالجة إذ لم نلمس صراعاً بينهما وبين المجتمع، أو بينهما وبين عائلة الفتاة فضلاً عن الخطأ الفادح الذي وقع فيه المخرج باستخدامه اسم الأب فرانس (الذائع الصيت الذي ظل في حمص القديمة في دير الآباء اليسوعيين مكان خدمته للرب)، فقد جاء على لسان الممثل «استيفان برشيني» الذي جسد الشخصية أنه ذهب إليه بعد خروج المسلحين، واتفق معه لتقديم المولوية في الكنيسة، فكأننا بالمخرج غير متابع لأحداث حمص، ولم يدر أن الأب المذكور قد اغتيل على يد المسلحين قبل خروجهم منها، ولم تعرف الأسباب للآن!، وتبقى لوحة الفتاة التي حافظت على كشّ الحمام وفاءً لذكرى حبيبها الذي استشهد، والذي كان يطيّرها حباً، وظلت هي تطيّر الحمام لأنها ترى وجه حبيبها فيهم. وكذلك لوحة الفتاة التي جاءت تبحث عن طعام فلم تحصل سوى على قبلة واختيرت ملكة في حفلة تنكرية لاعتقادهم أنها أتقنت التنكر. بينما هي خسرت الطعام، وعندما انتهت الحفلة لم تجد من قبلها متنكراً. وعمد المخرج إلى تقديم الشخصية بلهجة حمصية لإضفاء ملمح كوميدي أتقنته الممثلة بجرأة، إذ نادراً ما تمتلك الممثلات جرأة الخروج بمثل هذا الدور وهن في بداية مشوارهن ولم يحترفن بعد، ونعزو الأمر لامتلاك هذه الممثلة موهبة حقيقية لا بد سنرى متابعتها لفن التمثيل. (ونعتذر من فريق العمل إذ لم يوزع أي دليل للمسرحية يجعل المتفرجين يعرفون أصحاب الشخصيات، إذ جاء في الدليل العام للمهرجان أسماء فريق العمل كله، وهذا ما تتحمله النقابة التي كان يجب عليها طلب ربط الأسماء بالشخصيات).
كما أن لباس الشخصية لا يدل أبداً عليها كشحاذة أو كفتاة جائعة تريد التطفل على مائدة ما، فغاب عن المخرج أن لكل شخصية ملامح خارجية وداخلية، واللباس أحد تلك الملامح التي تشير إلى هوية الشخصية! إذاً نعود للقول إنه باستثناء آخر لوحتين لم يقدّم العرض ما هو جديد ومثير، وإن أحسن إدارة فريق تمثيله الذي يستحق بمجمله تحية لامتلاكه قدرات أدائية تعد بالكثير من العطاء الفني الممتع. ونشير له إن حذف أي شخصية ومونولوجها لن يخل بالعرض إذ لا خيط يربط بينها. واختيار المخرج تقديم المؤثرات الصوتية الموسيقية والغنائية حيّة على الخشبة، من خلال (ماريو بطرس: على البيانو، وهيا عبود وعقبة قنطار في الغناء)، لم يضف للعرض شيئاً، فيما لو قدمت من آلة تسجيل. ويظل اسم المسرحية من دون أي دلالة، ومهما حاولنا تحليل اللوحات التي جّسدت فإنه يصعب إيجاد صلة الوصل، وتالياً معنى للعنوان ينسجم مع ما قدمته اللوحات! ومن ظلم في هذه المسرحية هو قدرات الممثلين والممثلات التي تستحق التقدير، ونحن الجمهور الذين كنا «نعشّم» أنفسنا بعرض جميل يشبع رغباتنا الفنية من مخرج سبق أن قدم مسرحية «مهاجر بريسبان» للكاتب اللبناني الفرانكوفوني جورج شحادة بشكل لافت وممتع رغم بعض السلبيات فيه وذلك منذ(15) عاماً تقريباً.
إخفاقات بالجملة
في ثالث يوم من فعاليات المهرجان قدمت فرقة «حكايا» من مدينة السويداء مسرحية (كافيه سكن الليل) إعداد وإخراج: ليال الهادي، المأخوذ عن نص (الوردة والتاج) للمؤلف جون بريسلي، تمثيل (لجين الهادي،حسن رسلان، هادي أبو غازي، سارة صعب، ليال الهادي، طلال أبو شديد، عمران الخطيب). الفنيون( إضاءة: منى الهادي، موسيقا: تمام عبد الملك. سينوغرافيا: لجين الهادي) إشراف: رفعت الهادي. عرض صعب يناسب شريحة من الاختصاصيين في المسرح، وليس عرضاً لجمهور مسرحي مهما كانت خبرته، وهو غير ممتع، وكل خطاب فكري لا يأتي على حوامل فنية ممتعة لا يترك أثراً مهما كان الجهد المبذول فيه. وكل عرض مسرحي ستظل إلى ما قبل نهايته بدقائق ليصلك المراد منه سيشعرك بالضجر، مع إن العكس هو الذي يجب أن يحصل، إذ يجب أن يبدأ العرض بتسليمك مفاتيحه تدريجياً ليشعل حافز المتابعة، لا أن يكون خالياً من عناصر التشويق. ونزعم أن العرض أراد أن يقول لنا ثمة ما يستحق الحياة على الرغم من كل قساوتها، وأن الذين يحبون الحياة وحدهم من يضحون لأجل الآخرين، لكن لم يخبرنا العرض لماذا جاءت وجوه الشخصيات فيه ملوثة بالألوان وكذلك لباسها، وبشكل نصفي؟، ولماذا هي منذ ما قبل العرض داخل المكان (البار)؟ غالباً النصوص التي يقوم بإعدادها مخرجون ما زالوا في بداية تجربتهم وليسوا محترفين يخفقون في إعدادها، وتالياً يأتي عرضهم مبهماً. كما أنهم غالباً ما يخفقون إن أناطوا بأنفسهم أكثر من مهمة، كحال المخرجة ليال، إعداداً وتمثيلاً وإخراجاً، ولذلك أخفقت أيضاً في التمثيل إذ لم تستطع الإمساك بملامح شخصيتها الحركية التي تناسب عمر الشخصية طوال العرض، وهو عمر متقّدم، فمرة تؤدي ما يناسب عمر الشخصية ومرة تنطلق بحيوية الشباب! وهنا نتساءل: أين إشراف المخرج رفعت الهادي؟، لماذا لم ينتبه لضرورة ضبط أداء المخرجة في شخصيتها؟، وما يثير التساؤل أننا شاهدنا العرض يجري درامياً في (بارٍ) بديكور متقن، فلماذا الإصرار على كلمة ( كافيه) وكل المشروبات التي تعاطتها الشخصيات مشروبات روحية؟، ولماذا وحده عامل البار كان افتراضياً؟، أسئلة قد لا نجد لها إجابات، ما ساهم في إعاقة التواصل مع العرض، ولاسيما أن معظم ما سمعناه من الشخصيات هو المونولوج وليس الديالوج! أي انتفت عن العرض القصة والحوار والصراع والحبكة!.
تصوير- عمر داغستاني
Views: 5